بعد مواجهة دامت أسبوعين بين الحكومة الأفغانية ومجلس النواب حول المسودة الثانية لميزانية عام 1400 هـ شـ تم إرسال مسودة الميزانية للمرة الثالثة إلى البرلمان من قِبل الحكومة في تاريخ 6 فبراير 2021م. مع مضي شهر من السنة المالية الجديدة إلا أن مقترح الميزانية ما زال يُنقل من يدٍ إلى يد دون الحصول على أي نتيجة. وقد سبق أن رفض مجلس النواب المسودة المقترحة لميزانية عام 1400 هـ شـ مرتين.
أسباب رفض مسودة الميزانية من قِبل مجلس النواب
الأسباب التي لأجلها رفضت اللجنة المالية بمجلس النواب مقترح الميزانية تُلخص في 17 نقطة على النحو التالي[1]:
- عدم إضافة التعديلات المقترحة من قِبل مجلس النواب في الميزانية
- عدم إضافة مشروع السفرة الوطنية
- حذف بعض المشاريع الهامة من مسودة الميزانية
- تضمن الميزانية لمقترح اعتماد 4.3 مليار أفغاني (العملة الافغانية) لوحدة العمليات وبقية الوحدات التابعة للقصر الرئاسي الأفغاني
- نقل برامج تأهيل الطرق من وزارة تطوير القرى إلى وزارة الفوائد العامة
- حذف المشاريع الهامة (مشاريع هامة) على مستوى المحافظات
- عدم الاهتمام بتعليق ميزانيات الوزارات التي تُدار من قِبل المُفوضين بأعمال الوزراء
- عدم الاهتمام بمقترح توحيد حقوق الموظفين الحكوميين وعدم الاهتمام بمخاوف البرلمان حيال الحقوق والامتيازات الخاصة بهم
- مصاريف الضيافة وإيجار المساكن للمسؤولين الحكوميين
- الاهتمام بمقترح مجلس النواب حيال الاستفادة من مصادر الدولة المالية
- عدم الوضوح في قضية تمويل الموارد الداخلية
- زيادة 15 مليار أفغاني في الميزانية التنموية
- إدراج إدارات جديدة في الميزانية الوطنية دون موافقة مجلس الشعب
- إشكاليات في ميزانية بلديات المحافظات فيما يتعلق بمصادر الدخل
- حذف نحو 13 ألف موظف من الهيكل الوظيفي الحكومي
- إضافة مشاريع رفع كفاءة القطاع الحكومي دون الحصول على موافقة مجلس النواب
- اقتراح مبلغ 19.9 مليار أفغاني لسد عجز الميزانية من صندوق النقد الدولي
- إضافة 29 مشروع في وثيقة الميزانية رغم انتقاد الشعب ومجلس النواب لذلك
- تضخم مبالغ المصاريف الاحتياطية في مسودة الميزانية
أعلن نواب البرلمان بأنهم سيرفضون اعتماد الميزانية مرة أخرى إذا أُرسلت إليهم دون أن يتم تعديل ملاحظاتهم من قِبل وزارة المالية الأفغانية[2].
تفاصيل المسودة الثالثة المقترحة للميزانية
يُقدر إجمالي ميزانية البلد للسنة المالية الجديدة (1400 هـ شـ) بمبلغ 473 مليار أفغاني؛ ومن هذا المبلغ خُصص (مبلغ قدره) 311 مليار أفغاني للميزانية العادية كما تم تخصيص 161 مليار أفغاني للميزانية التنموية. أما المبلغ المخصص لمشروع السفرة الوطنية والبالغ 244 مليون دولار – وقد صُرف منه 160 مليون دولار – فقد حُذف من المسودة؛ في حين أن المقترح أكد في موضع آخر على تنفيذ الطور الثاني من أطوار المشروع[3].
في المسودة المقترحة الثالثة تم حذف أكثر من 3 مليارات أفغاني من البند رقم 22 ومشروع رفع الكفاءات وميزانية عدد من المؤسسات إلا أن ذلك لم يؤثر على المبلغ الإجمالي للميزانية. في موضع آخر من مقترح الميزانية تم إضافة بند لتنظيم آلية دفع حقوق الموظفين وخُصص له أكثر من 16 مليار أفغاني.
