في الرابع من شهر ديسمبر الجاري، تم اغتيال المواطن الأفغاني الياباني الأصل الذي وقف حياته لدعم الشعب الأفغاني منذ عام 1984م، مع خمسة من مساعديه، في مدينة جلال آباد من قِبل جهة غير مُحددة. سنسلط الضوء في تحليل هذا الأسبوع على حياة الدكتور المذكور؛ ومساعداته الخيرية، وشيء من جوانب حياته التي تساعدنا على فهم مستقبل أفغانستان.
نظرة مقتضبة في حياة الدكتور ناكامورا
الدكتور ناكامورا وُلد عام 1946م في مدينة فوكواكا اليابانية والتي لها تاريخ طويل يمتد إلى ألفي عام كما أنها من جملة المدن المتطورة والحديثة. درس ناكامورا الطب بجامعة كوشو الطبية في مدينته، وعمل بأحد المستشفيات بعد تخرجه. وفي عام 1984م ارتحل إلى مدينة بشاور بباكستان، وبدأ بتقديم الخدمات الطبية المجانية للمهاجرين الأفغان المصابين بمرض البرص. وفي عام 1991م افتتح الطبيبُ المذكور مؤسسة طبية خيرية في مدينة جلال آباد بأفغانستان، حيث إنه كان يرى الأفغان هم أحق الناس بالدعم. وفي عام 1998م افتتح مستشفى في مدينة بشاور. ونظرا لكون أفغانستان تضررت بسبب موجات الجفاف بدءا من عام 1970م شيئا فشيئا؛ وفشت عدة أمراض في المناطق المتضررة مثل الإسهال والكوليرا وبعض الأمراض الأخرى، بدأت نظرة ناكومورا حيال دعم الأفغان تتغير وتتطور؛ فكان منه أن أعلن: أن تأسيس مستشفىً لن يجعل بمقدورنا أن نسهل حصول المواطنين على المياه الصحية كما أنه لن يحل مشكلة قلة الغذاء. لذا اتخذ قراراً بالخروج من المجال الطبي الضيق والعمل على الدعم التأسيسي الذي له آثار طويلة المدى؛ في مجالَي الأمن الغذائي، ومجال توفير مياه الشرب الصحية.
ناكامورا؛ الطبيب الذي وقف حياته لأفغانستان
قام الطبيب ناكامورا بخلع رداء الطب عن بدنه؛ لأجل العمل على الحلول طويلة المدى التي ستساعد الشعب الأفغاني، في المجال الصحي والغذائي. ومن ذلك أنه عمل على حفر 16 بئرا وحفر 33 مجرى أرضى و13 بئر ارتوازي لرَيّ الأراضي الزراعية في مناطق عديدة من ولاية جلال آباد؛ كما أنه حال دون مهاجرة الكثيرين الذين أرادوا ترك أراضيهم بسبب الجفاف. قام بتأسيس مؤسسة Afghan Fund for Life عام 2001م والتي قدمت خلال عام واحد المساعدة لعدد 150 ألف أسرة متضررة من الحرب، وقد مهّد ذلك التخطيط لمشروع الأرض الخضراء Green Ground Project والذي قام الطبيب ناكامورا بتنفيذه لاحقا. قامت القوات الأجنبية بالهجوم العسكري على أفغانستان عام 2001؛ إلا أن الطبيب ناكامورا لم يُثنَ عزمه وقال بأنه سيعمل على مساعدة المواطنين القاطنين في الأماكن النائية والتي لا يصل إليها الآخرون. بدأ الطبيب ناكامورا بمساعدة أهالي المنطقة عام 2003م بالعمل على حفر قناة بطول 25 كيلومتر في بيداء جمبيري بجلال آباد والمتصلة بنهر كُنر؛ وقد كان أهل هذه المنطقة يعانون كثيرا من نقص المياه كما أن منازعات وقعت بينهم حيال الحصول على المياه. مع أن ناكامورا لم يحُز الوسائل التقنية الكافية والعدد الكافي من العمال؛ إلا أنه لم يوقِف العمل؛ وذلك لأن المدينة التي وُلد فيها (فوكواكا) أُنشئت بها قناة مائية تُشبه القناة التي عمل على إنشائها في مدينة جلال آباد. وقد استعان بالتجارب التي أعانت على حفر القناة