في يوم الأحد الموافق لـ 1/مارس/2020م هجم بعض الهندوس المتعصبين على المسلمين المتظاهرين في شمال شرق نيو دلهي عاصمة الهند. وقد قُتل جراء هذا الهجوم 50 مسلما وجُرح 400 آخرون. كما أُحرق نحو 740 مبنى من مباني المسلمين (مساجد وبيوت ومحال تجارية) ونتيجةً لذلك هاجر جميع سكان المنطقة المسلمون من منازلهم خوفا من أن يطالهم الهنود بأذى.
بدأت مظاهرات المسلمين قبل ثلاثة أشهر حين صُوِّب قانون منح الجنسية الهندية. ووفق هذا القانون فإن جميع العرقيات غير الهندوسية تقدر على استحصال الجنسية الهندية، ما عدا المسلمين. وقد عدّ المسلمون هذا القانون مخالفا لدستور الهند وعنصرية صارخة تجاه المسلمين. وقد زاد الخناق والتضييق على المسلمين منذ استلام حزب BGP للحكم في الهند، وما أحداث يوم الأحد الدامي إلا دليل على ذلك. وقد اتُهمت الشرطة الهندية بالتعاون مع الهندوسيين المتعصبين في ارتكاب جرائم ذلك اليوم. سنسلط الضوء في هذا المقال على جوانب هذه القضية.
دور المسلمين البناء في تاريخ الهند
الهند بلد الألف دين، وكبرى ديمقراطيات العالم وأحد أجمل بقاع الكرة الأرضية، وتُدعى باسم بلد الاثنين والسبعين نحلة. وقد صار هذا البلد بفضل التنوع الديني والمذهبي والعرقي والثقافي بلدا فريدا ومُميزا عن بقية البلدان.
لأديان الهند جذور تاريخية عميقة، يحتفظ بها الهنود في أذهانهم. يرجع تاريخ ثقافة آسيا الجنوبية إلى 4500 سنة على أقل تقدير، وقد وصلت إلينا معلومات حول تلك الثقافات على شكل نصوص دينية. الميراث الفني والمشاركات العقلانية والتنويرية مدينةٌ للأفكار الدينية المنبعثة من هذه البقعة من الأرض. الأديان الأصلية في الهند هي الهندوسية والإسلام والجاينية والبوذية والمسيحية والسيخية.
الهند بلد مذهبي من الطراز الأول، والهنود يتقبلون التنوع الديني بأريحية تامة، ويعيشون عيشا مشتركا مفعما بالتسامح والمداراة، وذلك لكونهم يعتقدون بصحة التعدد الديني، كما أنهم يؤمنون بتعدد الآلهة.
النظام الذي يحكم في البلد هو الدين الهندوسي، كما إن نسبة 80% من سكان الهند يعتنقون الديانة الهندوسية. وبالإضافة إلى الهندوسيين، فإن المسلمين يُشكلون شريحة اجتماعية واسعة ومكونا ديمغرافيا كاملا .
المسلمون المسجلون ضمن سكان الهند يبلغ عددهم 200 مليون نسمة (أي يشكلون نسبة 12.1% من سكان الهند)، إلا أن العدد الحقيقي يُشكل نسبة 20% من سكان الهند. المسلمون حكموا الهند لمدة 800 سنة، وقد تمتع سكان الهند رغم تعدد أديانهم وثقافاتهم خلال تلك المدة بالعدل والمساواة، كما أن الهند صارت حينها حاضرة العلوم والثروات، وازدهار الحركة التجارية.
يقول المؤرخ الهندوسي “كيشوري ساران لال”:
((الفرق بين المحتلين المسلمين والمحتلين البريطانيين كالفرق بين الجنة والنار. في الوقت الذي كان فيه المسلمون يهتمون بتطوير الهند وإعمارها وتنمية تجارتها، تبدلت الهند إلى أغنى دول العالم، إلا أن الإنجليز لم يهتموا إلا بنهب خيرات الهند واستعباد أهلها، كما أنهم تسببوا في مقتل ملايين الهنود في الحرب مع بريطانيا العظمى المستعمِرة.))
بما أنه لا يُسمح للمسلمين بالنشاط السياسي في الهند وبما أنهم لا يقطنون منطقة واحدة (ما عدا كشمير التي تختلف ظروفها) ويعيشون في كافة مدن الهند بجانب الهندوسيين، لذلك فإن قدرتهم وسلطتهم محدودة. الهندي المسلم الذي يريد أن ينشط على الصعيد السياسي مضطر للانخراط في أحد الأحزاب السياسية المؤثرة في الهند مثل BGP أو حزب المؤتمر الوطني الهندي. حتى حزب الجماعة الإسلامية ليس لها أي اقتدار سياسي.
وضع المسلمين الحالي في الهند
بعد انقسام باكستان وبنغله ديش عن الهند ونشوء نزاعات ممتدة على إثر ذلك، ضعف موقف الكتلة الشعبية المسلمة في الهند واتُّهموا بالسعي في تقسيم الهند، وبعد أن صارت الجماعة المسلمة في الهند أقلية مذهبية مُتهمة صار عُرضة للمخاطر الأمنية.
