في يوم الاثنين الموافق 2/نوفمبر/2020م اقتحم ثلاثة مهاجمون بوابة جامعة كابول ودخلوا في اشتباك مسلح مع القوات الأمنية لأكثر من 24 ساعة. أعلنت شرطة كابول أنه تم اعتقال 13 شخصا لأجل الإهمال الوظيفي المتعلق بالهجوم المذكور. في هذه الهجمة بلغ عدد الضحايا 22 قتيلا و 40 جريحا مُعظمهم طلاب بجامعة كابل.[1]
الهجوم المسلح على المركز العلمي الأكبر في البلد والذي يمتد تاريخه لأكثر من مئة عام أحدث صدمة مدوية كما أنه أثار العديد من التساؤلات في أذهان المواطنين. يتساءل الشعب عن الدوافع التي جرّت إلى وقوع الهجوم وعن كيفية دخول المهاجمين لحرم الجامعية حاملين أسلحة خفيفة وثقيلة، كما يتساءلون عن مكمن الخلل والتقصير.
ذكرى أليمة للشباب الجامعي في البلد
أحدثت هجمات يوم الاثنين – الثاني من نوفمبر – حالة من الذعر في الأوساط الأكاديمية – الجامعية وكذلك لدى عامة الشعب. لقد أدمى الهجوم المذكور قلوب المواطنين وأدخل البلد في حالة عزاء شامل. تم الهجوم على مبنى تدریباً الحقوقیة بالجامعة الذي كان يضم وقت الهجوم طلاب كلية الإدارة والسياسات العامة وفصلا من كلية الحقوق والعلوم السياسية.
السيدة شكيلا (32 عاما) طالبة بالسنة الرابعة في كلية الإدارة والسياسات العامة بجامعة كابل، وهي إحدى من نجوا بحياتهم من الهجوم الأخير على الجامعة. مع أنها بقيت حية إلا أن الحدث أصابها بصدمة نفسية وذلك لأنها رأت بعينيها مقتل زملاءها. تقول شكيلا: “سُمع صوت إطلاق الرصاص بدايةً الساعة 10:46 صباحا، وانقطع التيار الكهربائي وزامن ذلك انتهاء الدرس وتوديع المدرس للطلبة، وحينما أراد الخروج من الفصل اشتد إطلاق النار. طلب الأستاذ من الطلاب أن يزحفوا على الأرض إلا أن الطلق الناري اشتد أكثر وأُلقيت بالسرعة قنبلة في الفصل”. تُضيف شكيلا قائلة: “لقد كنتُ مع عدد من زميلاتي في زاوية الفصل الخلفية، وقد تظاهرنا بالموت وسقطت علينا الكراسي وتناثرت على وجوهنا وأجسادنا دماء وأشلاء زملائنا، ولذا ظنوا بأننا من القتله. لم أعتقد أنني سأبقى حية، نطقتُ بالشهادتین عدة مرات ومررت بحالة لا توصف، كنتُ أدعو فقط، الفصل الضيق امتلأ بالدم والدخان وبقينا على حالنا هذا عدة ساعات حتى حضرت الشرطة انقذونا”[2]
هذه الذكرى الأليمة ذكرى واحدة من عشرات الطلاب الذين شهدوا الحدث وعاينوا الموت أمامهم وستبقى أحداث هذه الذكرى منحوتة في أذهانهم دائما.
من المسؤل؟
الهجوم على فئة الشباب المثقف من المجتمع والذي ينشد إعادة إنشاء بلده صدم سكان كابل وأثار غضبا واسعا. من الصعب تخيل إمكانية قيام أحدٍ ما بهذه الجريمة ببرودة دم وجمود المشاعر.
تبنى تنظيم داعش الهجوم على جامعة كابول ونشر صورا لرجليْن ملثمين استهدفا حفل تخريج القضاة والوکلاء. في حين أن تنظيم طالبان أعلن براءته من التورط في الحدث المذكور.
إلا أن النائب الأول لرئيس الجمهورية السید أمر الله صالح ذكر بأن بيان داعش بيان مزور وقال إن الأسلحة التي تمت مصادرتها لا تطابق الأسلحة التي تظهر على الصور المنشورة من قبل داعش. واستنادا إلى العثور على علمٍ طالبان في موقع الحدث يقول أمر الله صالح إن الهجمة من قبل طالبان لا من تنفيذ داعش.
