في الثالث من نوفمبر الجاري عُقدت الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومع مرور اسبوعين عليها لم يتم حتى الآن الإعلان الرسمي عن الفائز في الانتخابات. مع أن الحسابات الأولية للنتائج تُظهر تقدم المرشح جو بايدن على ترامب بفارق کبیر إلا أن ترامب يُهدد برفض نتائج التصويت حيث شهدت الانتخابات على حد زعمه تزويرا كثيرا. يكثر الجدل حول نتائج الانتخابات في وقتٍ لا تزال فيه عملية فرز الأصوات جارية في بعض أماكن الاقتراع، ولم يتم حتى الآن الإعلان بشكل رسمي عن نتائج الانتخابات. ما هي تأثيرات الانتخابات الرئاسية الأمريكية – التي يبدو أن جو بايدن هو الفائز فيها – على عملية السلام الأفغاني؟ هذا ما سنسلط عليه الضوء في مقالنا.
ترامب و بايدن
المنافسة الانتخابية الشديدة بين مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب ومرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020م جعلت التنبؤ المسبق بالفائز أمرا صعباً للمحللين السياسيين. في الانتخابات المذكورة شاركت نسبة 65% من الأمريكيين المؤهلين للتصويت وهي أعلى نسبة شاركت في الانتخابات في أمريكا منذ عام 1900م.
لعل من المشاكل التي حادت بالكثيرين إلى تحويل أصواتهم من دونالد ترامب إلى جو بايدن مشكلة تفاقم البطالة، وعدم التعامل بحزم مع وباء كورونا، والسياسيات التجارية مع الدول الأخرى والعمل بمنطق “أمريكا أولاً”. لقد أودى فيروس كورونا بحياة أكثر من 242 ألف أمريكي، كما أن الفيروس أصاب الرئيس الأمريكي ترامب وزوجته في الثاني من نوفمبر، في حين أن ترامب كان يعد الفيروس من قبل فيروسا عاديا.
وفق استطلاع قامت به وكالة (ABC News) الإخبارية يعتقد 72% من المواطنين الأمريكيين أن الرئيس ترامب لم يتعامل مع موضوع فيروس كورونا بصورة حازمة. المشكلة الأخرى هي سياسة “أمريكا أولاً” والتي زادت الفجوة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم كما شوهت سمعة أمريكا بین اصدقائه. أظهر جو بايدن في خطاباته الانتخابية أنه سيتجنب السياسة المذكورة كما سيسعى إلى توطيد العلاقات الثنائية مع الدول الأخرى وخصوصا مع الدول المؤيدة للولايات المتحدة الأمريكية.
يزعم الرئيس ترامب أن الانتخابات الرئاسية شهدت تزويرا واسعا كما يصرح بأن عدد 2.7 مليون من الأصوات المؤيدة له تم حذفها من النظام الانتخابي الإلكتروني. في المؤتمر الصحفي المتعلق بوباء كورونا والمنعقد في تاريخ 14/نوفمبر/2020م تحدث ترامب عن الخطوات التي ستتخذها الحكومة الأمريكية القادمة حيال فيروس كورونا، وحديث ترامب عن الخطوات التي ستتخذها الحكومة القادمة يُظهر بشكل ضمني قبولَ ترامب للهزيمة في الانتخابات[1]. ومن جانب آخر ترد إدارات النظام الانتخابي وإدارات الأمن السيبراني على مزاعم ترامب حيال التزوير وتصرح بأن الانتخابات الحديثة كانت هي الأكثر نزاهة وشفافية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.[2]
بايدن ودوره المستقبلي في أمريكا والعالم
أكبر تحد يواجهه بايدن داخل أمريكا هو مكافحة وباء كوفيد-19 حيث أُصيب بهذا الفيروس حتى الآن نحو 10.7 مليون مواطن أمريكي.[3] من جانبٍ آخر فإن خفض مؤشر البطالة يُعد التحدي الآخر بالإضافة إلى ازدياد نسبة المرض في البلد.
في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، صرح بايدن برجوع الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق باريس الذي أعلن ترامب إبان فترة حكمه انسحاب الولايات المتحدة منه. ويُعد رجوع الولايات المتحدة إلى الاتفاق المذكور تقدما ملموساً في مجال تغير الإقليم.
كان جو بايدن مخالفا لسياسات الرئيس الأمريكي ترامب حيال إيران وأظهر خلال الدعايات الانتخابية أنه سيستأنف تفعيل الاتفاق النووي مع إيران – والذي وُقع بداية عام 2015م. يرى بايدن أن ترامب أعمل ضغوطا على إيران اکثر مما یجب ولذا يريد بايدن العمل وفق استراتيجية تحفظ المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.[4] وقد أبدى الرئيس الإيراني حسن روحاني ارتاجه بالنتائج الأولية للانتخابات الأمريكية وأبرز آماله بأن تعمل الحكومة الأمريكية الجديدة على اغتنام الفرص الحالية لتدارك الأخطاء السابقة. إلا أن هذا الضوء الأخضر لإيران من الجانب الأمريكي قد لا يرحب الدول العربية وقد تكون لذلك تبعات أمنية لدول المنطقة.
