في الأسبوع الماضي بايعت أسرة الملا محمد عمر زعيم طالبان الراحيل، مع الملا أختر محمد منصور زعيما جديدا للحركة. منذ شهرين كانت التقارير تفيد بوجود خلافات داخلية في حركة طالبان، شكلت بيعة أسرة الملا محمد عمر، للملا أختر علامة نهاية لهذه الخلافات إلى حد كبير.
وبعد البيعة أظهر المجلس الأفغاني الأعلى للسلام أملا بأن تعود حركة طالبان مرة أخرى إلى طاولة محادثات السلام. وأظهرت طالبان فرحها بهذه البيعة وبما أنها وضعت نهاية للخلافات التي كان من الممكن أن تفتك بالحركة وبوحدة الصف فيها.
فإذا اختفت الخلافات الداخلية شيئا فشيئا من حركة طالبان، كيف سيؤثر ذلك على الوضع الحالي وعلى الحرب الدائرة ومحادثات السلام؟
الخلفية
فور وصول أشرف غني إلى سدة الحكم، منحت حكومته تنازلات كثيرة للجانب الباكستاني، أملا بأن تحمل الحكومة الباكستانية حركة طالبان أفغانستان على الجلوس خلف طاولة الحوار لإجراء محادثات للسلام. ومن جهة أخرى أصبحت كابول تعامل بحذر في علاقاتها مع الجانب الهندي كي لا تثير حفيظة باكستان. وتعهدت الحكومة الباكستانية والجيش الباكستاني في البداية بما لم يكن في وسعهما تنفيذه. ومن هنا وتحت ضغوط أفغاني ودولي أقامت باكستان جلسة للحوار في أورومتشي مع عدد من طالبان أفغانستان، رفضت حركة طالبان رسيما مشاركة أي مندوب لها في الجلسة.
بعد جلسة أورومتشي ازداد الضغط الأفغاني على باكستان، وطلبت الحكومة الأفغانية من باكستان بأن تحضر مسؤولين قيادين في طالبان إلى طاولة الحوار. ومن جهة أخرى تصاعد الخلاف بين طيب آغا رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان وبين باكستان، ولم تريد الحوار مع الحكومة الأفغانية تحت ضغوط باكستانية، وتدهورت العلاقات بين طالبان وباكستان. ومن هنا ضيّقت باكستان الخناق على طالبان، وكنتيجة لها بعثت طالبان مندوبا لجلسة محادثات إلى مدينة “مري”، السياحية قرب العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وبشرط أن يتم إخفاء الخبر.
إضافة إلى هذا الشرط، لم ترسل طالبان عضوا من مكتب قطر إلى إسلام آباد، وذلك لأن تحتج طالبان بعدم مشاركة أي مندوب من مكتب قطر في حال ظهور الخبر وأن تقول إن صلاحية الحوار مخولة تماما إلى المكتب السياسي، وأن المشاركة في جلسة مري كانت فردية.
وبالنظر إلى خلافات طيب آغا مع باكستان، علمت شورى القيادة في طالبان بأن المكتب السياسي لا تشارك في الحوار، لذلك شاركت في الحوار ولم تنف المشاركة صراحة.
وفاة الملا عمر وأهداف الإظهار
بعد محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان في مدينة مري الباكستانية، أعلنت الحكومة الأفغانية بناءً على مصادر مؤثقة باكستانية وفاة الملا محمد عمر زعيم طالبان. وبذلك تم تأجيل محادثات السلام. سؤال طُرح وهو أن الحكومة الباكستانية لماذا أخبرت أفغانستان في هذه الأوضاع الحرجة، ولماذا أعلنت الحكومة الأفغانية هذا الخبر، وأخيرا لماذا أيّدته حركة طالبان؟ يمكن أن نسرد بعض عوامله في الآتي:
- توقعت الحكومة الأفغانية أن هذا الخبر سيضعّف معنويات طالبان، وتقلل من أثرها، وتعزز عملية السلام، وتظهر قوة للحكومة، لكن النتيجة خرجت خلافا للتوقع.
- أخبرت باكستان الحكومة الأفغانية بالخبر، عندما كانت تحت ضغوط أفغانية ودولية، وكانت لها خلافات كثيرة مع حركة طالبان أفغانستان. أرادت من جهة أن تؤجل عملية السلام، وأن تضع نهاية لتعهداتها الكثيرة مع أفغانستان بإعلان وفاة الملا محمد عمر. وأرادت أن تظهر لطالبان بأنها تستطيع أن تفشي خبرهم المكتوم للجميع.
