في السابع والعشرين من شهر أكتوبر/2019م بدأت مظاهرات واسعة تحت قيادة حزب جمعية علماء الإسلام (ف) ضد حزب (تحريك إنصاف) الحاكم من مدينة كراتشي. وفي تاريخ 31/أكتوبر وصلت جماعات متظاهرة أخرى إلى إسلام آباد من إقليم خيبر بختونخواه و بلوشستان، وتطالب الجماعات المتظاهرة رئيسَ الوزارءِ الباكستاني بالاستقالة عن منصبه. يا ترى ما هي أسباب هذه المظاهرات وما هي مطالبات المتظاهرين؟ وما هي التحديات التي تعترض طريق الحكومة الحالية وباكستان بشكل عام؟ وما هي النتائج المتوقعة للأحداث الراهنة في باكستان؟ سنتحدث عن جميع ذلك في تحليل هذا الأسبوع.
المظاهرات الحالية في باكستان
حزب جمعية علماء الإسلام (ف) بباكستان والذي يرأسه مولانا فضل الرحمن خطط لإقامة مظاهرات واسعة ضد الحزب الحاكم منذ فترة طويلة، إلى أن وصلت الجماعات المتظاهرة إسلام آباد بتاريخ 31/أكتوبر بالفعل. مع أن الجزء الأكبر من المظاهرات يُشكله حزب جمعية العلماء وحزب العوام الوطني الذي يرأسه إسفنديار ولي خان، إلا أن هناك أحزاب أخرى مخالفة للحزب الحاكم شاركت في المظاهرات إلى حد ما مثل حزب مسلم ليج الذي يرأسه نواز شريف، وحزب (بيبلز بارتي) وحزب ملي عوامي. قالت حكومة إقليم خيبر بختونخواه قبل إقامة المظاهرات إنها لن تسمح للمتظاهرين بالوصول إلى إسلام آباد، إلا أن الحكومة انصرفت عن قرارها المذكور، ووصل المتظاهرون إلى إسلام آباد دون أي عقبات تُذكر. من جانبٍ آخر صرح وزير الداخلية الباكستاني إعجاز شاه أنه لن يتم اعتراض طريق المتظاهرين كما أنه سيقوم بدعم المتظاهرين بما يحتاجون إليه في إطار القانون.
نبذة عن جمعية علماء الباکستان
في عام 1919م أُسست جمعية علماء الهند ضد الاستعمار الإنجليزي وبدعم من الكونغرس الشعبي بالهند، وعقب تأسيس دولة باكستان في منطقة (بر صغير) تم تسمية الجمعية بجمعية علماء الإسلام. بدأ الحزب نشاطه عام 1960م برئاسة المفتي محمود؛ ضد النظام الحاكم آنذاك والذي كان يرأسه أيوب خان. وفي عام 1980م تولى رئاسة جمعية علماء الإسلام (ف) ابن المفتي محمود المدعوّ مولانا فضل الرحمن ومازال يرأس الجمعية حتى الآن. الجمعية تتبنى الفكر الديوبندي وينتمي معظم أتباعها لإقليم خيبر بختونخواه وبلوشستان. منذ عام 1980م شاركت الجمعية في ائتلافات مع حزب عوامي الوطني وحزب (بيبلز بارتي)، كما يُذكر أن للجمعية علاقات وطيدة بحركة طالبان وتؤيدها بتصريحات بين الفينة والأخرى، كما أن الجمعية أقامت مظاهرات واسعة ضد حزب تحريك إنصاف الحاكم بباكستان.
