منذ أربعة أشهر تشهد العاصمة الأفغانية كابول كل يوم تفجيرا أو عدة تفجيرات وأحداثا إرهابية. كما أن هذه الأحداث باتت تتقصد اغتيال الشخصيات الاجتماعية البارزة في المجتمع والناشطين المدنيين والمراسلين أكثر من السابق. وفي خضم هذه السلسلة تم اغتيال رئيس هيئة أمناء جمعية الإصلاح بأفغانستان الدكتور محمد عاطف بتاريخ 2/فبراير/2021م ولم تتبن أي جهةٍ الحدث. أما الحكومة الأفغانية فلم تندد باغتيال الدكتور عاطف فحسب ، وإنما اتهمت حركة طالبان بتدبير الاغتيال. وقد في حين ندد المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد اغتيال د. عاطفبعد ساعات من الحدث وقال بأن مجموعات خبيثة تقف خلف ارتكاب هذه الجريمة. من جانب آخر قام مستشار الأمن القومي الأفغاني ”السيد حمد الله محب” بالزيارة لتقديم العزاء إلى المكتب الرئيسي لجمعية الإصلاح ، وأكد أن اغتيال الدكتور عاطف إنما قام به أعداء أفغانستان كما وعد بالقاء القبض على مرتكبي الاغتيال وتسليمهم للعدالة.
في هذا التحليل الصادر من مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية سنبحث في التفسيرات المُحتملة لاستهداف الناشطين الاجتماعيين والشخصيات الشعبية المؤثرة.
نظرة في التفجيرات الأخيرة:
تم توقيع اتفاقية الدوحة في 29 فبراير2020 م ، وقد اقتضت بدء المفاوضات الأفغانية الداخلية خلال فترة وجيزة ، إلا أنها أُجّلت او تم تأخيرها وبدأت المفاوضات في سبتمبر 2020م، وخلال هذه الأشهر الأربع شهدت كابل – أكثر من أي ولاية أخرى في البلد – تفجيرات دامية بمعدل تفجير أو أكثر كل يوم. طال الاستهداف المواطنين المدنيين بما فيهم الناشطين الاجتماعيين والمراسلين وقد بلغ معدل استهداف هؤلاء خلال عام 2020م ثلاثة أضعاف عدد المستهدفين خلال عام 2019م. هذا الازدياد في العنف والتفجيرات ، الحاصل في مرحلة حرجة من المفاوضات الداخلية أدى إلى ازدياد القلق في نفوس المواطنين حيث يأملون أن لا تضيع فرصة السلام التي سنحت بفعل عصابات وتيارات تروم الوصول إلى لمصالحها الشخصية. من جانب آخر اضطر بعض النشطاء الاجتماعيين والمراسلين لترك البلد عقب الاضطرابات الأمنية الأخيرة، للحفاظ على أرواحهم، حيث تم اغتيال ستة مراسلين في تفجيرات الأشهر الأخيرة وهم (يما سياوش، إلياس داعي، السيدة ملاله ميوند، فردين أميني، رحمة الله نيكزاد، و بسم الله قرلق).[1] بالإضافة إلى ذلك فقد لوحظ أن الاستهدافات تتقصد الشخصيات الاجتماعية التي تسعى لاستقرار السلام الدائم، حيث يتم تصفيتهم من قبل جماعات مجهولة لا هدف لها سوى إفساد مسار السلام، وفي هذه السلسلة تم اغتيال الدكتور محمد عاطف مؤخرا، وقبلهم اغتيل الدكتور عبد الباقي أمين، ووحيد مُجده، والشيخ (الدكتور محمد) أياز نيازي وغيرهم.
من هو الدكتور محمد عاطف؟
وفق الإفادات فإن الدكتور والباحث الأكاديمي محمد عاطف وُلد في مديرية بنجي بولاية تخار، شمال شرقي أفغانستان ودرس المرحلة الجامعية خلال هجرته إلى باكستان وأتم دراسة الماجستير في مجال مقارنة الأديان كما درّس في عدد من الجامعات المعنية بتدريس الطلاب من المهاجرين الأفغان في باكستان. ترأس د. عاطف جمعية الإصلاح بأفغانستان مدة ست سنوات، وقد عُين رئيسا لفرع جامعة سلام بولاية كندوز قبل سنوات. و وفق تصريحات الشخصيات الشعبية فإن جمعية الإصلاح حركة منظمة تهدف لخدمة الدين والشعب، وقد كان الدكتور محمد عاطف رئيسا لهيئة أمناء هذه الحركة منذ ثلاث سنوات.
