بعد سفر قادة الأحزاب السياسية الأفغانية في تاريخ 22/يونيو، سافر الرئيس الأفغاني د. محمد أشرف غني للقاء برئيس الوزراء الباكستاني، وقد رافق الرئيس وفد حكومي رفيع المستوى يشمل مستشار الدولة الأمني، ووزير الداخلية، ووزير المالية وغيرهم.
ما هي تأثيرات هذه العلاقات الحديثة بعد الانقطاع الذي دام طويلا؟ وبالمقارنة باللقاءات السابقة؛ هل سيُنتج هذا اللقاء إنجازات محددة؟ وهل بإمكان باكستان أن تلعب دورا مهما في عملية السلام الأفغاني؟ أسئلة سنسلط الضوء عليها في هذا المقال، بالإضافة إلى عدة موضوعات أخرى.
نظرة سريعة على العلاقات الأفغانية الباكستانية
منذ إبعاد قوات طالبان من مُعظم محافظات أفغانستان وحلول القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو مكانها فإن العلاقات بين أفغانستان وباكستان مرت بمنحدرات عديدة. حاول الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي في فترتيْ حكمه أن يُحسّن العلاقات بين أفغانستان وباكستان وأن يمنع التدخلات من جانب باكستان في الشأن الأفغاني وقد قام بعدة زيارات إلى باكستان لأجل ذلك. إلا أن أحد أهم شخصيات تلك الحكومة (رنجين دادفر سبنتا) الذي عمل وزيرا للخارجية ومستشارا للأمن الوطني الأفغاني وصف المحاولات التي بذلتها الحكومة الأفغانية بقيادة كرزاي خلال 13 عاما بأنها لم تكن مُثمرة.
العلاقات مع باكستان في فترة حكومة الوحدة الوطنية
بعد تأسيس حكومة الوحدة الوطنية مد الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني يد المودة إلى باكستان، حيث رأى أن ترميم جسور العلاقات بين البلدين قد تفيد أفغانستان في عملية السلام والتنمية الاقتصادية. قام الرئيس غني بزيارة باكستان عام 2014 والتقى بالمسؤولين والساسة كما زار المركز العسكري GHQ، وبحسب بعض الخبراء العسكريين قام غني بتوقيع عدة مذكرات تفاهم مع باكستان. إلا أن عددا من المسؤولين الأفغان ومن ضمنهم المستشار السابق للأمن الوطني الأفغاني رحمة الله نبيل يعتقدون أن ما قام به الرئيس غني يُضاد مصالح أفغانستان.
مع مرور الوقت باتت حكومة الوحدة الوطنية تخمن احتمالية نكوص باكستان عن التفاهمات والوعود التي أبرمتها مع الرئيس غني، حيث اشتدت الحرب في أفغانستان وارتفع معدل الضحايا المدنيين يوما بعد يوم، وهكذا نشأ جو من عدم الثقة بين البلدين. وعندما أعلنت الحكومة الباكستانية عن تقديم قدر من الدعم لأفغانستان فإن الرئيس غني الذي كان حينها في الهند رفض قبول الدعم وصرح بأن على الحكومة الباكستانية إن أرادت الدعم أن تكف يدها عن دعم الإرهاب، واتهم الجانبَ الباكستانيَّ بدعم المعارضة المسلحة في أفغانستان.
خيم جو من عدم الثقة بين البلدين لقرابة أربع سنوات، وخلّف عقبه اتهامات من الدولتين لبعضهما. ومع كسب حزب إنصاف في باكستان لمعظم الأصوات في البرلمان ومن ثم تعيين عمران خان رئيسا للوزراء، أكد عمران خان على إعادة تحسين العلاقات مع أفغانستان وأحدث تغييرات في السياسة الباكستانية تجاه أفغانستان بموافقة الجيش الباكستاني ويرى بعض الخبراء أن الدوافع الأساسية لذلك كانت عديدة، منها: ما تواجهه باكستان من ضغوطات وتحديدا اقتراضها المتزايد من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى ضغط المجتمع الدولي على باكستان وجعلها في القائمة الرمادية لافتراض كونها داعمة للإرهاب.