في مدينة فوكواكا قبل 220 سنة؛ حيث إن اليابان في ذلك الوقت أيضا لم تحز الوسائل التكنولوجية والقوى البشرية الكافية؛ ولذا لم ير الطبيب ناكامورا شيئا مستحيلا في إنجاح مشروع القناة في ولاية جلال آباد. واستمر على العمل حتى نجح المشروع واكتمل عام 2010م. لقد كان الطبيب ناكامورا شخصية إدارية ناجحة؛ كما أنه كان يُكنّ الاحترام لمقدسات الشعب الأفغاني وثقافته؛ وكان يقول دائما: على المؤسسات الداعمة لأفغانستان أن تحترم ثقافة الشعب الأفغاني. كما أنه أظهر للشعب الأفغاني طريقة استثمار المصادر الطبيعية الموجودة في أفغانستان؛ وشارك بيديه في العمل باجتهاد دؤوب. وقد شهد أهل المنطقة التي كان يعمل بها قصفا من القوات الأمريكية التي كانت تحارب عناصر طالبان؛ كما أن القوات الأمريكية أطلقت النار على المنطقة التي كان يجري فيها العمل؛ إلا أن الطبيب ناكامورا لم يجبُن وقام بتشجيع العُمال على الاستمرار في العمل، وهنا تظهر البطولة الحقيقية. هناك جهات ترى الإنجاز في القصف وإطلاق النار، وتُنفق المليارات من الدولارات مع وعود بالتنمية والتطوير؛ ثم تخلف وعودها ولا تُحقق أي تغيير إيجابي في الحالة الاقتصادية في البلد؛ ومع ذلك تُسمى القتل والتدمير إنجازا وعملا. وفي الجانب المقابل نرى الأسد ناكامورا الذي قام بمفرده بتحويل الأرض التي يقطن فيها مئتا ألف مواطن من أرض جافة إلى أرض خصبة. ليس ذلك فحسب؛ وإنما بنى كذلك هناك مسجدا ومدارس يدرس بها نحو 800 طالب؛ وقد تحولت الحالة الأمنية هناك كذلك إلى الأحسن.
الخاتمة
الدكتور ناكامورا كان خادما للبشرية وللشعب الأفغاني؛ واغتياله كان من تخطيط أعداء الشعب الأفغاني الذين لا يريدون إبقاء أي فرصة لإعادة تأهيل أفغانستان. على الحكومة الأفغانية أن تعمل على الحفاظ على أرواح العاملين في المؤسسات الخيرية والداعمة للشعب الأفغاني؛ وذلك لأن هذه المؤسسات أزاحت حِملا ثقيلا من كاهل الحكومة. مع أن الحكومة الأفغانية قامت بتسمية إحدى الحدائق باسم الدكتور ناكامورا توقيرا لخدماته، وقدمت له جنسية أفغانية؛ على الحكومة الأفغانية كذلك أن تقدم ميدالية سيد جمال الدين الأفغاني – أكبر وسام وطني أفغاني – لأسرة الطبيب ناكامورا كما عليها أن تُسمي بعض المشاريع الكُبرى باسمه. أعمال الطبيب ناكامورا الخيرية توصل رسالة إلى العاملين في القطاع الخيري في أفغانستان أن عليهم العمل على المشاريع التي تجر مصالح طويلة المدى للشب الأفغاني، وأن يجتنبوا استغلال هذا القطاع لصالح المصالح الشخصية وذر الرماد على العيون بإجراءات تظاهرية ليس لها أي حضور وتأثير في واقع الناس. على الشعب الأفغاني أن يحل مشكلة فراغ الساحة من الناحية الإدارية، وأن يمنعوا ويردعوا أي محاولات تسعى لإيقاف تنمية البلد. الشعب الأفغاني والشعب الياباني حزنا أشد الحزن على اغتيال الطبيب ناكامورا؛ مما يدل على أن هذين البلدين متشاركين في السعي نحو الأعمال الخيرية والتنموية؛ كما أن اليابان تستطيع أن تستثمر في مجال استغلال مصادر المياه المتوفرة في أفغانستان؛ مما يساعد على تطوير أفغانستان بشكل ملحوظ. كما أنه لا ينبغي السماح للجماعة التي اغتالت الدكتور ناكامورا بأن تصل إلى أهدافها المشينة.