بعد مفاوضات استمرت لمدة 18 شهرا، تم توقيع اتفاقية الصلح بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية يوم السبت الموافق 29/فبراير/2020م. وقد حضر حفل التوقيع في الدوحة عاصمة قطر مندوبو أكثر من 30 دولة ومنظمة عالمية. وقع الاتفاقية رئيس الوفد الأمريكي للمفاوضات زلمي خليلزاد ممثلا الجانب الأمريكي، ورئيس مكتب طالبان في قطر الملا عبد الغني برادر ممثلا جانب طالبان.
وفق بنود هذه الاتفاقية فإن جميع القوات الأجنبية ستخرج من أفغانستان خلال 14 شهرا، كما أن طالبان ستجتنب استغلال أرض أفغانستان في ما يضاد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، كما سيتم وقف إطلاق النار بشكل دائم، وسيُطلق سراح خمسة آلاف سجين منتمي لطالبان من مُعتقلات الحكومة الأفغانية، وسيُطلق سراح ألف سجين تابع للحكومة الأفغانية من معتقلات طالبان، وستبدأ كذلك المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان في النرويج خلال أقل من أسبوعين. بتوقيع الاتفاقية بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان أُكملت مرحلة مهمة من مراحل السلام، ومن المُعتزم بدء المرحلة الثانية – المفاوضات المباشرة بين الأطراف الأفغانية – وهي مرحلة حساسة أيضا، وسنتناول هذا الموضوع هنا بالبحث والتحليل.
تشكيل لجنة التفاوض
مع أن اتفاقية السلام وُقعت بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، فإن الحكومة الأفغانية والجهات السياسية المنضوية تحت ظل الحكومة لم تُشكل حتى الآن لجنة للتفاوض، ومازال الجدل حول هذه القضية مستمرا. قُدمت مقترحات وآليات لإحلال السلام وآليات للتفاوض المباشر بين الأطراف الأفغانية، إلا أن هذه المقترحات لم تنل استحسان جميع الأطراف. ولعل أطروحة تشكيل مجلس الشورى التمثيلي – والذي يُناسب أن يُسمى بالمجلس الاستشاري الوطني للسلام – هي الأطروحة التي تتسم بالواقعية مقارنة بالمقترحات الأخرى. هذا المجلس الاستشاري سيضم 80 إلى 100 عضو من كافة الفئات الاجتماعية والسياسية بما فيها أعضاء البرلمان، ويُختار من بينهم 10 إلى 12 شخصا لمباشرة المفاوضات بالتشاور والتعاون مع المجلس الاستشاري الوطني للسلام.
وسيؤدي ذلك إلى إنشاء إجماع سياسي – وهو ما تطلبه الجهات السياسية الدخيلة في القضية – ومن جانب آخر فإن كافة التكتلات السياسية المنضوية تحت ظل الحكومة سترِد المفاوضات المباشرة مع طالبان عبر نافذة موحدة. وبالتالي ستكون المفاوضات مع طالبان مفاوضات شاملة، كما أن لجنة التفاوض ستكون محدودة العدد، وقوية التأثير. وهذا المقترح سيؤتي ثماره إذا شُكلت لجنة متخصصة استشارية تُساند لجنة التفاوض وتمدها بالآراء السديدة. (1)
صرح رئيس البلد محمد أشرف غني بعد مراسم اليمين الرئاسي بأن لجنة التفاوض التي ستضم كافة فئات الشعب ستُعين وتُقدم قريبا. (2)
جدية المفاوضات والالتزام للاهداف
إن بلدنا أفغانستان يقاسي لهيب الحرب منذ أربعين سنة. وقد أضرت هذه الحرب بالبنية التحتية المادية والمعنوية للبلد إضرارا بالغا، حيث هناك الملايين ما بين قتلى وجرحى، كما أن الحالة الاقتصادية في البلد تسير سيرا تنازليا. وبما أن الفرصة سنحت حاليا لإيقاف الحرب والوصول إلى سلام فينبغي استغلالُها على أحسن وجه، لكي يوضع حد لمآسي البلد ويحل السلام والرخاء والأمن.
مع أنه قد بُذلت جهود فيما مضى لإيقاف الحرب وإحلال السلام في البلد إلا أن مفاوضات السلام تحتل أهمية بارزة لسببين. أولا للإجماع الداخلي والدولي حيال المفاوضات وضرورة السلام، وثانيا لكون جميع الأطراف الدخيلة في القضية الأفغانية مشمولة في مفاوضات السلام، وقد تم قبول التفاوض بصفتها الوسيلة الوحيدة للتفاهم حيال هيكل الحكومة القادمة والتغييرات التي يلزم إحداثها في الدستور ومعادلات تقسيم السلطة بين مختلف التيارات الأفغانية.
الهدف الرئيس الذي يجب أن تسير نحوه المفاوضات المباشرة الأفغانية هو إنهاء الحرب وتفادي استمرار النزيف البشري الحاصل. ثم الهدف الذي يليه هو خلق جو من الثقة بين كافة الأطراف المتنازعة الأفغانية وتقليل العنف بشكل مستديم يعقبه وقف دائم لإطلاق النار، مع اجتناب مواقف طلب احتكار السلطة التي لم تُثمر خلال العقود الأربعة الماضية إلا الحرب ودمار أفغانستان. ثم تُناقش بقية الموضوعات المراد التفاهم حولها حسب الأولويات بما فيها آليات التحول الرئاسي، والحفاظ على البِنى والمُنشآت والأنظمة الوطنية، وقضية تعديل الدستور وحدود الحرية والحقوق، ويتم تناول ذلك بتؤدة وحلم وتدقيقٍ موضوعا موضوعا. قد تستغرق مناقشة جميع المواضيع مدة أشهر، إلا أن طول المدة يجب أن لا يُسبب التواني في المفاوضات وبالتالي إيقافها. بل ينبغي الاستمرار في المفاوضات إلى حين الاتفاق على وثيقة مصالحة تفصيلية بين الأفغان، ويتم توقيعها من الأطراف المتفاوضة.