وفيما يتعلق بموضوع كشمير الذي أثار نزاعات طويلة بين الهند وباكستان وكان ترامب يدلي بتصريحات تهدف للوساطة في النزاع بين الطرفين، صرح بايدن بأن هناك ظلما يجري على الأقليات وسيعمل على حل المشكلة هناك. وهذا هو السبب الذي جعل السلطات الباكستانية تستبشر بفوز بايدن حيث يرى المسؤولون الباكستانيون بأن حكومتهم ستسعى لجذب الدعم الأمريكي حيال قضية كشمير.
وفي صعيد السياسة الخارجية كذلك تُعد قضية تحسين العلاقات السياسية والتجارية مع الصين تحديا كبيرا لبايدن، مع أن الصين قد أرسلت تهنئة لبايدن على فوزه المرتقب في وقت متأخر مقارنة بالدول الأخرى.
أما روسيا فلم ترسل تهنئة لأي مرشح حتى الآن وتؤكد على أنها ستنتظر الإعلان عن النتائج بشكل رسمي. هذا في حين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان أول من هنأ الرئيس الأمريكي ترامب على فوزه في انتخابات عام 2016م. وقد اتهم بايدن قبل مدة فدراتيف روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. هذه العزلة بين روسيا والإدارة الأمريكية الجديدة كفيلة بتعكير العلاقات الثنائية بين البلدين والإخلال بأمن دول المنطقة.
تأثيرات فوز بايدن على أفغانستان
بقي بايدن نائبا للرئيس الأمريكي منذ اعتلاء أوباما كرسي الرئاسة عام 2009م وحتى عام 2017م، وهو يملك معرفة جيدة بأحوال أفغانستان كما أنه سافر إلى عدة أقاليم فی داخل افغانستان.
في السنة الأولى من عمل جو بايدن نائبا للرئيس الأمريكي شنت القوات الأمريكية هجماتها على أفغانستان والعراق عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. في حين أن بايدن أبرز مخالفته للهجوم على العراق. في لقاء له مع وكالة سي إن إن الإخبارية عام 2012م، قال بايدن بأن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تُخرج جميع جنودها من أفغانستان حتى عام 2014م. حسب رؤيته فإن أمريكا هجمت على أفغانستان لأجل القضاء على مركز تنظيم القاعدة، وبما أن تنظيم القاعدة قد ضعف جداً في أفغانستان فإن إرساء الأمن في البلد يبقى مسؤولية القوات الأفغانية ولا ترغب الولايات المتحدة الأمريكية بالبقاء هنا. إلا أن الرغبة في منع وجود أي مخاطر تهدد الولايات المتحدة الأمريكية هو ما حدا بأمريكا لتنشئ معسكرات – بالإضافة إلى باكستان – لتُعين على تشكيل جيوش لمكافحة الإرهاب.[5] وقد صرح بايدن من قبل بأنه سيتم تفويض شؤون أفغانستان إلى باكستان مما أثار ردود فعل واسعة بين فئات الشعب الأفغاني.
في عام 2011م كان بايدن قد ذكر للرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي بأن باكستان أهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان بنسبة خميس فی الماية. كما قال لكرزاي بأن فترة بوش الذهبية قد انتهت بالنسبة إليكم، ومشكلة طالبان تقع على عاتقكم كما أن مشكلة القاعدة تقع على عاتقنا.[6] إن إظهارات بايدن حيال أفغانستان تدل على أن أمريكا لا تؤيد وجود نظام قوي في أفغانستان.
بالنظر إلى تصريحات جو بايدن السابقة حول أفغانستان ممکن القول بان الشعب الأفغاني قد لا يشهد تقدما جديرا بالاهتمام مع قدوم الحكومة الأمريكية الجديدة، كما أن سقوط الضحايا من الافغان قد يستمر في البلد.
من جانب آخر أبدى الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني أمله في استمرار العلاقات الإستراتيجية بين أمريكا وأفغانسان، ضمن تهنئته لبايدن على فوزه في الانتخابات.