قام “جواهر لعل نهرو” مؤسس حزب الهند الجديدة بالمسارعة إلى دعم المسلمين ورفع التهم عنهم. وبعد ذلك صارت الجماعة المسلمة في الهند تحترم حزب المؤتمر الوطني وتعده صديقا للمسلمين. إلا أن مسلمي الهند أدركوا في السنوات الأخيرة أن الحزبين لم يريدا إلا الحصول على أصوات المسلمين في الانتخابات.
بعد تخريب مسجد البابريين التاريخي على يد الهندوسيين الغلاة فطن مسلمو الهند إلى حقيقة الأحزاب الهندوسية. المسلمون الذين لعبوا دورا هاما في تطوير حضارة الهند ورسموا معالم فترة عظيمة من أدوار تاريخ الهند تبدلوا إلى أقلية إسلامية يتوقف مصيرها على ما تؤول إليه النزاعات السياسية المعقدة.
في السنوات الأخيرة بُذلت جهود سياسية منظمة لإقصاء الهنود المسلمين وتقليل حضورهم وأهميتهم. كما أن حزب “بهارتيا جانتا” الحاكم في الهند مازال منذ ثلاث سنوات يُصعّد خطاب الإقصاء للمسلمين ويسمونهم بأنهم أكبر أقليات البلد وأنه ينبغي الدفاع عن السياسات التي تحفظ حقوق الهندوسيين.
نشرت جريدة “ساوث مورنينج هرالد” تقريرا يصف حالة المسلمين في الهند، وورد فيه: حاليا يصرح ساسة الهند بأنه لم يعد هناك مكان لبقاء المسلمين في الهند، ويجب أن يتم إخراج ملايين المسلمين الهنود من الهند.
كما أُضيف في التقرير أن بعض أعضاء حزب BGP اعتزموا خلال انتخابات عام 2014 البرلمانية أن يخرجوا أعدادا كبيرة من المسلمين الذي يتحدثون البنغالية عبر حدود الهند الشمالية الشرقية. يرى قادة الحزب الحاكم في الهند أن المسلمين ليسوا مواطنين أصليين وأنهم دُخلاء وردوا الهند من الدولة المجاورة “بنغله ديش” بالقوة.
تُصر بعض منصات الإعلام المحلية الهندية على ضرورة قيام الحكومة الهندية “حكومة رئيس الوزراء الحالي مودي” بإخراج المسلمين الذين يُقدر عددهم بالملايين من الهند قبل انتخابات العام المقبل.
الديمقراطية المتجهه إلى الزوال
أعلنت اللجنة العالمية لحرية المذاهب أن الحرية المذهبية في الهند اتخذت مسيرا تنازليا عام 2017م، وذلك لما مارسته الجماعات الهندوسية الوطنية من التضييق والإيذاء والعنف ضد الجماعات غير الهندوسية.
كما أضافت لجنة حرية المذاهب الأمريكية أن ضحايا العنف المذكور هم المسلمون والمسيحيون والسيخيون والبوذيون والدالاتيون الهندوسيون. يُواجه هؤلاء تحديات من جملتها العنف والإرهاب، ومصادرة القدرة السياسية، وازدياد الإحساس بالخديعة. وقد استمر تنازل حالة الحرية المذهبية في الهند خلال عام 2017م.
قد ذكر مرة وزير الداخلية الهندي السابق “أميت شاه”: نحن سنُكمل مسيرة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وكانت خطوتهم التالية هي تغيير أسماء الأماكن المتعلقة بالمسلمين. كما قام قادة الحزب الحاكم باختيار أسماء هندوسية لمدينة آجرا الواقعة في منطقة “اوترا برديش”، وهي المدينة التي يقع بها قصر تاج محل. كما يريدون أن يغيروا اسم منطقة “أحمد آباد” في محافظة كجرات، واسم مدينة “داد الله” كذلك. يقول المنتقدون: إن حذف الأسماء الإسلامية طريقة تهدف إلى إضعاف المسلمين واجتناب الاعتراف بدورهم وإسهاماتهم عبر التاريخ.
يرى مسلمو الهند أن حكومة حزب BGP المتطرف راغب في مهاجرة المسلمين من البلد، عبر الضغط عليهم. عقب الاشتباكات التي حصلت في الأسبوع الماضي، جُرح أكثر من 200 شخص، كما قُتل أكثر من 50 شخص. مازال الهندوسيون الغلاة يخافون من انتشار الإسلام في الهند بشكل سريع. وفق الإحصائيات المسجلة من أعوام (2010 إلى 2015م) ازداد عدد مسلمي الهند بنسبة 1.8% وهي نسبة كبيرة. ممارسات إحراق ممتلكات وأماكن المسلمين، وطرد المسلمين من مواطنهم وأخيرا منع المسلمين الذين قطنوا شرقي الهند لسنوات طوال من الحصول على الجنسية الهندية تُبين عداوة الهندوس الغلاة تجاه مسلمي شبه القارة الهندية.
إن مما يُؤسف له هو أنه لم يعد يُسمح لبقاء الإسلام والمسلمين – رغم تاريخهم الزاهر – في أرض يتبجح قادتها بالديمقراطية وحرية المعتقد.