في الحرب الأفغانية، بات استهداف المدنيين أمرا عاديا خلال مدة 18 عاما التي مضت، ولذا سقط جراء الحرب المذكورة عشرات الآلاف من القتلى والجرحى. الهجمات والغارات الجوية الليلية التي تشنها القوات الأفغانية والأجنبية تسببت في خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. مفوضية حقوق الإنسان في أحدث تقاريرها التي بنتها على لقاءاتها بأهالي الضحايا تقول بأن القوات الخاصة الأفغانية بدعم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ارتكبت تجاوزات خطيرة منها التسبب في مقتل المدنيين خلال الهجمات الليلية. تصعيد الغارات الليلية من قِبل القوات الأفغانية والأجنبية جزء من مخطط دونالد ترامب لأفغانستان، وهذا المخطط لم يسبب إلا زيادة الضحايا المدنيين وتصعيد الحرب. في هذا التحليل سنلقي نظرة على تقرير مفوضية حقوق الإنسان الأخير وردات الفعل التي أثارها، مع تحليل للآثار المتوقعة من سكوت الحكومة والمجتمع الدولي تجاه مقتل المدنيين في أفغانستان.
المليشيات المسلحة ونشاطها
وكالة المخابرات الأمريكية CIA قامت بتجهيز وتمويل المليشيات الشعبية المسلحة في أفغانستان منذ عام 2001م لمطاردة عناصر القاعدة وطالبان وكذلك عناصر داعش بعد عام 2014م. مع أن هذه المليشيات تتبع في الظاهر جهاز الأمن الأفغاني إلا أن نشاطها خارجٌ عن هيكل القوات الأمنية الأفغانية ويُدار من قِبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وتعتمدُ هذه المليشيات بشكل كامل على الدعم الجوي واللوجستي الأمريكي. المروحيات الأمريكية تتولى مهمة نقل مقاتلي هذه القوات المحلية خلال الغارات المُشتركة وأحيانا خارج الهجمات المشتركة. القوات الموسومة بالكتيبة 01 تنشط في المنطقة المركزية التي تضم كابل وبروان ووردك ولوجر والولايات المجاورة لها، والكتيبة 02 تنشط في الإقليم الشرقي الذي يضم ننجرهار ولغمان والولايات المجاورة لهما، والكتيبة 03 والتي تُدعى باسم قوات قندهار المُهاجمة هي أقدم هذه الكتائب وتنشط في مطاردة عناصر القاعدة في ولايات قندهار وهلمند وزابل وفراه وآروزجان منذ الفترة التي تلت عام 2001م، والكتيبة 04 تنشط في ولايات نورستان وكير والولايات المجاورة. تشن هذه المليشيات هجماتها الليلية لقتل أو اعتقال الثوار في الأرياف الخاضعة لحكم طالبان أو في المناطق الواقعة في الحرب. هذه القوات تقوّض جدران المنازل وتقوم بتفتيش سكانها. يُعتقل بعض الرجال في المناطق المذكورة من قِبل المليشيات دون إعلام أُسرهم بمكان اعتقالهم، كما يُقتل البعض الآخرون دون أي محاكمات. أشار التقرير المذكور كذلك إلى حالات كثيرة تمت فيها هجمات بناء على معلومات خاطئة أو لأجل منافسات سياسية. قال أحد سكان ولاية وردك لمفوضية حقوق الإنسان في أفغانستان: (قامت المليشيات بتفجير باب بيتي وقتلوا أحد أولادي خلف البيت واختطفوا الآخر، واتهمونا بإطعام عناصر طالبان، في حين أن طالبان قد جاؤوا إلينا وطلبوا الطعام، وإن لم نُعطهم الطعام لآذونا).