نُشر مقطع فيديو عقب الحدث وازداد الموضوع إبهاما حيث يتضمن المقطع لقطات لشبه مسلحين ملثمين من داعش وهم ينكرون التورط في الهجوم المذكور ويتهمون الطالبان بالقيام علی الهجوم. يرى الكثير من الخبراء بأن المقطع مزور، كما أنهم يتساءلون عن مدى حاجة طالبان إلى أخذ علَمهم لموقع الهجوم إذا أرادوا أن يكتموا تورطهم في العملية. نشر تنظيم طالبان بيانا أدان فيه الهجوم واتهم فيه الحكومة بدعم تنظيم داعش. تساءل المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد بنبرة عصبية قائلا: ” كيف أمكن للمهاجمين أن يجدوا وقتا لخط رسومات على الجدران؟ وما هو الغرض من أخذهم للعلم معهم؟” كما ذكر بأن الانتقادات الموجهة في هذا الصدد للمعارضة المسلحة للحكومة انتقادات باطلة. يقال أن الهجوم الأخير يُشبه الهجمة التي شُنت عام 2016م على الجامعة الأمريكية في كابول التی سقط جراءها 13 قتيلاً.[3]
للإسف لم يكن هذا الهجوم على المراكز العلمية هو الأول من نوعه في أفغانستان. في الحدث المشابه الأخير تم استهداف مركز “كوثر” التعليمي في غرب كابل بهجوم انتحاري راح ضحيته على أقل تقدير 24 قتيلا و 57 جريحا وكان كل الضحايا من فئة الشباب.[4]
تأثيرات الحدث على عملية السلام
إن عملية السلام في الفترة الراهنة تخوض مرحلة تحرک و انتاج من أي وقت مضى. مع وجود الآمال والبشائر في عملية السلام الأفغاني إلا أن العملية محاطة بالمخاوف والأخطار المحدقة. مع أن الشعب الأفغاني يعلم أن عملية السلام لن تؤتي ثمارها قريبا إلا أن عدم اعتمادهم لحل آخر سوى إخماد الحرب القائمة يجعلهم يترقبون بقلوب حرّى النتائج الإيجابية التي ستُسفر عنها مفاوضات السلام.
إلا أن اشتداد أوار الحرب في الأسابيع الأخيرة واستهداف الأفراد العُزّل من قبل المعارضين المسلحين تسبب في تعثر عملية السلام وتباطُئِها. حادثات مقتل الطلاب في احدی مراکز تعليمية فی غرب كابل قبل أيام كان آخر حدث من هذا النوع وقد أطفأ الأمل في القلوب بعد طول انتظار لاستقرار السلام الوطني الشامل.
في حين أن مخالفي السلام قد نشطوا داخل وخارج البلد حتى يُفسدوا عملية المفاوضات الجارية بين الحكومة الأفغانية وطالبان وقد تحركت الأيادي الخفية الغادرة، تقتل العُزل إلا أن عامة الشعب يرون أن استمرار الحرب والقتل والدمار في البلد يرجع إلى تقصير حركة طالبان وذلك لعدم قبولها مقترح وقف إطلاق النار الفوری والخال من أي اشتراطات.
عقب الحدث الدامي الأخير في جامعة كابول، وقف الطلاب المعترضون أمام بوابة الجامعة وصاحوا مرددين شعارات تندد بحركة طالبان، كما طلبوا من اللجنة الحكومية المُفاوضة أن توقف فورا محادثات السلام وتعود إلى أفغانستان ولا تستأنف المفاوضات إلا إذا قبلت الحركة مقترح وقف إطلاق النار.
بالنظر إلى حدث جامعة كابول الأليم نعلم أن مسؤولية اللجان المُفاوضة تزداد خطورةً. إن الشعب الأفغاني يُناشد اللجان المفاوضة (وفود طالبان والحکومة الافغانية) أن يصلوا بالمفاوضات إلى نتائج في أسرع وقت. لا يصح إطلاقا أن يُضيع الطرفان المُفاوضان الوقتَ وينتظرا مصير الانتخابات الأمريكية وقرارات الحكومة الأمريكية الجديدة حيال السلام الأفغاني. إن السلام هو ضرورة الوقت والواجب الشرعي والوطني المتحتم على الأفغان كما أن مفتاح هذا السلام في يد اللجان المفاوِضة في الدوحة. على لجان التفاوض أن يمهدوا الطريق للاستقرار والسلام الدائمين في البلد قبل أن تحل مصائب أكبر وتُسفك دماء أكثر في أفغانستان، وإذا لم يفعلوا ذالک سيصيبهم العار والندامة أمام الله تعالى وأمام الشعب الأفغاني.
[1] https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/persian/afghanistan-5413032.amp
[2] https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/persian/afghanistan-5489488.amp
[3] https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/persian/afghanistan-54824697.amp
[4] https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/persian/afghanistan-54776444.amp