منذ شهر او اکثر تشهد عدة مدن في البلد بما فيها العاصمة كابول ارتفاع معدل الجريمة إلى درجة عالية، مما أوجد حالة من الذعر لدى المواطنين. من جانب آخر قال مسؤول وزارة الداخلية الأفغانية مسعود أندرابي بعد زيارته المفاجئة في تاريخ 10/أكتوبر/2020م لمرکز الشرطة رقم خامس بالعاصمة: سيتم ردع المجرمين في ضوء القانون، وأمر بإطلاق الرصاص عليهم إذا لزم الأمر. في هذا التحليل الصادر من مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية سنسلط الضوء على أسباب ازدياد معدل الجريمة في العاصمة كابول والمحافظات الأخرى.
أفغانستان والجرائم
منذ هجوم القوات الأجنبية على أفغانستان في عام 2001م عمل عدد من المواطنين الأفغان في السنوات الأولى لدى الإدارات الحكومية والأجنبية، وصاحب ذلك حركة اقتصادية ولّدت فرص عمل للكثير من المواطنين. وعندما أوقفت تلك الإدارات أعمالها و انخفض حجم الأنشطة الاقتصادية والتنموية ومن ثم خسر الكثير من المواطنين الأفغان أعمالهم وواجهتهم تحديات اقتصادية صعبة. كما كان هناك عدد من المواطنين الذين واجهتهم تحديات في حفظ التعادل بين معدل الإنفاق ومعدل الدخل وبعض من الذين خسروا وظائفهم بسبب توقف أنشطة المؤسسات واغلاق المشاريع المختلفة اضطروا للجوء إلى طرقٍ غير قانونية للتكسب لأجل إمرار معيشتهم.
وأمرٌ آخر هو أن بعض من المواطنين الأفغان الذي كانوا يعملون مع المؤسسات الأجنبية برواتب عالية انخرطوا – مع قدوم القوات الأجنبية إلى البلد – في تعاطي المسكرات والمخدرات بأنواعها مع أن هذه المخدرات لم تكن رائجة التداول في البلد من قبل. ولذا فإن الإحصائيات تفيد أن حالياً هناك أكثر من ثلاثة ملايين شخص في أفغانستان يتعاطون المخدرات.
الاقتصاد الأفغاني قائم إلى حد كبير على المساعدات الخارجية، وقد قل حجم هذه المساعدات في الحاضر مقارنة بالسنوات الماضية مما نجم عنه ارتفاع في معدل البطالة، وذلك له علاقة مباشرة بازدياد الجريمة لأن الكثيرين لا مناص لهم من ارتكاب الجرائم كالسرقة والاختطاف والقتل في سبيل الحصول على لقمة العيش.
وقد زاد معدل الجريمة في أفغانستان منذ عام 2001م ومن الجرائم التي سُجلت بوفرة اختطاف أصحال الأموال بما فيهم بعض الأجانب، وقد شهد معدل هذه الجرائم ارتفاعا منقطع النظير في الفترة بين 2005م و 2008م. وبعد ذلك أُعلن أن كلا من عام 2014م و عام 2018م هما العامان اللذان بلغت فيهما معدلات الجريمة أعلى الدرجات ومنها السرقة والاختطاف والقتل، ومازالت معدلات الجريمة مرتفعة حتى يومنا هذا.
عند التأمل في دوافع الجرائم في أفغانستان سنجد أن معدل الجريمة ارتفع مع تزايد انتشار المخدرات، وتضخم التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وتفشي الفساد في الكثير من الإدارات، وعدم تطبيق القوانين بالحزم المطلوب.
شهدت العاصمة كابول – والتي تُعد حالتها الأمنية أفضل منها في بقية المدن – في الآونة الأخيرة ظاهرة مقلقة حيث زادت عمليات نهب الأشياء الثمينة والهواتف اللاسلكية والأموال من الأشخاص، مما خلق حالة من الذعر بين العامة، ومع ذلك لم تُحدث الإدارات الأمنية تغييرا يُذكر في الحالة الأمنية بالعاصمة، مما حدا بسكان العاصمة إلى إحداث حملة إعلامية واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي بعنوان (كابول ليست آمنة)، وقد ألجأ ذلك السلطات الأمنية إلى إبداء وعود ببذل الجهود لتحسين الحالة الأمنية إلا أن تلك الوعود لم تشهد تنفيذا عمليا.
وفق تصريحات السلطات الأمنية بالعاصمة تم تسجيل عدد 146 جريمة في كابول خلال الأيام العشرين الماضية، وقد اعتُقل بسبب تلك الجرائم 133 شخص مُتهمين بالانخراط في السرقة والقتل والاختطاف والاتجار بالمخدرات والنهب والجرائم الخُلقية.
ومع ازدياد معدل الجريمة في العاصمة كابل في الآونة الأخيرة، أوصى مسؤول وزارة الداخلية مسعود أندرابي بأن يتم نقل المتهمين المقبوض عليهم بشكل مباشر إلى مقر وزارة الداخلية أو مركز الشرطة الرئيسي في العاصمة ليتم استجوابهم وأخذ المعلومات منهم حيال الأفراد والعصابات المتورطة والمشاركة لهم في الجرائم.
كيف يمكن تقليل الجرائم؟
وفق تقرير صندوق النقد الدولي الأخير فإن أفغانستان شهدت عام 2020م انخفاضا اقتصاديا بنسبة 5% بسبب وباء كوفيد-19. من جانب آخر، بناء على مؤتمر بروكسل المنعقد عام 2014م قام المجتمع الدولي بدعم أفغانستان في كل من القطاع المدني والقطاع العسكري حتى هذا العام، ويُؤمل أن تُستقطب مساعدات دولية أخرى لأفغانستان في مؤتمر بروكسل القادم والذي سينعقد في نوفمبر 2020.
