من بين الدول العربية، تُعد الأردن ذات نظام قضائي وعدلي ناجح نسبيا. في عام 2017م وافق النظام القضائي الأردني على سن قانون العقوبات الاجتماعية بدلا عن السجن مقابل الجرائم الخفيفة، وتم بدء تنفيذ القانون عام 2018م. وبناء على هذا القانون، تم الحكم على 333 شخص يُشكل الذكور 307 فرد منهم كما توجد بينهم 26 امرأة. ارتكبوا جرائم خفيفة خلال العامين الماضيين بأن يقوموا بخدمات دون رواتب في الأماكن العامة. في لقاءٍ حصری بقناة الجزيرة صرح وزير العدل الأردني بسام تلهوني[1] بأن التجربة المذكورة بشکل عام كانت ذات نتائج إيجابية، وذلك لأن الفرد المحكوم عليه لن يكون في عزلة عن أسرته وسيلقى عقوبته دون الانفصال عن أبنائه، كما أن أسرته لن تُحرم مصدر رزقها ولن تكون عالةً على المجتمع. وفي الوقت ذاته فقد استفادت الحكومة من خدماتهم المجانية في دوائر حکومية و القطاعات العامة. يميل الناشطون المدنيون والخبراء النفسيون في الأردن إلى توسيع نطاق العقوبات الاجتماعية وتنفيذها علی الخصوص على كبار السن والنساء والمراهقين والمصابين بأمراض مزمنة وذلك لمردودها الإيجابي على كل من المتهمين والحكومة الاردنية.
يعلم الجميع أن المجرم لا بد له من أن يلقى عقوبة فعله بشكل يزُيل الرغبة الجامحة التي تدفعه وتدفع غيره لارتكاب مزيد من الجرائم. ولا شك أن الدول لديها قوانين لردع مرتكبي جرائم القتل والسرقة ونحوها من الأعمال الإجرامية. إلا أن هناك من يُلقى القبض عليهم بسبب جرائم خفيفة ودون سجلات إجرامية سابقة، وذلك يؤدي إلى اكتظاظ المحابس بالسجناء كما أن الخلطة بين مرتكبي الجرائم الخطيرة ومرتكبي الجرائم الخفيفة سيُفسد الفئة الأخيرة ويدفعها إلى تعلم أنواع أخطر من الإجرام.
ليست الأردن الدولة الوحيدة التي تحكم بالعقوبات الاجتماعية بدلا عن السجن في حال ارتكاب بعض الجرائم. هناك دول أخرى خاضت نفس التجربة فی السنوات الاخيرة.
تجارب استبدال عقوبة السجن باالعقوبات الاجتماعية
تتفاوت مناهج الدول المختلفة حسب شدت الجرم اوخفتها، کما تنص المادة رقم 28 من قانون الجزاء الأفغاني على فرض عقوبة نقدية يصل قدرها إلى 30 آلاف أفغاني في حال ارتكاب أعمال ممقوتة، كما أن المادة رقم 29 من القانون المذكور عيّنت بدلا عن الاعتقالِ عقوبةً نقدية أو حبسا قصير المدى أو متوسط المدى في حال ارتكب الشخصُ جريمة خفيفة ما يُسمى بالجنحة.[2]
في عام 2013م لاحظ المقنون الإيرانيون أن عقوبة الاعتقال مقابل ارتكاب الجرائم الخفيفة كان لها نتائج سلبية أكثر منها إيجابية ولذا تمت الموافقة على تقنين العقوبات الاجتماعية بدلاً من السجن. إلا أن هذه العقوبة لا تشمل كل أنواع الجرائم، وذلك أن الشخص المتهم إذا ارتكب خلال خمس سنوات من لحظة إلقاء القبض عليه أكثر من جريمة حکم عليها بالاعتقال لستة أشهر، أو أنه ارتكب جريمة واحدة خلال المدة المذكورة واعتقل على إثرها لأكثر من ستة أشهر، فإن قانون العقوبات الاجتماعية لا يشمله.
وفق المادة الثانية من قانون العقوبات الإيراني، تم تقسيم الخدمات العامة التي يقوم بها المتهم دون عوض مادی إلى ستة أنواع:
- خدمات تعليمية تشمل برامج محو الأمية، وبرامج رياضية وتعليم الحِرفي…
- أعمال صحية تشمل التمريض ورعاية المسنين والأطفال والمعاقين وتنظيف البيئة…
- خدمات فنية تشمل العمل في المعامل والمختبرات الحکومة و غيرها
- خدمات عامة تشمل تنظيف المرافق العامة و رعاية المنتزهات والحدائق والمباني وتنظيف وسائل المواصلات العامة والحكومية.
- العمل في مشاريع إنشاء المباني واستخراج المعادن وإنشاء الطرق…
- العمل في المجال الزراعي ويشمل البستنة ورعاية الدواجن والبهائم…
العقوبات المذكورة عقوبات بديلة عن اعتقال الأفراد، إلا أن مدة الخدمة فيها يتم تعيينها من قبل المحكمة على أساس نوع الجريمة.[3]
أما البرازيل فقد اتخذت طريقة أخرى ملفتة للنظر لأجل تقليل مدة الاعتقال في المحابس وقد كان لهذه الطريقة آثار إيجابية على حياة الفرد وصحة السجناء، حيث أتيحت الفرصة للمعتقلين أن يقلل مدة حبسهم مقابل قراءتهم للكتب أو تعلمهم للغة جديدة أو بشحنهم للبطاريات أو توليدهم للطاقة عبر ركابات خاصة[4].
