عُقدت أولى جلسات (قلب آسيا) والمسماة بمبادرة إسطنبول في تركيا عام 2011م من قبل الحكومة الأفغانية ومساعدة الحكومة التركية، ومشاركة وزراء خارجية 14 دولة. الصين والهند وأفغانستان وتركيا وآذربيجان وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وباكستان وروسيا والسعودية وطاجكستان وتركمنستان والإمارات العربية المتحدة من جملة الدول التي شارك مندوبوها في المؤتمر الأول المسمى بقلب آسيا – مبادرة إسطنبول؛ كما أن هذه الدول من الأعضاء الرئيسيين للمؤتمر المذكور. كان للمؤتمر المذكور 8 اجتماعات؛ في الدول والأعوام التالية : تركيا (2011)، أفغانستان (2012)، قرغيزستان (2013)، الصين (2014)، باكستان (2015)، الهند (2016)، آذربيجان (2017)، الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار موضوع الاجتماع السابق له (2018م).وهناك دول داعمة للمؤتمر مثل أستراليا؛ وكندا والدنمارك ومصر وفرنسا وفنلند وألمانيا والعراق وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا والسويد وإسبانيا وهولندا والنرويج؛ كما أن بعض المؤسسات الدولية والإقليمية كذلك تُعدّ من الجهات الداعمة للمؤتمر.من أهم الأسباب التي دفعت إلى تأسيس المؤتمر؛ العمل على حل التحديات الأمنية والاقتصادية بأفغانستان.
الاجتماع الثامن
في التاسع من ديسمبر/2019م عُقد الاجتماع الثامن للمؤتمر المذكور في مدينة إسطنبول بعنوان (السلام؛ المشاركة والازدهار) وشارك في الاجتماع الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزراء الخارجية ومندوبي الدول الأعضاء؛ والدول المراقبة بهيئة الأمم المتحدة. اشترك في المؤتمر مندوبو 14 دولة عضوة بالمؤتمر؛ ومندوبو 17 دولة مراقبة؛ و مندوبو 14 منظمة إقليمية ودولية. قدم محمد أشرف غني شكره للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إطلاقه لمؤتمر قلب آسيا – عملية إسطنبول؛ وقال: رغم أن الحرب جارية في أفغانستان منذ أربعة عقود؛ إلا أن الشعب يُؤمل لمستقبل مشرق. وذكر أن الإرهاب وتهريب المخدرات والمعارضة المسلحة من أهم الأخطار التي تُهدد استقرار أفغانستان وأضاف أن لهذه التهديدات أبعادا داخلية وخارجية. أبدى الرئيس الأفغاني سعادته من مساعي الرئيس الأمريكي ترمب الأخيرة ومن سفره إلى كابل؛ وشكر كل من دولة أوزبكستان، والصين، وروسيا، والسعودية على دعمها للسلام الأفغاني. وقال بأن هذه الجهود ستؤدي في النهاية إلى وقف إطلاق النار وبدء المفاوضات المباشرة بين طالبان وحكومة أفغانستان. كما قدم شكره لقاء خدمات الطبيب تيتسو ناكامورا الإغاثي الياباني (الذي اغتيل يوم الأربعاء الموافق 4/12/2019 في ولاية ننجرهار)، وصرح بأن نتائج الانتخابات الرئاسية ستُعلن عما قريب. تحدث في هذا المؤتمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبعض وزراء خارجية الدول الأخرى؛ وأبدوا استعدادهم لدعم أفغانستان. في إحدى بيانات القصر الرئاسي الأفغاني؛ ذُكر أن الرئيس الأفغاني التقى على هامش المؤتمر بوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف؛ وتبادلا الآراء حيال السلام بأفغانستان. في الوقت ذاته؛ أعلن السفير الباكستاني في أفغانستان زاهد نصر الله دعم بلده باكستان لأفغانستان؛ وطالب جميع دول المنطقة والعالم بأن يتركوا منافساتهم السياسية في أفغانستان، وأن يعملوا على استقرار السلام وتطوير الحالة المعيشية في أفغانستان. وضّح ميرويس ناب نائب وزير الخارجية الأفغاني في الشؤون الاقتصادية، أن مؤتمر قلب آسيا- مبادرة إسطنبول مؤتمر مهم جدا؛ وقال: ” هذا الاجتماع من الأطروحات المهمة التي قادتها الحكومة الأفغانية؛ وتستطيع هذه المبادرة أن تسهل الدعم والتنسيق بين دول المنطقة ودول العالم في السعي نحو إرساء الأمن والسلام والتنمية الاقتصادية في أفغانستان”. إلا أن بيان القصر الرئاسي حين تحدث عن لقاء الرئيس الأفغاني بجواد ظريف وزير الخارجية الإيراني؛ ذكر ما يمنح شعورا بلهجة معادية لباكستان وطالبان؛ مما يضع علامات استفهام على تصريحات الرئيس غني حيال تحرك حكومته صوب السلام.