بعد فوز عمران خان في الانتخابات قام الرئيس الأفغاني غني بتهنئته عبر الهاتف ودعاه لزيارة كابل وتم قبول الدعوة من قِبل عمران خان. من جانبٍ آخر التقى غني بعمران خان على هامش القمة الرابعة عشر لمنظمة التعاون الإسلامي وتباحثا حول العلاقات الثنائية بين البلدين وما حدث من منع الطيران باتجاه الهند فوق أرض باكستان. كما أن سفر مستشار الأمن الوطني بأفغانستان حمد الله محب إلى باكستان برفقة وزير المهاجرين أعاد شيئا من جو الثقة بين البلدين.
أزمات باكستان الاقتصادية وإعادة تحسين علاقاتها مع كابل
بعد فوز حزب إنصاف الباكستاني في الانتخابات واجه الاقتصاد الباكستاني ضغوطا متزايدة ومن أسبابها طلب باكستان قروضا أخرى من صندوق النقد الدولي وفي المقابل وضع صندوق النقد شروطا على باكستان لأجل الإقراض وقد تسبب ذلك في نزول سعر العملة الباكستانية مقابل الدولار الأمريكي إلى حدٍ كبير، وفي نفس الوقت ارتفعت أسعار النفط والغاز في باكستان بشكل حاد.
من جانبٍ آخر، يرى بعض الاقتصاديين أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها نظرة شك بأن باكستان تقترض من صندوق النقد الدولي لأجل تسديد ما عليها من ديون لمشروع CPEC الممول من الصین، ولذا وضع صندوق النقد الدولي شروطا صعبة على باكستان حيال الاقتراض. كما أن تقلص عدد المستثمرين الأجانب في باكستان أثر تأثيرا سلبيا على الاقتصاد الباكستاني. حتى الجيش الباكستاني الذي كان يقتطع قسطا من الميزانية لنفسه اضطر في ظل الأزمة الاقتصادية أن يُقلل حصته في العام الجاري. من جانبٍ آخر قامت مظاهرات عريضة من قِبل البشتون والبلوش في باكستان مطالبين بحقوقهم ويرى الجيش أن الأيادي الأفغانية لها دور في إشعال هذه المظاهرات مما اضطر الجيش إلى تقليل ميزانيته ليجذب تأييد الشعب باتجاهه. علاوة على ذلك افتتحت أفغانستان ممراتها الجوية وقل اتكاؤها على الاقتصاد الباكستاني. كما أن المعارضة في باكستان تتهم الحكومة بأنها اعتلت كرسي السلطة بتأييد الجيش وأنها تريد من خلال تحسين علاقاتها مع أفغانستان أن تحل قدرا من الأزمات المالية التي تواجهها.
مؤتمر بوربن
في العاشر من يونيو عُقد مؤتمر من قِبل مركزين للدراسات تحت عنوان (سلسلة لاهور) في منطقة بوربن القريبة من إسلام آباد وكان الموضوع هو السلام الأفغاني، وقد حضر المؤتمر نحو 18 شخصا من قادة الأحزاب والشخصيات السياسية الأفغانية مثل رئيس الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، والمرشح لرئاسة الجمهورية محمد حنيف أتمر ورئيس شورى السلام كريم خليلي وغيرهم، وقد تحدث بعضهم في المؤتمر حيال حدود ديورند بين أفغانستان وباكستان بما يخالف مطالب قاطني تلك المناطق الحدودية. وقد أبرز كل من حكمتيار و أتمر أن دور باكستان حيال السلام الأفغاني دور هام. مع أن طالبان لم تشارك في المؤتمر، إلا أن وزير الخارجية الباكستانية محمود قريشي صرح في افتتاحية المؤتمر أن بلده تضررت كثيرا بسبب التحديات الأمنية التي تواجهها أفغانستان وأن مصالح باكستان تتوقف على السلام الأفغاني، كما وضح أن تغيير نظرة أفغانستان تجاه باكستان أمر ضروري وأكد على أن أهمية هذا المؤتمر لا تقل عن أهمية الجلسة الثلاثية بين الدوحة وموسكو والصين، وخلَص إلى أن كل ما ذُكر رسالة من باكستان بأنها مؤيدة للسلام الأفغاني. مواضيع المؤتمر التي شملت محاور السلام الأفغاني واللاجئين الأفغان وتوسعة العلاقات الثنائية بين أفغانستان وباكستان كانت فيما يبدو أكبر من مستوى من حضر من الجانب الأفغاني، لذا قد تقتصر فوائد المؤتمر على تحسن جو العلاقات على المستوى الشعبي بين البلدين وحسب.