إن الدكتور المرحوم بإذن الله تعالى محمد عاطف قد اغتيل في فترة بذلَ فيها جهودا لتحقيق الآمال التي ذكرناها آنفا، ولأجل هذا حضر آلاف المواطنين في جموع غفيرة بشكل غير مسبوق للمشاركة في (اداء صلاة الجنازة ) عليه ودفنه في العاصمة كابول، وقد تم ذلك بصورة منظمة ومؤثرة. بالإضافة إلى ردود الأفعال في داخل البلد و خارجها فإن العديد من الشخصيات السياسية والعلمية والدينية على مستوى العالم أبدوا أساهم وعزاءهم تجاه اغتيال الدكتور محمد عاطف وعدّوا قتله جريمة كبرى وخيانة شنيعة لا يقتصر شؤمها على أفغانستان فحسب وإنما يتعداها إلى العالم أجمع.
إن الموكب الكبير الذي حضر لتشييع جنازة المرحوم محمد عاطف دل على كونه أحد قادة تنظيمٍ له جذور عميقة في مكونات الشعب كما دل على أن الدكتور لم يكن له هدف سوى الخدمة الصادقة للوطن. ولأجل هذه الأهداف تم التنديد بمقتل الدكتور محمد عاطف في وسائل التواصل الاجتماعي بصورة واسعة، كما أكد الناشطون على ضرورة إكمال المسيرة الفكرية التي خطها الدكتور عاطف ليصل البلد إلى الغايات التي كان ينشدها.
أُقيمت مجالس العزاء لمدة ثلاثة أيام في المكتب الرئيسي لجمعية الإصلاح بأفغانستان وقد حضرها كل من رئيس مجلس المصالحة الوطنية د. عبد الله عبد الله ، ومستشار الأمن الوطني القومي د. حمد الله محب ، ورئيس مجلس الشيوخ فضل هادي مسلميار ، وعدد كبير من المسؤولين الحكوميين وعدد من القادة السابقين بحركة طالبان وشخصيات سياسية واجتماعية وغيرهم من باعداد غفيرة.
لسوء الحظ أن الاغتيالات المتقصدة المقصودة او المتعمدة طالت هذه المرة الدكتور محمد عاطف ، الذي كان – رغم كونه شخصية شعبية – يسافر إلى شتى أنحاء البلد أفغانستان دون محافظين أو سيارات مدرعة ، لأجل قضايا تتعلق بالتربية والتعليم والسلام؛ وقد كان يهدف إلى إعادة بناء البلد ، واستقرار الصلح ، وارتقاء مستوى التعليم بين جيل الشباب؛ إلا أنه اغتيل وذهب حاملا أمانيه معه.
الاغتيالات المستهدفة؛ طريقة أخرى لإفساد مسار السلام!
وفق اتفاقية الدوحة فإن من المفترض أن تستمر الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في المفاوضات الداخلية؛ إلا أن هذه المفاوضات منذ شهر ديسمبر الماضي لم يكن لها أي أثر سوى الاتفاق على أطر وآلية التفاوض. من جانبٍ آخر فإن الحرب في أفغانستان قد اشتدت بعد اتفاقية الدوحة، والخسائر التي يتكبدها طرفا النزاع إنما هم مواطنون أفغان. في ختام الدور الأول من المفاوضات تم طرح طلب بوقف إطلاق النار وتشكيل حكومة مؤقتة، وعقب ذلك سافر وفد طالبان إلى روسيا وبعض دول المنطقة وادعت الحكومة الأفغانية أن حركة طالبان رغم مرور أسبوع لم تُبد تجاوبا ولم تحضر للتفاوض. لعل وقف إطلاق النار والحكومة المؤقتة هي القضايا التي تسببت في عرقلة وتوقف مفاوضات السلام بين الطرفين. وذلك لأن نائب رئيس المكتب السياسي لطالبان بقطر السيد شير محمد عباس ستانكزي صرح في سفره إلى روسيا أن تنظيم طالبان مستعد للسلام شريطة أن يتنحى محمد أشرف غني عن كرسي الرئاسة، إلا أن الحكومة الأفغانية تُطالب بوقف إطلاق النار، وترى أن الانتخابات هي الطريقة الوحيدة التي تصلح لتداول السلطة.