ما الفرق بين المظاهرات الحالية والسابقتیها؟
أقام حزب تحريك إنصاف عام 2014م مظاهرات واسعة ضد حزب مسلم ليج واستمرت المظاهرات لنحو 126 يوم، مما أدى إلى إزاحة نواز شريف عن الحكم. تم الهجوم على التلفزيون الوطني الباكستاني كما أُلحقت أضرار بالاقتصاد الباكستاني. إلا أن المظاهرات التي أقامها مولانا فضل الرحمن في الفترة الراهنة تبدو أكبر في الحجم من مظاهرات عام 2014 بعدة أضعاف، كما أنها تتسم بالانتظام، من ذلك على سبيل المثال أن المتظاهرين ينظفون الشوارع التي يتظاهرون فيها. مع أن المظاهرات الحالية لا تضم ضمن أفرادها النساء، إلا أن تعاون المتظاهرين مع المراسلات والمذيعات الإخبارية لفت الأنظار. جدير بالذكر أن هناك فرقا تفوقت فيه مظاهرات عام 2014م وهو الوعي لدى المتظاهرين بأسباب المظاهرة، حيث لوحظ في المظاهرات الحالية وجود أعداد لا تُدرك سبب المظاهرات كما أن البعض يطرح مطالبات تخالف تصريحات قادتهم، أو أنهم يعزون سبب مشاركتهم إلى الدفاع عن الإسلام، كما وُجد فيما بعد أنه تم توجيه بعض المتظاهرين إلى تجنب الحديث مع وكالات الأنباء. أما في مظاهرات تحريك إنصاف عام 2014م فإن كل المتظاهرين تقريبا كانوا على وعي تام بأسباب المظاهرة من فساد في الحكومة وضعف في البنية الاقتصادية وغير ذلك من المشاكل الحادة.
أسباب المظاهرات
للمرة الأولى حصل حزب تحريك إنصاف في تاريخ 25/يونيو/2018م على معظم الأصوات في البرلمان وهزموا الأحزاب التي لها نفوذ ومكانة تاريخية في البلد مثل حزب مسلم ليج (ن) وحزب (بيبلز بارتي). من تلك الأحزاب المهزومة حزب جمعية علماء الإسلام الذي ليس له أي كرسي في مجلس الشعب، وأُبقي له أربعة كراسي في مجلس الشيوخ فقط. من تلك الأحزاب المهزومة حزب جمعية علماء الإسلام الذي ليس له أي كرسي في مجلس الشعب، وأُبقي له أربعة كراسي في مجلس الشيوخ فقط. يتهم هذا الحزبُ الجيشَ وجهاز المخابرات بالتورط في تزوير نتائج الانتخابات، وقد كسرت هذه الاتهامات سكوت الجيش وطالبوا من فضل الرحمن توضيحات حيال تصريحاته، إلا أن فضل الرحمن قدم إجابة دبلوماسية مفادها عدم مشاركة الجيش في التزوير. بالإضافة إلى ذلك فإن الضعف الاقتصادي وانتشار البطالة واعتقال قادة الأحزاب السياسية أسباب دفعت إلى إقامة المظاهرات الحالية. إلا أن عمران خان قائد الحزب الحاكم يتهم مولانا فضل الرحمن بالعمل وفق توجيهات جهات أجنبية وتحديدات أشار إلى الهند، كما وضح أن الضعف الاقتصادي أمرٌ موروث من النظام الحاكم السابق ووعد بالعمل على تنمية الوضع الاقتصادي في البلد. في الوقت الحالي شكل عمران خان لجنة خاصة برئاسة وزير الدفاع للتفاهم مع المتظاهرين، وقد عُقدت الجلسة الأولى بنجاح يوم الاثنين الماضي بحضور مندوب المتظاهرين أكرم خان دراني، وقد أثمرت الجلسة نتائج منها فتح ممر كارتابور الحدودي للأقلية السيخية، وتخصيص مئتي ألف منحة دراسية للأسر الفقيرة تحت مظلة برنامج إحساس الدراسي الجامعي، ولعل هذه التطورات ستُضعف موقف المتظاهرين وتقوي موقف الحكومة. المتظاهرون يطالبون باستقالة رئيس الوزراء عمران خان وأن تُعاد الانتخابات بطريقة لا يحضر أفراد الجيشُ فيها مراكزَ الاقتراع، وإذا لم يتم ذلك فإنهم مصممون على إغلاق الطرق الكبرى في البلد. كما يبدو أن الأحزاب المعارضة الأخرى لم تُشارك في المظاهرات بقدرٍ كبير، وقد تمت مشاركة البعض لاشتراك المصالح. مع أن هذا الأمر قد يُعد نقطة إيجابية لصالح المتظاهرين حاليا إلا أنه يُمهد السبل للحكومة لإلقاء التهم على المتظاهرين مما سيُضعف شوكتهم. قد يعود سبب قلة مشاركة الأحزاب المعارضة الأخرى في المظاهرات إلى أمرين، أولهما أن هذه الأحزاب لديها كراسي في مجالس البلدية والبرلمان إلى حد ما، ولا ترغب في خسارة رصيدها ونفوذها عند اضطراب الأوضاع في البلد، والسبب الثاني هو أن قادة هذه الأحزاب معتقلون، ويرغب أتباعهم في إعمال الضغط على الحكومة حتى تُطلق سراح قادتهم (نواز شريف، ومريم نواز، وآصف زرداري، وغيرهم)، وقد أُصدر الضوء الأخضر لإطلاق سراح نواز شريف ومريم شريف بضمان مُشترط. من جانب آخر فإن حزب جمعية علماء الإسلام أمّل في الحصول على دعم الأحزاب المعارضة الأخرى مثل مسلم ليج وبيبلز بارتي وذلك لكون قادتهم مُحتجزين، كما أن الأحزاب الأخرى مثل حزب عوامي الوطني وحزب (بختونخوا ملي عوامي) تريد إعمال الضغط على الحكومة وتهدف من خلال ذلك إلى زيادة نفوذها في أوساط الشعب.