وبالنسبة لقراءة الكتب فالقانون يشترط عليهم إكمال الكتاب خلال أربعة أسابيع ويقدموا بعدها ملخصا عن الكتاب لمسؤول السجن، وفی النتيجة ينقصُ من مدت حبس المحکوم عليه في السجن 48 يوما في کل السنة. وقد لجأت الحكومة إلى هذا القانون عند اكتظاظ المحابس بالسجناء حيث ارتفع عددهم من 148 ألف معتقل في عام 1995م إلى 494237 معتقل عام 2010م.[5]
وفي ألمانيا تنص المادة رقم 47 من القانون الجزائي الجديد بفرض عقوبة مالية عوضا عن السجن في حال ارتكاب الجرائم الموجبة للحبس لمدة أقل من ستة أشهر. إلا أن هذا القانون يُنفذ إذا توافرت شروط خاصة في الجريمة المُرتكبة أو الشخص الذي ارتكب الجريمة. وأما من يمتنعون عن دفع العقوبة المالية فيُحكم عليهم بالعمل دون راتب في المرافق العامة الی مدة 240 ساعة.
وفي هولندا تُفرض عقوبة الحبس البديل لمن ارتكبوا جرائم توجب اعتقالهم لمدة لا تتجاوز ستة أشهر. ويكون الحبس البديل على شكل عمل ذو نفع عام للمجتمع ويقوم به الشخص دون راتب.[6]
هناك دول أخرى في العالم تستخدم عقوبات بديلة عن الحبس؛ منها العقوبات النقدية التي تفرض على المحکوم عليه أن يدفع جزءا من راتبه اليومي (يتفاوت بين الثمن والربع) للحكومة. هناك بعض المحاكم في العالم تقضي بحرمان بعض مرتكبي الجرائم من حقوقهم الاجتماعية، ويشمل ذلك عدم مشاركتهم في الانتخابات مؤقتاً، ومنع العمل في وظيفة حكومية لمدة معينة، والمنع من السفر خارج المدينة.
تتماسک الدول إلى طرق بديلة عن الحبس تتفاوت حسب ظروف كل بلد. لاشک انه إذا حسُن استغلال هذه الطرق فإنها ستكون مثمرة في تقليل معدل الجريمة، أما إذا طُبقت بطريقة غير مدروسة فلن يكون مردودها إيجابيا. هذا العمل له ثمراته الإيجابية بلا شك وذلك لأنه يُقلل المصاريف كما أنه يُبعد مرتكبي الجرائم الخفيفة عن مرتكبي الجرائم الخطيرة ويُطور الخدمات في القطاعات والمرافق العامة. إلا أن تطبيق هذه الطرق قد لا يكون ناجحا في الدول المليئة بالفساد الإداري والفوضى والاضطرابات السياسية.
هل من الممكن تطبيق العقوبات الاجتماعية البديلة في أفغانستان؟
تُعرف المادة رقم 27 من قانون الجزاء الأفغاني الجريمة على أنها: “ارتكاب أو الامتناع عن عمل تم تشخيصه في هذا القانون على أنه جريمة، وكانت عناصر هذه الجريمة محددة وتم تعيين عقوبة لها أو وُضع لها تدابير أمنية.”[7]
كما أن المادة رقم 57 من قانون العقوبات بأفغانستان تُعرف المجرم بأنه: “هو من ارتكب الجريمة بشكل مادي – حقيقي – بنفسه أو مشاركة مع غيره”[8]
يواجه الشعب الأفغاني آلاف المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية. وكل حزمة من هذه التحديات تدفع بالشباب إلى الانحراف وتحدو بهم نحو ارتكاب الجرائم. في حين أن محابس أفغانستان فی الغالب ليست المكان الأمثل لإصلاح الأفراد وإعادة تربية المجرمين؛ كان من الأفضل ان يُستعاض عن الحبس بالعقوبات الاجتماعية البديلة في حال ارتكاب الجرائم الخفيفة. إلا أن ذلك سيكون صعبا نظرا للظروف الحالية في البلد والكفاءة التي تتحلى بها المراجع المنفذة للقانون، حيث سيتم استغلال هذه القوانين من قِبل ذوي النفوذ والسلطة ومنتهكي القوانين، كما أن إدارة هذه العقوبات قد يُصاحبها تقصير بصورة مقصودة أو غير مقصودة.
في صورته الحديثة عن القانون الجزائي في أفغانستان غرامات نقدية على الجرائم التي کانت تحکم بها في القوانين السابقة بالحبس، مما يبدو صحيحاً إلى حد كبير. وما لم تتوقف الحرب ويستتب الأمن في البلد سيكون من الصعب اتخاذ القرار حول إدخال العقوبات الاجتماعية المتنوعة كعقوبات بديلة في قانون العقوبات الأفغاني بشکل اوسع.
ولأجل إضافة فصل العقوبات الاجتماعية إلى قانون العقوبات الأفغاني لا بد من استقرار السلام واستتباب الأمن وإرساء العدالة الاجتماعية، فصل حتى يطمئن الشعب إلى مدی تطبيق هذه القوانين.
[1] https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2020/10/3/لمنع– اختلاطهم-بالمساجین-الخطرین
[2] دافغانستان اسلامی جمهوریت رسمی جریده، کود جزا، باب دوم فصل اول ماده ۲۸ و ۲۹
[3] https://www.yasa.co/blog/who-can-make-use-of-alternative-sentences-instead-of-prison/
[4] http://www.seratnews.com/fa/news/128895/
[5] https://www.google.com/amp/s/www.mehrnews.com/amp/1636481/
[6] http://www.goolge.com/amp/s/www.khabaronlione.ir/amp/374418/
[7] دافغانستان اسلامی جمهوریت رسمی جریده، کود جزا، باب دوم فصل اول ماده ۲۷
[8] دافغانستان اسلامی جمهوریت رسمی جریده، کود جزا، باب دوم فصل اول ماده ۵۷