دور مؤتمر قلب آسيا في عملية السلام
يُعقد الاجتماع الثامن لمؤتمر قلب آسيا في تركيا؛ في حين أن مندوب أمريكا الخاص في شأن مفاوضات السلام الأفغاني زلمي خليلزاد استأنف مفاوضاته بمندوبي طالبان في الدوحة عاصمة قطر؛ بمشاركة ملا عبد الغني برادر وأنس حقاني. بالنظر إلى أن عدد كبير من الدول والمنظمات الداعمة للمؤتمر لها تدخل بنحو ما في القضايا الأفغانية أو أنها ترغب في التأثير في القضايا الأفغانية؛ بإمكان المؤتمر أن يلعب دورا هاما حيال السلام بأفغانستان. ولكن بما أن رُؤى هذه الدول تجاه أفغانستان مختلفة تماما عن بعضها البعض؛ يبدو بعيدا احتمال اتحاد أراء هذه الدول نحو كيفية الوصول إلى السلام الأفغاني، ويمكننا أن نشير في هذا الصدد إلى اختلاف الرؤى بين الهند وباكستان؛ وبين السعودية وإيران. وفي هذا الصدد يبدو أن تركيا بكونها إحدى الدول المقتدرة الإسلامية وكونها من جملة مؤسسي مؤتمر قلب آسيا – مبادرة إسطنبول؛ نستطيع أن نقول أنها تقدر على أن تلعب دورا بارزا حيال السلام بأفغانستان.
دور تركيا في عملية السلام بأفغانستان
تُعد تركيا من الدول التي كانت لها علاقات طيبة بأفغنستان دوما. نستطيع أن نُرجع العلاقات الثنائية الودية بين أفغانستان وتركيا إلى فترة حكم أحمد شاه أبدالي؛ حيث أنشأت الحكومة الأفغانية في تلك الفترة العلاقة بين البلدين. تُركيا هي ثاني دولة أقرت باستقلال أفغانستان رسميا عام 1919م؛ وقد وقعت الحكومة التركية مع الحكومة الأفغانية أول مذكرة تفاهم ودية عام 1921م. تركيا هي أول دولة إسلامية مشاركة في حلف الناتو؛ وقد قدمت الحكومة التركية الدعم لأفغانستان خلال العقد والنصف الماضي في المجالات الأمنية والتعليمية والزراعية. وقد وفرت منحا دراسية للطلبة الجامعيين الأفغان كما أنها قدمت مساعدات طيبة في مجال تدريب وتعليم ضباط الشرطة الأفغان. سعت تركيا منذ عام 2007م أن تلعب دورا مُساعدا حيال السلام الأفغاني؛ وعقد لأجل هذا الهدف اجتماعات ثلاثية الجوانب بين أفغانستان وتركيا وباكستان. تركيا دولة ترغب في استقرار السلام بأفغانستان؛ ومن جانب آخر تربطها علاقات ثنائية ودية مع باكستان؛ لذا تستطيع هذه الحكومة أن تلعب دورا إيجابيا في تقليص التوترات بين الحكومة الأفغانية والحكومة الباكستانية. ونظرا للعلاقات الودية العميقة بين الحكومتين التركية والباكستانية؛ وعلاقات الحكومة التركية بكبار المسؤولين في باكستان؛ ومكانة الحكومة التركية في العالم الإسلامي؛ بإمكان تركيا أن تلعب دورا محوريا في قضية السلام الأفغاني. وقد وُجدت آمال عريضة حيال الدور التركي في إنجاح عملية السلام بأفغانستان. يأمل الشعب الأفغاني من الحكومة التركية أن تستمر في دعمها طويل المدى في القطاعات الاقتصادية والأمنية والتعليمية بأفغانستان.
النتيجة
بالنظر إلى خلفية المؤتمر نستطيع القول بأنه في مجمله إجراءات شكلية أكثر من كونه مؤثرا حقيقيا. لذا لا يُرتقب أن يكون لهذا المؤتمر موقف جماعي صادق ينجح في إرساء السلام بأفغانستان. إذا نحّينا أنظارنا عن مواقف الدول الداعمة للمؤتمر؛ سنجد أن الدول الأعضاء بالمؤتمر لديها سياسات متضادة حيال السلام الأفغاني. تركيا تملك سمعة طيبة بين الدول الإسلامية ودول العالم كافة؛ ولذا تقدر أن تلعب دورا إيجابيا حيال السلام الأفغاني؛ من خلال استغلال علاقاتها الودية مع طرفَي النزاع بأفغانستان.