من جانبٍ آخر؛ وخلال التوقف الحاصل في مفاوضات السلام الداخلية والتي لا يُعلم موعد استئنافها أعلنت الحكومة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن عن اعادة النظر في اتفاقية الدوحة و تقييمها بمساعدة من الحكومة الأفغانية. صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي جك سوليوان بأن اتفاقية الدوحة تنص على أن خروج القوات الأجنبية من أفغانستان إنما يتم في ضوء تقييم الاتفاقية وما تضمنته من شروط والتزامات. إلا أن اللجنة المعنية بأوضاع أفغانستان في الكونغرس الأمريكي اقترحوا تأجيل موعد خروج القوات الأمريكية الى ما بعد شهر مايو 2021 الذي كان مقررا، كما اقترحوا أن تبقى الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بمطلب تحقيق السلام في أفغانستان. وفق تصريح اللجنة المذكورة فإن خروج القوات الأمريكية من أفغانستان في الفترة الحالية قد يتسبب في تفاقم الأوضاع الأمنية. كما أضاف بعض المسؤولين الأمريكيين أن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان وفق ما تقتضيه الأوضاع وعلى أساس شروط الاتفاقية سيمهد لاستقرار السلام في أفغانستان كما أنه سيساعد على حفظ مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
الفترة الحالية تشهد مطالبة تنظيم طالبان بتنحي الرئيس محمد أشرف غني عن الرئاسة كما أن الحكومة الأفغانية تُطالب بوقف إطلاق النار دون حصول تقدم حقيقي في المفاوضات، وفي الجانب المقابل تُعلن الولايات المتحدة الأمريكية عن اعتزامها تقييم اتفاقية الدوحة؛ كل ذلك أدى إلى عرقلة الجلسات الرسمية التي تجمع بين لجان المفاوضة الأفغانية الداخلية.
إن حدوث الاغتيالات المستهدفة في مثل هذه الفرصة الفريدة الواعدة بتحقيق السلام كفيل بإزالة جو الثقة بين طرفي المفاوضات ، والأدهى أنها ستشكل ذريعة تتحجج بها القوات الأجنبية للبقاء في أفغانستان؛ مما سيحدو بتنظيم طالبان لإعلان الحرب عليهم في حال عدم خروجهم في الوقت المحدد، ولن يُنتج كل ذلك سوى تأجيل تحقيق السلام أو تضييع فرصة السلام بالكلية؛ وقد تسببت هذه الأوضاع في تزايد القلق لدى عامة الشعب الأفغاني أكثر من أي وقت مضى.
إن الاغتيالات المستهدفة لا تتوقف بمجرد التنديد والشجب؛ لذا يجب على الشخصيات الاجتماعية والشعبية والناشطين المدنيين والسياسيين أن يتخذوا موقفا متحداً تجاه الاغتيالات المستهدفة.
إن الحكومة الأفغانية وحركة طالبان تُنددان بالاغتيالات المستهدفة ولا تتبنى مسؤوليتها؛ لذا عليهما أن تتخذا الخطوات اللازمة للكشف عن الجهات التي تنفذ تلك الاغتيالات. إن آلاف المواطنين الذين حضروا تشييع جثمان الدكتور عاطف ، ناشدوا طرفي النزاع بتسريع عجلة السلام؛ كما انتقدوا الحكومة الأفغانية حيث تعتبر نفسها الجهة المسئولة عن أمن المواطنين إلا أنها قاصرة في تنفيذ ما تدعيه. من جملة المطالب التي طالب بها المواطنون المحتشدون ، تحقيق العدالة تجاه اغتيال المرحوم عاطف، وإيقاف سلسلة الاغتيالات المستهدفة وتسريع مسار السلام الشامل والعادل في البلد. إذا استمرت الاغتيالات المستهدفة بهذا الشكل فليس من المستبعد أن يزداد تأخر مفاوضات السلام عن مواعيدها؛ وذلك لا يصب إلا في مصالح الجهات التي تهدف إلى إفساد عملية السلام الأفغاني. على الدول الإسلامية وخصوصا منظمة التعاون الإسلامي أن تُعمل الضغط على أطراف الحرب لأجل إنهاء الاغتيالات المستهدفة ووضع حد للمأساة والحرب في أفغانستان؛ ولأجل أن لا يبدأ المواطنون الأفغان كل صباح بالتفجيرات والاغتيالات.
[1] https://pasbanan.com/dr/increase-in-targeted-assassinations-and-the-escape-of-influential-figures-from-afghanistan/