التحديات التي تواجه المتظاهرين والحكومة الباكستانية
هناك عوامل تُعرقل مسيرة المتظاهرين وتقوّي مساندة الجيش للحكومة، منها الدعم الحالي من الجيش للحكومة، وبدء المشاريع الاقتصادية الجديدة، وتصريحات فضل الرحمن الأخيرة حيال تورط الجيش في تزوير نتائج الانتخابات، وقلة مشاركة المنتمين للأحزاب الأخرى غير حزب جمعية علماء الإسلام، وبدء الاضطرابات في البلد. ومن جانبٍ آخر فإن هناك عوامل قد تؤدي إلى إساءة سمعة البلد واضمحلال الحكومة الحالية، منها انتشار البطالة وغلاء أسعار المواد الأولية واعتقال المسؤولين الحكوميين السابقين أمثال رئيس الوزراء السابق نواز شريف والرئيس السابق آصف علي زرداري ورئيس الوزراء السابق شاهد خان قان عباسي ومريم مظفري وآخرين، والتضييق على وسائل الإعلام ومن ذلك على سبيل المثال عدم قدرة مُجري برنامج على الحديث ضيفا في برنامج آخر، وبعض المصطلحات النابية التي استُعملت ضد مولانا فضل الرحمن.
نتائج الأزمة
قيام المظاهرات في باكستان ضد الحزب الحاكم ليس أمرا جديدا وقد ظهر في كل حكومة تقريبا. إلا أن المظاهرات الحالية بدأت من طرف شخص له تاريخ طويل ومشهود، كما أن علاقاته كانت وطيدة دائمة بالجيش وجهاز المخابرات. المظاهرات الحالية أضرت بالوضع الاقتصادي كما أنها عرقلت الشؤون الاقتصادية المعيشية العامة. إذا تمددت المظاهرات الحالية ولم تمنع الحكومة من استمرارها فليس من البعيد أن تسير البلد نحو الاضطراب ويُجمع بساط الحكومة الحالية. أما إذا لبّت الحكومة طلبات المتظاهرين في وقت سريع فلعل الأزمة تهدأ. إلا أن مطلب المتظاهرين (إقالة رئيس الوزراء) يبدو أمرا مُستبعدا وذلك لأن الأحزاب المعارضة تملك في البرلمان إجمالا 156 كرسيا، وعدد الأصوات المطلوبة لإزاحة رئيس الوزراء المُنتخب من البرلمان نفسه تبلغ 172 صوتا.
الحزب السياسي | عدد الكراسي |
حزب (مسلم ليج ن ) الباكستاني | 84 |
حزب (بيبلز بارتي ) الباكستاني | 55 |
حزب (عوامي) الوطني | 01 |
حزب مجلس العمل المتحد | 16 |
الإجمالي | 156 |
الحل الوحيد الذي بإمكانه أن يُزيح الحكومة الحالية ويُلجئ رئيس الوزراء للاستقالة هو توسيع المظاهرات وهو حل كان له تأثيره في باكستان دائما. إلا أن ذلك يتطلب دعما من الجيش، وقد عقد الجيش جلسة عقب تصريحات مولانا فضل الرحمن حيال الحكومة وأكد على تعزيز دور الإدارات الحالية في البلد، مما يُعد علامة على مساندة الجيش للحكومة.