بايدن و اتفاقية الدوحة
بالنظر إلى تصريحات بايدن حول أفغانستان فإن اتفاقية الدوحة التي تم توقيعها فترة حكم ترامب قد لا نتائج مطلوبة للشعب الأفغاني. صرح تنظيم طالبان بأن فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية شأنٌ أمريكي داخلي، وطالبوا الحكومة الجديدة بالبقاء ملتزمة باتفاقية الدوحة وذلك لوجود اشخاص وتيارات تكمن مصالحها الخاصة في استمرار الحرب في أفغانستان ولذا تعمل على تطويل الحرب مما سيكون له تبعات سلبية علی الجانب الأمريكي.
من جانب آخر صرح النائب الثاني للرئيس الأفغاني سرور دانش بأن على الحكومة الأمريكية أن تُعيد النظر في اتفاقية السلام، للضغط على حركة طالبان وتقلیل مستوى العنف فی البلد. [7]
بعد تصريحات دانش المذكورة ذكر النائب الأول للرئيس الأفغاني أمر الله صالح في مؤتمر أمني عُقد مؤخراً بمدينة هرات بأن الحكومة الأفغانية لا تعترف باتفاقية السلام، وذلك لأن الحكومة الأفغانية بعد توقيع الاتفاقية المذكورة قامت – بالتنسيق مع المجتمع الدولي – بإطلاق سراح 5000 سجين من المنتمين لطالبان، ومع ذلك فإن العنف مستمر في البلد افغانستان.[8]
لاشک ان هذا النوع من التصريحات في فترة المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية تیح الفرصة لأمريكا بأن تستغل اتفاقية الدوحة حسب مصالحها الوطنية.
القادة العسكريون في أمريكا يعتقدون بأن خروج قواتهم من أفغانستان حسب ما التزمت به حكومتهم في اتفاقية الدوحة سيتم حسب الأوضاع وإذا وُجد خطر يتهدد المصالح الأمريكية فبإمكانهم حينها أن يبقوا في أفغانستان لمكافحة تلك المخاطر.
من الاسف ان بعد توقيع اتفاقية الدوحة معدل العنف في أفغانستان ما زال في ازدياد مستمر. المستشار السابق للأمن الوطني الأمريكي مك مستر ذكر في لقاء مع بي بي سي أن توقيع الاتفاقية مع طالبان كان أكبر فشل في السياسة الخارجية لحكومة ترامب، ويرى أن الولايات المتحدة الأمريكية تحالفت مع طالبان في صف مُعادٍ للحكومة الأفغانية.
من جانب آخر أرسل وزير الدفاع الأمريكي السابق مارك إسبر خطابا للبيت الأبيض وأبدى فیه قلقه حيال سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وناشد بأنه قد لا يتم سحب القوات الأمريكية بشكل فوري.
بالنظر إلى تصريحات جو بايدن آنفة الذكر حيال أفغانستان يتضح أن نجاح عملية السلام الأفغاني ليس ضمن الأهداف الاساسیة للبيت الأبيض، ومن هنا قد يتعثر مسار السلام الأفغاني ويواجه بعض التحديات. ما يظهر من تصريحات بعض القادة العسكريين الأمريكيين هو أن بايدن قد يُخالف بنود اتفاقية الدوحة ويُبقي عددا من القوات الأمريكية في أفغانستان، و يخطو مستقبلا في الاتجاه الذي يحفظ مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والمنطقة، ذلك لأن مصالح أمريكا أولى لديهم من استقرار السلام في أفغانستان والمنطقة.
لاجل هذا على حركة طالبان والحكومة الأفغانية أن يتخذوا خطوات مؤثرة لإنجاح عملية السلام في أفغانستان حيث تبدلت أرضها إلى ساحة حرب بالنيابة لدول المنطقة. لأجل إنجاح عملية السلام الأفغاني يتحتم على الطرفين الاتفاق علی وقف إطلاق النار وذلك لأن الحرب الجارية من الاسف إنما تحصد أرواح المواطنين الأفغان. وإذا بقيت الحرب على نحو ما هي عليه الآن فإن ذلك ستتیح الفرصة لمخالفی میسرة السلام لعرقلة محادثات السلام الافغانی- الافغانی.
[1] https://www.bbc.com/pashto/world-54941622
[2] https://www.nytimes.com/2020/11/12/us/politics/election-officials-contradict-trump.html
[3] https://www.worldometers.info/coronavirus/country/us/
[4] https://www.aljazeera.com/news/2020/11/8/what-will-a-biden-presidency-mean-for-iran
[5] https://www.stripes.com/news/middle-east/biden-to-weigh-keeping-counterterror-force-in-afghanistan-analysts-say-1.651634
[6] – د Directorate S Steve Coll کتاب 327 صفحه
[7] https://www.washingtonpost.com/world/asia_pacific/afghanistan-peace-talks-biden/2020/11/09/713498e0-1de5-11eb-ad53-4c1fda49907d_story.html
[8] https://da.azadiradio.com/a/30947939.html