مع أن المسؤولين الأمنيين الأفغان يؤكدون دوما على جاهزيتهم التامة لمواجهة أي تهديد أمني، إلا أن فرار مئات السجناء من سجن في ولاية غزني وذلك أثناء هجوم مسلح ومواجهة عسكرية دامت لساعات طويلة، يُظهر مدى ضعف القوات الأمنية وتدهور الوضع الأمني في البلد.
ليست هذه أول مرة تقوم حركة طالبان بإخراج أتباعها من السجون الحكومية في أفغانستان، لكن عملها هذه المرة اختلفت في دقة الخطة، وقلة خسارتها في النيل على الهدف.
ولو انتهى الأمر كله بدقة الخطة والعمل لدى حركة طالبان، لما كان القلق كبيرا، لكن القلق يمكن في وجود أيادي خفية في الحكومة الأفغانية تدعم الاضطراب الأمنية في البلد، وهذه الأيادي هي التي وفّرت الأرضية لفرار هؤلاء.
خلفية فرار طالبان من السجون
في شهر يونيو من عام 2008م، هاجم عدد من عناصر طالبان على سجن ولاية كندهار، قتلوا حراس البوابة ثم اقتحموا فيناء السجن، وأطلقوا سراح 900 من السجناء. وأفادت المعلومات الواردة بأن 350 من السجناء كانوا من مقاتلي حركة طالبان.
وفي عام 2011م، حفرت عناصر لطالبان نفقا بلغ طوله نصف كيلو متر، وسجن رقما قياسيا في الفرار من السجن عبر النفق، وفرّ عبره 475 من السجناء. وحفروا النفق خلال أربعة أشهر، ووفرا جميع الضروريات ومنها توفير الأكسيجن على طول النفق.
وفي مواقع أخرى وبأساليب مختلفة حررت حركة طالبان عددا من أتباعها من السجون، وفي الهجوم الأخير ليلة الثلاثاء للأسبوع الماضي حررت حركة طالبان جميع 400 سجنائها من سجن ولاية غزني.
أساليب حرب طالبان
ليست حرب طالبان متوقفة على استخدام السلاح والوصول إليه عبر القوة فقط، بل تستغل الحركة عن أساليب أخرى في حربها، لا تريد المصادر الأمنية الإفصاح عنها، والسبب أن الحكومة تريد أن لا تظهر لحركة طالبان أي ثقل آخر غير كونها مجموعة مسلحة فاقدة للشرعية بين الشعب.
ومن جانبها تستغل حركة طالبان الدعاية لجلب التأييد الشعبي لها، وهناك لجنة في الحركة باسم (لجنة الجلب والجذب)، يتجول أفرادها في القرى وينصحون السكان بأن لا يرسلوا أولادهم إلى صفوف القوات الحكومية، وقد نجحوا إلى حد كبير في هذه المهمة.
وتقوم مواقع رسمية لطالبان شهريا بنشر أسماء أولئك الذين يغادرون صفوف القوات الحكومية نتيجة لدعايات هذه اللجنة التي يكون جزء من عملها استخدام أفراد داخل القوات الحكومية المسلحة ليدعموا حركة طالبان وقت الضرورة.
هذه هي وقائع الحرب الأفغانية طيلة 35 سنة الماضية، تمت تجربتها مرارا، لكنه وبالنظر إلى الأوضاع الراهنة في البلد، وبالنظر إلى عدم رضى الشعب عن الحكومة وخاصة عن الفساد الإداري، أصبحت لعمل حركة طالبان في جلب مقاتلين جدد ثمرة كثيرة، وللمال أيضا أثر في دعم بعض عناصر القوات الحكومية مع مخالفي الحكومة المسلحين. ولا ينحصر الفساد الموجود في المؤسسات الحكومية على القسم المدني فقط، بل تفشى في أوساط القوات العسكرية أيضا.
ولا ترفض المصادر الأمنية الحكومية إمكانية وجود أيادي داخل القوات الحكومية تدعم طالبان، وتحدث متحدث وزارة الداخلية عن إلقاء القبض على عدد من أفراد الشرطة.