- وكان من الصعب لحركة طالبان أيضا، إخفاء وفاة الملا محمد عمر أكثر من عامين، وخاصة أن بعض وسائل الإعلام ومجموعة منفصلة لطالبان (المحاذ الفدائي)، أعلنت من قبل وفاة الملا محمد عمر. وتصاعدت مطالب وسط طالبان بالإفصاح وبرسالة صوتية للملا محمد عمر تثبت بقائه قيد الحياة. ومن جهة أخرى كان الإعلان بوفاة الملا محمد عمر الطريق الوحيد لوقف محادثات السلام الجارية تحت ضغط باكستاني.
أثر خلافات طالبان على ميدان القتال
في 30 من يوليو 2015م، وبعد تأييد طالبان وفاة الملا محمد عمر، حدثت خلافات على زعامة الملا أختر منصور، وكان من أبرز المخالفين أسرة الملا عمر، وطيب آغا رئيس المكتب السياسي للحركة.
ونشرت وسائل إعلام داخلية وأجنبية الخبر واسعا، من دون الاهتمام بأن الملا أختر هو الذي كان يملك زمام القرارات داخل طالبان منذ خمس سنوات الأخيرة. وكان أختر هو الذي بدأ محادثات قطر، وكان على صلة مباشرة مع قادة طالبان الميدانيين. وسبب ذلك مبايعة حكام طالبان في 34 ولاية للملا أختر محمد منصور.
جدير بالذكر أن قوة طالبان الحقيقية تكمن في القوات المسلحة المقاتلة، ما دامت هذه القوة مع طالبان وما دامت متحدة فإن الحرب سوف تستمر. وإدراكا من الملا أختر لهذه الحقيقة اختار سراج الدين حقاني زعيم شبكة حقاني المسلحة مساعدا له.
من جهة أخرى كل من انفصل من الساسة من طالبان، لم يؤثروا على المسار العسكري في طالبان. فلم يؤثر انفصال معتصم آغا جان وغيره من القادة على قتال طالبان، بل اشتدت الحرب أكثر. ولم تؤثر خلافات أسرة الملا عمر وطيب آغا مع الزعامة الجديدة على مسار القتال، بل رغم هذه الخلافات حدثت سلسلة من التفجيرات في كابول، اشتدت الحرب في شمال، وسقطت مديريات استراتجية مثل (موسى قلعة)، جنوبي البلد.
هل انتهت الخلافات الداخلية في طالبان؟
تزامنا مع حدوث الخلافات، حاولت الزعامة الجديدة في طالبان بأن تحصل على دعم القادة الميدانيين، فحصلت على دعم عسكريين وولاة كثيرين، وبعثت وفدا إلى عائلة الملا محمد عمر للحصول على دعمها. وبعد مبايعة القادة العسكريين بايعت عائلة الملا عمر، مع الملا أختر منصور وطالبت بقية المخالفين إلى البيعة مع الزعيم الجديد.
إضافة إلى ذلك وبناءً على خبر آخر، بعثت القيادة في طالبان وفدا إلى قطر، لاسترضاء طيب آغا، وفي حال نجاح المهمة، ووضع نهاية للخلافات السياسية، سيكون أكبر إنجاز لحركة طالبان في الآونة الأخيرة.
وحدة طالبان وأثرها على الوضع الراهن
وهنا في الآتي نلخص أُثر مبايعة عائلة الملا محمد عمر مع الملا أختر على مسار طالبان، وعلى عملية السلام:
- تزداد شرعية الزعامة الجديدة لطالبان،
- مباعية عائلة الملا عمر ترفع معنويات مقاتلي حركة طالبان،
- الملا أختر هو الذي بدأ عملية السلام، لكنه وبعد إعلان وفاة الملا عمر وانتخابه زعيما، اعتبرها “مؤامرة الأعداء”. إلا أنه كان تصريحا لجلب دعم القادة العسكريين. الآن وبعد أن أصبح الملا أختر شيئا فشيئا زعيما متفقا عليه، وبايعته عائلة الملا عمر، فإنه سيكون قادرا على الانخراط في عملية السلام، لكنه سيأخذ وقتا وسيكون من الصعب له أن يدخل في عملية السلام بسرعة.
- إذا وقع سلام بين الحكومة وجزء من طالبان، وبقي جزء آخر خارج عملية السلام فإنه لن يجلب السلام الحقيقي، إن السلام الحقيقي يأتي إثر وحدة طالبان خلف قرار السلام.
- لا تنسحب طالبان من موقفها الأول، وتستمر في القتال ما دامت القوات الأجنبية متواجدة في البلد، وتحرض الوحدة الحالية على ذلك أيضا.
- وفي حال استعداد حركة طالبان للحوار مع الحكومة الأفغانية، ستدخل الحركة ساحة الحوار بموقف قوي.
النهاية