فيما يتعلق بمشاريع وحدة العمليات التابعة للقصر الرئاسي ورد في المسودة أن كافة مشاريع هذا القطاع سيُنفذ في إطار مشاريع بقية المؤسسات الحكومية وستلعب وحدة العمليات دور الإشراف في تنفيذ المشاريع المذكورة. لوحظ أيضا أن موضوع مصادر دخل بعض البلديات ينقصه الوضوح؛ كما أن التخصيص الاحتياطي في المسودة المقترحة الثالثة بلغت 19 مليار أفغاني.
في المسودة الثالثة تم تقدير العجز بمبلغ 37 مليار أفغاني، ولأجل توفير احتياجات الحكومة في السنة الحالية سيُطلب أكثر من 17 مليار أفغاني كديْن من المؤسسات الدولية[4].
علاقة عزل وزير المالية بميزانية عام 1400 هـ شـ :
في 23 يناير 2021م أصدرت رئاسة الجمهورية قرار عزل السيد عبد الهادي أرغنديوال عن منصبه، كما أصدرت قرارا آخر بتعيين محمد خالد باينده كقائم بأعمال الوزارة. عزلُ وزير المالية في فترة حرجة رُفضت خلالها ميزانية عام 1400 هـ شـ مرتين وشهدت خلافا بين الحكومة ومجلس النواب حيال اعتماد الميزانية أمرٌ مثير للاستفهام. صرح مكتب الإدارة التابع لرئاسة الجمهورية أن قرار عزل وزير المالية صدر لأجل تأخيره عملية جمع الإيرادات وعدم تعاونه مع اللجنة المشتركة المخولة بتفتيش التوظيف غير القانوني وعدم سماحه لعمل اللجنة، وعدم التزامه بقيم الحوكمة الرشيدة[5].
إلا أن السيد أرغنديوال في مؤتمر صحفي عقده في تاريخ 25 يناير 2021م رد كافة الاتهامات الموجهة إليه ، وذكر بأن هناك شخصيات ومجموعات في القصر الرئاسي لطالما تدخلت في أعماله ، وقال بأن سعيه لسد منافذ سوء استغلالهم لمناصبهم تسبب في خلق مشاكل له. وأضاف أنه طالب رئيس الجمهورية بالتواصل المباشر معه بدلا عن التواصل عبر مجموعات تسير خلف مصالحها الخاصة وأن هذه المجموعات لن تبقى في البلد يوماً واحداً إذا سُدت أمامها طرق الاستغلال؛ إلا أن أرغنديوال لم يُسمّ أحداً باسمه.
ذكر السيد أرغنديوال أن السبب الآخر لعزله هو مشاركته في اللجنة الشعبية للمشتريات ، حيث اعترض فيها على قرار شراء 18 نوعا من اللحوم لمكتب الإدارة الرئاسية ، وقرار شراء النفط بسعر 41 أفغاني مقابل كل لتر في حين كان سعر النفظ في السوق 36 أفغاني. وكان أحد أعضاء البرلمان هو من أثار الجدل حول قضية شراء 17 نوعا من اللحوم وإنفاق 30 مليون دولار لأجل شراء الخضراوات لمكتب الإدارة الرئاسية.[6]
حسبما يظهر لم تكن هناك علاقة مباشرة بين تنحية وزير المالية وقضية الميزانية. ولكن بالنظر إلى عدم وجود الثقة والتنسيق بين القصر الرئاسي ووزير المالية في مجال النفقات فليس من المستبعد أن يكون تعامل الوزير مع قضية الميزانية غير مرضي لدى الرئيس الأفغاني والمسؤولين بالقصر الرئاسي.
تأخير اعتماد الميزانية و تأثيرها على اقتصاد البلد:
للميزانية دور هام في اقتصاد أي بلد، حيث تحدد او تخمّن او تقدر إيرادات ونفقات البلد خلال العام. ولأجل هذا تُبدي الحكومة حساسية تجاه تنظيم الميزانية؛ كما عليها أن تكون دقيقة في تعيين المصادر التي من خلالها يتم توفير الميزانية.
لا شك أن بداية السنة المالية مصحوبة ببدء الأنشطة والأعمال والمشاريع، وفي حال عدم توفير الميزانية اللازمة ستعرقل او تتعطل الأعمال المذكورة وستتباطأ. إن الميزانية في الأوضاع الحالية تُشكل خطة وبرنامجا للنمو المستقبلي، وفي حال عدم الانتهاء من اقرارها او اعتمادها في الوقت المناسب وتسليمها للجهات المخولة بها ستبرز مشاكل عديدة. ومع ذلك فإن توازن الميزانية أيضاً أمر هام كما يؤكد على ذلك البرلمان وفي حال اختلال اتزان الميزانية ستزداد الاضطرابات الاقتصادية.