زيارة الرئيس غني لباكستان وتأثيراتها على عملية السلام
في الحادي عشر من يونيو سافر الرئيس محمد أشرف غني برفق وفد رفيع إلى إسلام آباد في زيارة استمرت ليومين، وكانت أجندات الاجتماع متضمنة لموضوعات الاتصال الجغرافي بين البلدين على مستوى المنطقة، وطرق العبور التجارية، والأمن والسلام.التقى الرئيس غني في هذه الزيارة بوزير الخارجية الباكستاني محمود قريشي ورئيس الوزراء عمران خان ورئيس الجمهورية عارف علوي بالإضافة إلى قادة الأحزاب السياسية الباكستانية، وقدم مقترحات اقتصادية تتعلق بالعلاقات بين البلدين في مركز الدراسات الإستراتيجية بإسلام آباد. وسم رئيس الوزراء الباكستاني سفر الرئيس الأفغاني بأنه مهم لأجل تحسين العلاقات بين البلدين ونشر جو الثقة المُتبادلة، وأكد على أن بلده ستكون حيادية بالكامل تجاه الانتخابات الرئاسية الأفغانية المُقبلة.من جانبٍ آخر، قدم المسؤولون الباكستانيون وعودا بفتح طرقها أمام شاحنات النقل الأفغانية المتجهة إلى الهند وفتح معبر طورخم الحدودي بين أفغانستان وباكستان ليل نهار لنقل البضائع من الطرفين مما سيكون له تأثير إيجابي على حركة تصديرات كلا البلدين. إلا أن صعوبة حصول سائقي الشاحنات الأفغانيين على تأشيرة دخول باكستان قد تتسبب في عرقلة حركة التجارة الأفغانية. وبما أن مستشار رئيس الوزراء في شؤون الصناعة والتجارة عبدالرزاق داوود سيقدم إلى أفغانستان قريبا، فإن طرح هذه القضية معه قد يحل جزءا من الإشكال المذكور.صرح أمر الله صالح النائب الأول للرئيس المرشح غني أن سياسات باكستان وإخفاقاتها مازالت مستمرة، وأن باكستان ترغب في حفظ مصالحها عبر دعم الجماعات المسلحة، وأن سفر الرئيس غني الحالي هو الأمل الأخير لدى أفغانستان والمجتمع الدولي.من جانبٍ عُرض السلام في أجندات الزيارة على أنه موضوع محوري وهام، ويرى الخبراء والساسة الباكستانيون أن سفر غني سفر مدفوع بالاضطرار وأن باكستان تقدر على أن تلعب دورا مركزيا في قضية السلام الأفغاني. ومن جانبٍ آخر فإن أجندات سفر غني وُضعت تحت علامات الاستفاهم بتصريحات أمر الله صالح الأخيرة حيال طالبان ووسمه إياهم بالأميين وعدّه مؤتمر بوربن مؤتمرا غير مثمر ولومه للشخصيات القيادية الأفغانية المشاركة في المؤتمر لكونهم حسب تصريحه لم يدافعوا عن مصالح أفغانستان.
النتائج والإنجازات
لم يُثمر سفر غني إنجازا محددا، لأن طالبان تلوم الحكومة الأفغانية وتستنكر اتهام الحكومة لطالبان بأنها تُدعم من قبل باكستان، وقد هددت طالبان بأنها لن تجلس على طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية. صرح سفير طالبان السابق ملا عبدالسلام ضعيف بأن التجارب السابقة تدل على أن دول المنطقة لا تقدر على لعب دور هام في عملية السلام الأفغاني، وأن الشيء المفيد الوحيد في هذا الصدد هو التفاوض المباشر بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان، وقد عُقدت ست جلسات للتفاوض بين الجانبين المذكورين، وستُعقد الجلسة السابعة بعد سفر غني الأخير.طالبان تُشكل طرفا هاما في الحرب بأفغانستان ويرتبط نجاح عملية السلام بهذا التنظيم، وبما أن باكستان في الوقت الراهن ليست على مستوى يمكنها من جمع طرفي النزاع (حكومة أفغانستان وطالبان) على طاولة المفاوضات، رغم كون باكستان تؤكد على أنها تستطيع لعب دورها في هذا الصدد؛ فيبدو أن المحاولات المذكورة مضيعة للوقت وأن سفر غني الأخير مثل الزيارات السابقة لن يُثمر النتائج المطلوبة.