تقرير مفوضية حقوق الإنسان
تم إعداد هذا التقرير بناء على المعلومات التي وردت في اللقاءات التي أُجريت مع 39 شخصا شهدوا الهجمات الليلية في ولايات غزني وهلمند وكابل وقندهار وننجرهار وبكتيا وآروزجان ووردك وزابل وكذلك بناء على المعلومات التي تم الحصول عليها من المؤسسات الناشطة في مجال حقوق الإنسان. وفق تقرير مفوضية حقوق الإنسان فإن المليشيات الناشطة بدعم الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بحصانة كاملة في البلد وقد ارتكبت جرائم حرب عديدة. أعلنت مفوضية حقوق الإنسان في تقرير لها بأن هذه المليشيات أقامت محاكمات صحراوية غير رسمية على الأفراد المدنيين. ورد في هذا التقرير أن الكثير من المدنيين الذين يقطنون في هذه المناطق قضوا نحبهم جراء هجمات المليشيات المذكورة. تم التصريح كذلك في التقرير المنشور قبل أسبوع أن الجماعات المسلحة تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قامت بما لا يقل عن أربعة عشر هجوما مسلحا من أواخر عام 2017م وحتى أواسط عام 2019م متضمنة جرائم حرب وانتهاكات عديدة لحقوق الإنسان. إحدى هذه الهجمات ارتُكتبت العام الماضي في ولاية بكتيا وقُتل خلالها أحد عشر شخصا من قرية واحدة. وفق تصريحات شهود الحدث لم يُمنح الضحايا أي فرصة للمقاومة والدفاع عن أنفسهم. كما يُذكر أن المليشيات قامت بقتل زعيم إحدى القبائل عبر إطلاق النار على عينه وقتل حفيده عبر إطلاق النار على فمه. وفق التقرير المذكور، تنشط الوحدات الأمنية الخاصة التابعة لإدارة الأمن الوطني الأفغاني المسماة بالأرقام التالية 01، 02، 03، و 04 كقوات حرس وطني في خوست وقندهار، إلا أن مفوضية حقوق الإنسان ترى أن توظيف وتدريب و إدارة هذه الكتائب يقوم عليه في الأغلب جهاز وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
ردود الأفعال التي أثارها تقرير مفوضية حقوق الإنسان
وكالة المخابرات المركزية CIA اعترضت على ما نُشر في التقرير وصرحت بأن جميع ما ذُكر فيه خطأ أو مبالغات. كما أكد الجهاز المذكور في بيان له أن ” الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بالقانون بخلاف طالبان. نحن لا نسمح بالأنشطة غير القانونية، كما لا نُشارك أبدا في مثل هذه الجرائم على علم”. مكتب شورى الأمن الوطني بأفغانستان نشر بيانا أيد فيه – على تحفظ – ما ورد في تقرير مفوضية حقوق الإنسان. كما تضمن بيان مكتب الأمن الوطني تصريحا بأن هناك أخطاء في التقرير وينبغي تصحيحها. نشْر التقرير المذكور أثار ردود أفعال كل من الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي وقائد الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار وبعض أعضاء البرلمان وعامة أفراد الشعب، ووسموا ما ذُكر فيه بأنه من جرائم الحرب، كما طالبوا بتقديم مرتكبي تلك الانتهاكات للعدالة القانونية.
النتائج
خلال مدة 18 عاما التي مضت تكرر بشكل اعتيادي استهداف منازل المدنيين والتسبب في مقتل المدنيين والنساء والأطفال العُزّل تحت ذريعة الخطأ، دون محاكمة المرتكبين لهذه الجرائم. مفوضية حقوق الإنسان في تقريرها المنشور بتاريخ 31/أكتوبر/2019م طالبت الحكومة الأفغانية بحل الجماعات العسكرية التي تنشط خارج هيكل الجهاز العسكري الحكومي. كما طالبت المفوضية كذلك بإجراء تحقيقات مستقلة حيال الاتهامات الحالية ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب، والتحقيق في انتهاك حقوق الإنسان وقوانين الحرب وتقديم مرتكبي الجرائم للعدالة القانونية. استمرار هذه الهجمات يزيد الفجوة بين الحكومة والشعب كما أنه من جانب آخر يُضرم نار الكراهية في أوساط الشعب ويتسبب في استمرار الحرب في جميع أنحاء البلد. بما أن قتل الأطفال والنساء وعامة الناس مُخالف لجميع المواثيق الإنسانية والإسلامية؛ على الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي أن تتخذ خطواتٍ حازمة لإيقاف هجمات الجماعات المسلحة التي تُدار من قِبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. كما على حكومة الوحدة الوطنية أن تتابع مرتكبي هذه الجرائم وأن تقدمهم للعدالة؛ بدلا عن السكوت أو مجرد الشجب والاستنكار. بشكل عام، على الحكومة الأفغانية الأفغانية أن تُركز اهتماماتها على مفاوضات السلام وإنهاء الحرب الدامية في أفغانستان، وأن تمنع وقوع الضحايا اليومي الذي يودي بحياة العشرات من أبناء هذا الوطن كل يوم.