نشر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة OCHA الأسبوع الماضي تقريرا يفيد أن عدد النازحين داخل أفغانستان منذ بداية العام الميلادي الجاري حتى الآن بلغ أكثر من 270 ألف شخص، نسبة 58% منهم أطفال، كما أن نسبة 21% من فئة النساء.
ذكر التقرير أن الحرب والصراعات المسلحة هي السبب الرئيس لازدياد عدد النازحين داخل أفغانستان، كما ذُكرت أسبابٌ أخرى أدت إلى تضخم هذه الظاهرة منها: الكوارث الطبيعية والجفاف، والفقر والبطالة، وتردي الوضع الاقتصادي وانعدام الاستثمار في قطاع البنية التحتية.
وقد أعلنت وزارة المهاجرين والعائدين بأفغانستان أن إجمالي عدد النازحين الداخليين بسبب الحروب والتدهور الأمني والأسباب الأخرى منذ مطلع عام 2019م إلى الثلث الأخير من شهر يونيو بلغ 346,094 شخص، كما عاد في هذا العام عدد 57,148 نازح إلى منازلهم.
سنلقي نظرة في هذا المقال على النازحين الداخليين بسبب الحروب، وهجرة أعداد من الشعب الأفغاني إلى الخارج، كما سنسلط الضوء على دور نجاح عملية السلام في إصلاح جميع مشاكل الشعب الأفغاني.
ضحايا الحرب
مع اندلاع الحروب الأهلية وبدء الاجتياح الأمريكي لأفغانستان، استُشهد وجُرح الملايين كما عُطل 8 ملايين شاب أفغاني عن العمل، وسُدت طرق العودة أمام ملايين اللاجئين الأفغان بسبب التدهور الأمني، كما أن ما تبقى من سكان أفغانستان أخذوا في التنقل والهجرة من مكانٍ إلى آخر. وفق التقرير الأخير المنشور من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة فإن عدد النازحين بالنظر في استمرار الحرب آخذ في الازدياد، حيث إن عدد النازحين في النصف الأول من عام 2019م أكثر بنسبة 40% من نازحي النصف الأول من عام 2017م والبالغ عددهم 192 ألف شخص.
مع صرف نحو 4 ملايين دولار شهريا والدعم المتدفق من الدول المساعدة إلا أن الحرب مازالت مستعرة، ومازال النازحون يعيشون تحت الخيام أو في العراء دون مياه صالحة للشرب أو أي مساعدات صحية وتعليمية. وقد نقلت قناة صوت أمريكا عن المتحدث الرسمي باسم وزارة المهاجرين بأفغانستان أن العدد الإجمالي للنازحين الداخليين يربو على 3,778,000 شخص، وقد نزحت نسبة 67% منهم بسبب التدهور الأمني كما أن 33% منهم نزحوا بسبب الجفاف والكوارث الطبيعية.
الهجرة، والمعاناة المستمرة
مع أن بدايات الهجرة تعود إلى المراحل الأولى للبشر على كوكب الأرض، ومازال البشر يقومون بهجرات مؤقتة في شتى أصقاع الدنيا للسياحة وللحصول على تسهيلات الحياة، إلا أن هجرة الشعب الأفغاني داخل وخارج أفغانستان بدأت منذ اندلاع الحروب الاستخباراتية والتي كان وقودها عوامل مختلفة منها الموقع الجغرافي الإستراتيجي للبلد،والاختلال الإداري والفقر والبطالة وانتشار الأمية لدى قطاعات عريضة من الشعب، وكل ذلك أدى إلى استمرار حركة الهجرة لمدة أربعة عقود متتالية بحثا عن الحياة الآمنة.