التحديات التي تواجه المفاوضات الأفغانية المباشرة
منذ اليوم التالي لتوقيع اتفاقية السلام بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية غدت قضية إطلاق سراح السجناء السياسيين تحديا يعترض طريق المفاوضات المباشرة الأفغانية. يقول عضو لجنة طالبان للتفاوض شير محمد عباس ستانكزَي بأن اتفاقية السلام الموقعة توجب على أمريكا أن تُطلق سراح خمسة آلاف مُعتقل منتمي إلى طالبان مقابل إطلاق سراح ألف سجين منتمي إلى الحكومة الأفغانية. مع أن ردة فعل الرئيس غني تجاه هذا الطرح كانت سلبية إلا أنه أصدر مرسوما في تاريخ 10/مارس/2020م يقضي بإطلاق سراح ألف مُعتقل منتمي إلى طالبان.
هذا في حين أن طالبان حتى هذه اللحظة لا تعترف بحكومة أفغانستان وليست مستعدةً بعدُ للمفاوضات المباشرة معها حيال القضايا المُتنازع عليها. (3)
التحدي الآخر الذي يعترض طريق المفاوضات المباشرة الأفغانية هو التشتت والتشرذم الحاصل بين الحكومة الأفغانية والأحزاب السياسية والنشطاء السياسيين، مما له تأثير على بدء مفاوضات السلام المباشرة. وقد برز هذا الإشكال على السطح عندما أجرى زُعماء حكومة الوحدة الوطنية مراسم التحليف بصفة كل منها رئيسا للجمهورية بتاريخ 9 /مارس/2020م.
مع وجود إجماع وطني وإقليمي ودولي حيال السلام إلا أن هناك فئات مازالت ترى في حلول السلام تضييعا لمصالحهم ولذا يسعون في الإخلال به. وستسعى هذه العناصر إلى عرقلة وإيقاف المفاوضات الأفغانية المباشرة.
الشيء الذي لا يرضى أصحاب السلطة أن يضحوا به في أفغانستان هو كرسي الحكم والمناصب، وقد جُرب هذا الأمر مرات عديدة، ويُشكل هذا أحد التحديات التي تعترض سبيل المفاوضات الأفغانية المباشرة. يظهر منذ الآن من تحركات وإشاعات بعض أصحاب السلطة والسياسيين أن بقاءهم على مناصبهم هو الأصل المهم عندهم لا حلول السلام في البلد.
التحدي المُحتمل الآخر الذي يعترض طريق المفاوضات المباشرة الأفغانية هو تبدل مساعي السلام إلى منافسات داخلية وإقليمية ودولية. وذلك لأن هناك تعارض بين المصالح حيال حلول السلام على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، ويجب في هذا المقام على مؤيدي السلام ولجنة التفاوض أن تتسم بالحساسية والعقلانية حيال هذا الأمر.
من المعوقات التي تعترض طريق المفاوضات المباشرة كذلك اتصاف الجهات المتفاوضة بعدم المرونة وامتناعهم عن تقديم التنازلات. وينبغي في هذا الجانب أن تتحلى جميع الأطراف بالصبر والحلم وأن يتفقوا على نظام حكم يُرضى جميع الأطراف. وعلى رأس الأولويات اجتناب خرق بنود الاتفاقية الموقعة بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، والاتفاقية المُراد توقيعها بين طالبان والجهات الأفغانية الداخلية الأخرى.
النتائج
بعد أربعة عقود من الحرب، ها قد سنحت الفرصة لإرساء دعائم السلام في البلد. وقد وُجد إجماع إقليمي ودولي حول ضرورة السلام في أفغانستان، كما أن جميع التيارات الداخلية ترى في المفاوضات سبيل الحل للصراعات القائمة.
ويتوقف مصير البلد على حنكة الأفغان ومدى قدرتهم على استغلال الفرصة السانحة لأجل إنهاء الحرب وإحلال السلام بشكل يُزيل أسباب استمرار الحرب في البلد إزالة كاملة. إذا استمرت الحرب الجارية في البلد لسنوات أخرى فسينتهي الأمر بجلوس الأطراف المتنازعة على طاولة المفاوضات وسعيهم للوصول إلى حل مبني على التفاهم. لذا فإن أفضل خطوة حاليا هي استغلال الفرصة القائمة حتى تُطوى صفحة الحرب والدمار اللذان خيّما طويلا على أطناب البلد.
ملحوظة: في تحليل الأسبوع القادم، سنتناول تفاصيل مراسم تحليف رئيسين جمهوريين للبلد، ونتائج ذلك.
المصادر:
۱ – أطروحة جمعية الإصلاح بأفغانستان حيال السلام الشامل في البلد، 22/سبتمبر/2019م، كابل أفغانستان.
۲ – جريدة “سلام وطندار” (تشكيل لجنة التفاوض المرهون بين الخوف والرجاء)
https://swn.af/Article
۳ ـ طلوع نیوز
https://tolonews.com/fa/afghanistan