مغادرة صفوف القوات المسلحة
في حال رغبتك تجد على مواقع الانترنيت معلومات كثيرة حول الجيش الأفغاني مع صور جيدة وزيء عسكري راقٍ، يظهرون في بيوت وأماكن مزدهرة. ويتسع مبنى وزارة الدفاع الأفغاني (ويسميه البعض بـ”بنتاغون الصغير”)، لمئات من العمال، تم بنائه بتكلفة بلغت 160 مليون دولار، يتسع لـ2500 عامل، وتبلغ تكلفة أثاثه المنزلي فقط ما يقارب 50 مليون دولار.
لكن هذه المظاهر المبهجة تُخفي ورائها حقائق مُرة كثيرة، تحاول الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية إخفائها، ومنها أن الجنود الأفغان يقدمون على مغادرة الوظيفة في القوات المسلحة.
مع أن المؤسسات المعنية لا توفر أي إحصاءات دقيقة حول عدد الجنود الذين يغادرون الوظيفة العسكرية، لكن مصادر أخرى تتحدث عن أرقام مخيفة.
بناءً على تقرير لـ”سيكار”، الجهة التي تحقق في وجوه مصارف أمريكا في أفغانستان، غادر منذ يوليو 2013م، إلى يوليو 2014م، 40 ألف من القوات القتالية الأفغانية. وهؤلاء قد تمت لتدريبهم تكلفة كبيرة من قبل أمريكا.
ومع أن وزارة الدفاع الأفغانية رفضت هذا التقرير واعتبرت الإحصاء غير صحيح، لكن تأكيد أي مسؤول أمريكي ضمن زيارته إلى أفغانستان على بقاء القوات الأجنبية إلى أمد أطول يعزز وجود هذه المشكلة. ومن هؤلاء المسؤولين من يحذر أن انسحاب القوات الأجنبية كاملا من أفغانستان، سيهدّر جميع إنجازات أمريكا في البلد.
تحدث صراحة محمد عمر داؤدزاي وزير الداخلة الأفغاني السابق، وأظهر قلقه في تغريدة له على صفحته في تويتر تجاه تقليص القوى البشرية في صفوف القوات الدفاعية والأمنية الأفغانية واعتبر ذلك (جرس خطر)، لأفغانستان، وطلب من الرئيس الأفغاني بأن يدرك مسؤوليته كقائد عام للقوات المسلحة.
سبب الضعف في ميدان القتال
بعد سقوط حكم طالبان، يُعتبر إنشاء مؤسسة الجيش والشرطة واحدا من أبرز إنجازات النظام الجديد في أفغانستان. بداية وبعد مؤتمر بن، كان من المقرر أن يتم تشكيل جيش أفغاني بقوام 70 إلى 80 ألف مقاتل، لكن تحديات أخرى جعلت العدد أكبر بكثير، كما وتم تعزيز الجيش بأسلحة حديثة. ورتّبت دول كثيرة برامج للتدريب.
كانت أمريكا أكبر داعم للقوات الأمنية الأفغانية طيلة 14 سنة الماضية، وصرفت مئات من مليارات الدولار على تجهيز وتدريب هذه القوات. بداية شهر يناير 2013م، بلغ عدد الجنود في الجيش الأفغاني 352000 جندي، وهو العدد نفسه في الجيش الباكستاني، ويبدو الآن أن هذه القوات ورغم المبالغ الكبيرة التي صُرفت عليها، ليست كافية للمطلوب الأمني في أفغانستان ويُعتبر ذلك من أسباب تقدم حركة طالبان في جبهات القتال.
ليس النجاح في الحرب رهن السلاح والجندي فقط، بل المعنويات هي التي تقرر المصير. ويأمل الجندي الأفغاني مثل أي مواطن آخر حكومة جيدة، واطمئنانا على مستقبله ومستقبل أولاده وأسرته. عندما تعيش أسَر الوزراء والرؤساء خارج البلد في أمن وراحة، وينتشر الفساد في كافة مؤسسات الدولة، كيف يُتوقع أن يضحي الجندي بروحه من أجل بقاء هذا النظام؟
إن الفوز في الحرب يبقى رهن الفوز في مكافحة الفساد، والفساد ظاهرة سيئة، تأكل أسس النظام من الداخل، ثم تظهر حقيقة الأمر في ضعف معنويات الجنود في ميدان القتال. إذا ما تُقدم الحكومة الأفغانية على مكافحة الفساد بإرادة قوية، وإذا لم تفز في هذه المعركة، فلا ينبغي أبدا أن تأمل الفوز في مواجهة المخالفين المسلحين.
النهاية