إن أوضاع أفغانستان تخضع لتعقيدات عديدة جعلت التنبؤ المسبق بمآلاتها أمراً صعبا. في مثل هذه الأوضاع، إذا أفرزت عملية السلام نتائج محددة فإنها ستكون مصحوبة بتغييرات وتعديلات ، وهذه التعديلات بدورها ستحتاج إلى قرارات جديدة، وفي هذه الحالة فإن عدم اعتماد الميزانية في الوقت الراهن لن يؤثر بدرجة كبيرة في وضع البلد الاقتصادي في تلك الفترة المستقبلية.
أما إذا لم تفرز عملية السلام أي نتيجة محددة وصار مصير استقرار البلد مجهولا ، فإن اضطرابات البلد ستستمر ولن نلحظ تغييرات في النظام؛ وسيؤدي عدم اعتماد الميزانية في الوقت المحدد إلى آثار اقتصادية سلبية تؤثر على الدولة والمجتمع.
مما ينبغي الاهتمام به في مسودة الميزانية: مقادير التكاليف؛ وحجم الاستثمارات، وكيفية توفير فرص عمل جديدة والعمل على إعادة تأهيل قطاعات البلد، كما على الحكومة أن تهتم بآثار الميزانية على جميع القطاعات بما فيها القطاع الحكومي والقطاع المستهلك والقطاع الصناعي والإنتاجي والقطاع السياسي والتنفيذي وغيرها. لذا فإن مصير البلد منوط بنوعية الميزانية وتقديراتها.
أكد عضو مجلس النواب من محافظة هرات الأستاذ حميد الله حنيف بأن مسودة الميزانية ينبغي أن تكون قائمة على رعاية المصالح الشعبية، كما ينبغي صرف مزيد من الاهتمام بالبنية التحتية وتعيين آليات للإنفاق تهدف إلى تقليص مستوى الفقر في السنوات الآتية. كما حذر من مد يد الفساد إلى الميزانية ونهبها وأكد على التعادل في الرواتب. وأضاف مؤيدا موقف البرلمان حيال عدم اعتماد الميزانية: “إن الاهتمام برواتب الموظفين الجنود والمدرسين يتصدر أولويات البرلمان، ولن يُسمح بإدراج مصاريف غير لازمة في الميزانية”.
مع صحة موقف مجلس النواب حيال رفضهم مسودة الميزانية للمرة الثالثة ، وتأكيد المجلس على إجراء التعديلات عليها؛ ينبغي استحضار أن تردد مقترح الميزانية بين الحكومة والبرلمان وتأخر اعتماد الميزانية يؤدي إلى تأخير الأنشطة و تنفيذ المشاريع ، مما سيكون له آثار سلبية ، خاصة تلك المشاريع التي يستفيد منها الشعب بشكل مباشر. مع أن عدم اعتماد ميزانية البلد لن يمنع صرف رواتب الموظفين الحكوميين حيث إن القوة التنفيذية مخولة وفق القانون بصرف الرواتب وفق معايير السنة الماضية؛ إلا أن الحكومة كثيرا ما تمتنع عن صرف الرواتب لأجل أن ترتفع الأصوات المعترضة من الشعب ، وتُعمل بذلك الضغط على مجلس النواب. نأمل أن تزول هذه النزاعات بين القصر الرئاسي ومجلس النواب في أسرع فرصة ، على أساسٍ من الاهتمام على مصالح الشعب والنظر الموضوعي في واقع البلد؛ حتى يأمن كل من الشعب والحكومة مغبة عدم اعتماد الميزانية ويُجتنب تعريض الوضع الاقتصادي في أفغانستان إلى مزيد من التدهور والاضطراب.
[1] https://tolonews.com/fa/business-169515
[2] https://www.google.com/amp/s/avapress.com/fa/amp/21840
[3] https://tolonews.com/fa/afghanistan/budget
[4] https://tolonews.com/fa/afghanistan/budget-16802
[5] https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/afghanistan-55779834.amp
[6] https://www.bbc.com/persian/afghanistan-55799573