الحكومة الأفغانية التي تواجه من جانبٍ تهديدات أمنية على نطاق واسع من قِبل طالبان، ومن جانبٍ آخر تسعى لحل الأزمة الاقتصادية في البلد وذلك باستقطاب المساعدات من الجهات الداعمة الدولية؛ باتت تواجه تحديا آخر يتمثل في ازدياد معدل الجريمة على مستوى البلد. ويرى البعض كذلك أن هناك أيدي ضالعة في الجرائم الحالية تنتمي إلى الفئات العليا في الحكومة، ذلك أن الارتفاع الملحوظ في معدل الجرائم توسع الفجوة بين الحكومة والشعب وجعل المواطنين يتهمون الإدارات الأمنية بمشاركة مرتكبي الجرائم وأعمال السرقة.
مع أن الحكومة بعد سماعها الأصوات الشعبية المناشدة بمراقبة الأمن في كابل أعلنت في تاريخ 14/يوليو/2020م عن برنامج الميثاق الأمني والذي يُشكل جسرا للتعاون الامني بين السلطات والمواطنين، إلا أن البرنامج المذكور لم يجتز طور التصريحات ولم يُثمر أي نتائج ملموسة. وقد قال رئيس مجلس النواب الأفغاني قبل أيام إن البرنامج المذكور برنامج فاشل، وناشد الحكومة بتطبيق برامج بديلة تكون أكثر جدوى. وفي خطوة جديدة اعلن الحکومة الافغانية ان النائب الاول لرئيس الجمهورية السيد امر الله صالح، سيتولی مسؤلية تصحيح المسار الامني فی البلد لاسيما فی العاصمة کابول.
إذا أرادت الحكومة أن تنجح في تقليل نسبة الجرائم على مستوى البلد فعليها أن تطرح خططا لتنمية اقتصاد عامة الشعب، وذلك لأن هناك علاقة مباشرة بين البطالة وارتفاع معدل الجريمة. بإمكان الحكومة الأفغانية أن تطرح في مؤتمر بروكسل موضوع البطالة المنتشرة في أفغانستان كقضية محورية، حتى تجذب دعم المجتمع الدولي لتنمية هذا القطاع.
الخطوة الأخرى التي يمكن للحكومة أن تتخذها لتقليل معدل الجريمة على مستوى البلد هي منع وإيقاف الاتجار بالمخدرات، وإذا لم يتم منع تجارة المخدرات المخالف للقانون، فسيواجه سكان العاصمة صعوبات اشد في حركتهم من مكان إلى آخر، وذلك لأن أعداد مدمني المخدرات آخذة في الازدياد ومع ذلك لا يُرى أي برنامج حكومي مؤثر لعلاج هذه المعضلة. الكثير من المدمنين يلجؤون للحصول على المخدرات إلى استخدام العنف ونهب الأموال والأشياء القيمة من المواطنين مما أدى في الآونة الأخيرة إلى مقتل عدد من الأفراد وإصابة آخرين بجروح.
الأشخاص المنخرطون في الجرائم وسرقة ونهب الجوالات والأشياء الثمينة الأخرى ينشطون على شكل عصابات منظمة، وعلى الحكومة أن تبادر بعملية تسجيل الهواتف النقالة والشرائح، وذلك لأن سارقي هذه الجوالات والأشياء الأخرى يقدرون بسهولة أن يبيعوها في أسواق العاصمة.
لن تقوم الإدارات الأمنية على تحكيم الأمن بوجه لائق دون حصولهم على دعم المواطنين. وانعدامُ التنسيق والدعم بين السلطات الأمنية والمواطنين هو ما يمنح المجرمين فرصة ثمينة لارتكاب الجرائم اکثر. على السلطات المسؤولة أن تُحدث تغييرات جذرية إيجابية ولا تكتفي بتديل الموظفين الأمنيين من قطاع إلى قطاع آخر، فإن ذلك لن يلعب دورا في تقليل معدل الجريمة وإنما سيمنح الموظفين الأمنيين الضالعين في الجرائم مزيد جرأةٍ لنقل جرائمهم إلى مقراتهم الجديدة.
علاوة على ذلك فإن القانون الجزائي فی افغانستان لا تخلو من إشكالات، على سبيل المثال يُلاحظ نوع من ضعف التنسيق بين النيابة العامة والسلطات الأمنية، وعندما تُلقي الشرطة القبض على المتهمين فإن بعض رجال النيابة العامة يسعون إلى الإفراج عنهم أو حبسهم اقل مما يجب، وهذا الانتهاك للقانون هو ما جرّأ المجرمين على ارتكاب المزيد من الأعمال الإجرامية. وأما الجرائم التي لا تصل محاضرها إلى النيابة العامة فهي معضلة أخرى.
إذا لم تتخذ الحكومة خطوات مؤثرة لتقليل معدل الجريمة في البلد فإن الأعداد القليلة المتبقية من المستثمرين القاطنين في أفغانستان سيسعون لنقل ثرواتهم إلى باكستان حيث صارت الحكومة الباكستانية تمنح المستثمرين الأفغان تأشيرات طويلة المدى مع امتيازات أخرى، وذلك سيكون له مردود سلبي على الاقتصاد الأفغاني.
ولكي تحقق الحكومة الأفغانية إنجازات في ملف تقليل معدل الجريمة فعليها أن تُبرز الأفراد الذين يلعبون دورا أساسيا في الأعمال الإجرامية، وتُقيم عليهم العقوبات الرادعة حتى يزول جو الذعر من العاصمة وبقية المحافظات ويقدر المواطنون على الاستمرار في معايشهم بشكل طبيعي.