من جانبٍ آخر، مع انتهاء الحروب الأهلية وسقوط حكومة طالبان وتشكيل الدولة الجديدة تحت مظلة دعم الأمم المتحدة، وما زامنه في أعوام 2001م إلى 2006م من تحسن في الوضع الأمني وتقلص في عدد النازحين؛ وُجدت آمالٌ بقرب خروج الشعب الأفغاني من مأساته ومعاناته. إلا أن الوضع بعد عام 2007م لم يتحسن حيث اشتدت حدة الحرب ومازال اللاجئون الأفغان يعيشون أوضاعا إنسانية صعبة رغم الميزانيات الضخمة المُخصصة لملف المهاجرين. وقد لوحظ أن اللاجئين الأفغان في الخارج يُعاملون معاملة سيئة نتيجةً لضعف وهشاشة سياسة أفغانستان الخارجية، ويتم إخراجهم من دولة اللجوء أو إرسالهم إلى جبهات قتالية خارجية مع استغلال فقرهم وحاجتهم للعمل.على سبيل المثال ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية OCHA في تقريره الأخير أنه تم إخراج 6000 لاجئ أفغاني من تركيا. ومن جانبٍ آخر نشرت مؤسسة معارضة للنظام الإيراني منشورا حديثا يبين الحالة الاقتصادية السيئة للاجئين الأفغان في إيران وما يقاسونه من بطالة وحرمان، وذكرت المؤسسة أن الطلبة والشباب الأفغان يُرسلون إلى جبهات القتال في سوريا والعراق، وتستغلهم الحكومة الإيرانية في ذلك لفقرهم وعدم حصولهم على فرص عمل. يُذكر أن عدد اللاجئين الأفغان في إيران بلغ أكثر من 580 ألف شخص، تُشكل النساء منهم نسبة 53% ونسبة الرجال 47%.علاوة على ما ذكر، يقاسي النازحون الداخليون صعوبات كثيرة بسبب عدم وجود سياسة منضبطة وتنظيم صحيح لميزانية الحكومة المخصصة لهم. في يوم الثلاثاء الماضي أعلنت السفارة الأمريكية في كابل عن دعم مقدم من حكومتها بقدر 125 مليون دولار لتأمين احتياجات النازحين الداخليين وضحايا الكوارث الطبيعية والعائدين من المهجر. إلا أنه حتى الآن لم يكتمل من الميزانية الضرورية للمساعدات الأولية للاجئين إلا نسبة 27%.عند تدقيق النظر في تاريخ اللجوء والمعاناة التي تكبدها الشعب الأفغاني داخل وخارج أفغانستان، نجد أن الحكومات في أفغانستان لم تقدر على تأسيس سياسة خارجية ناجعة تدافع عن حقوق رعاياها في الخارج كما عجزت سياساتها الداخلية عن إحلال الأمن وإيجاد فرص العمل للمواطنين. ولذا يصعب تقدير المدة التي بانقضائها ستتحسن أوضاع النازحين واللاجئين، بل تدل المؤشرات على تزايد هذه الظاهرة المفجعة.
السلام هو الحل
إن شعبنا يتجرع الأسى منذ أربعة عقود ويخوض حروبا لم يطلبها مع جماعات مختلفة داخلية وخارجية منضوية تحت أنظمة سياسية شتى ومدعومة عالميا. وفق تقرير هيئة الأمم المتحدة فإن نحو 1,366 شخص مدني قُتلوا في أفغانستان من قبل الأطراف المتحاربة في النصف الأول من العام الميلادي الجاري. وهذا يدل على أن مشكلة النازحين واللاجئين لن تصل إلى حل مادامت الحرب مستعرة في البلد، فإن استمرار الحرب تخلق مصائب جديدة كل يوم، فأنى لها أن تحل مشكلة مستعصية قديمة مثل اللجوء للخارج والنزوح داخل البلد.في الحين الذي ستنعقد فيه الدورة التاسعة لمفاوضات السلام بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان، فإن الشعب الأفغاني يرقب تطوراتها في الدوحة عاصمة قطر بأمل وصول الطرفين المذكورين إلى اتفاق ليتبعه بدء المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية مع مشاركة شعبية واسعة لأجل الوصول إلى الاستقرار والسلام الدائم.لن يحل السلام مشكلة الهجرة والنزوح وحسب، وإنما سيمهد السبل كذلك إلى إصلاح ما أفسدته الحروب المتتالية في العقود الأربعة الماضية والتي فُرضت على الشعب الأفغاني. لذا يُعتبر السلام أهم أولويات شعبنا، ولا شيء سواه يسد مكانه.