22 من شهر یونیو حسب التقويم المیلادی بدايةُ أسبوع تم تسميته بأسبوع مكافحة المخدرات، كما أن الحكومة الأفغانية في هذا العام أطلقت برنامجا في الأسبوع و وسمته بأسبوع الاتحاد الوطني لمكافحة المخدرات، وقد أُعلن أن الهدف منه هو الوصول إلى حلول ناجعة في مكافحة زراعة وتهريب المخدرات.
مشكلة المخدرات صارت تحديا عالميا ولا توجد دولة في العالم بقيت بمأمن من مخاطر وأضرار هذه الظاهرة. احتلت هذه المشكلة الترتيب الرابع بين الأزمات الكبرى في العالم بعد الأزمة النووية وأزمة السكان وأزمة التلوث البيئي. وفق بعض الإحصائيات يفوق عدد مدمني المخدرات سقف 250 مليون شخص، وبما أن معظم مدمني المخدرات من الشباب الذين يُشكلون القوى النشطة للدول فإن التبعات السلبية للإدمان على الصعيد الاقتصادي تُعد كارثية.
مع أنه لا توجد إحصائيات دقيقة تبين عدد المدمنين في أفغانستان إلا أن بعض الأرقام التي تم رصدها تفيد أن عدد المدمنين في أفغانستان يفوق مليون شخص، عدد منهم من الإناث.
تُعد أفغانستان أكبر دولة منتجةٍ للمخدرات في العالم، وتمتد جذور العلاقة بين أفغانستان والأفيون إلى قرونٍ عديدة مضت، إلا أن أفغانستان في العقود الثلاثة الأخيرة بالتحديد أنتجت جزءا كبيرا من الأفيون المُصدر للعالم.
تقرؤون في هذا المقال عن زراعة وتهريب الحشيش وإنتاج المخدرات في أفغانستان وأسباب فشل الحكومة في مكافحتها لهذه الظاهرة، وآثار تدوين إستراتيجية إقليمية مشتركة لأجل تنسيق الجهود في مكافحة المخدرات.
تاريخ المخدرات في أفغانستان
لزراعة المخدرات في أفغانستان تاريخ طويل. قبل وخلال الحرب الباردة كان الخشخاش يُزرع في أفغانستان إلا أنه لا توجد أرقام دقيقة للمخدرات المُنتجة في تلك الآونة. وبعد الحرب الباردة وتحديدا خلال الحروب الأهلية صارت أفغانستان إحدى الدول المصدرة لأكبر قدر من المخدرات. وصل قدر إنتاج المخدرات في أفغانستان عام 1997 م إلى نحو 2804 طن ومن ثم في عام 1999م بلغ الإنتاج 4565 طن. وفي عام 2001 م نزل الإنتاج من 3276 طن إلى 185 طن بسبب حكم طالبان بقيادة الملا محمد عمر.
إذا رجعنا إلى الإحصائيات الرسمية التي تم نشرها من قِبل المؤسسات الدولية وخصوصا إدارة مكافحة المخدرات التابعة لهيئة الأمم المتحدة سنجد أن مساحة الأراضي التي زُرع فيها الخشخاش في أفغانستان في آخر سنة من حكومة طالبان بلغت 8000 هكتار. وبعد سقوط حكومة طالبان أخذ معدل زراعة وإنتاج المخدرات في أفغانستان في الازدياد.
في عام 2007 م بلغت مساحة أراضي الخشخاش 193000 هكتار ووصل إنتاج الأفيون إلى 8200 طن. في الفترة من عام 2008 م إلى 2010 م رُصد انخفاض ملحوظ في زراعة الخشخاش في أفغانستان، ولذا انخفض إنتاج الخشخاش في عام 2012 م إلى 3700 طن. إلا أن الإنتاج صعد مرة أخرى في عام 2013 م حيث بلغ 5500 طن كما بلغ الإنتاج في عام 2014 م مقدار 6400 طن. وقد بلغت مساحات الأراضي المزروعة بالخشخاش في هذا العام (2014 م ) نحو 224000 هكتار.
شکل 1: الأراضي المزروعة بالخشخاش في أفغانستان بوحدة الهكتار (2001 – 2018 )
المصدر: UNODC/MCN
في عام 2016 م ازدادت زراعة المخدرات مقارنة بعام 2015 م حيث تم زرع 201000 هكتار من الأراضي بالخشخاش وتم إنتاج نحو 4800 طن من الأفيون منها، وكان السبب في انخافض إنتاج المخدرات في عام 2015 م هو عدم مناسبة الجو وتأثر المحاصيل بالآفات الزراعية. في عام 2015 م بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالخشخاش 183000 هكتار وبلغ الإنتاج 3300 طنٍ، وهكذا ازداد الإنتاج في عام 2016 م بنسبة 43 في المئة.
في عام 2017 م ازدادت محاصيل المخدرات زيادة ملحوظة عن عام 2016 م حيث تم زراعة نحو 328000 هكتار من الأراضي بالخشخاش وبلغ قدر إنتاج الأفيون 9000 طنٍ، ثم في عام 2018 م تم زراعة 263000 هكتار بالخشخاش وبلغ قدر إنتاج الأفيون 6400 طن مما يُعد انخفاضا عن العام السابق له بنسبة 29% بسبب عدم مناسبة الجو وتأثر المحاصيل بالآفات الزراعية.
شکل 2: إنتاج الأفيون في أفغانستان بوحدة الطن (2001-_ 2018)
المصدر: UNODC/MCN
أظهر التقرير المشترك الذي صدر عن الحكومة الأفغانية وهيئة الأمم المتحدة أن زراعة الخشخاش في أفغانستان زادت بنسبة 32% في عام 2017 م كما أن إنتاج الأفيون زاد بنسبة 29% وبهذا صارت أفغانستان في هذا العام من الدول الأكثر إنتاجا للمخدرات في العالم. في عام 2018 م ازداد إنتاج المخدرات مقارنة بعام 2017 م بشكل ملحوظ، ويعزو مسؤولو وزارة مكافحة المخدرات السبب في ذلك إلى التدهور الأمني.
الإستراتيجية التي أدت إلى زيادة زراعة وإنتاج وتهريب المخدرات
تهريب المخدرات أزمة عالمية تحتل المرتبة الرابعة على مستوى العالم، ويبلغ عدد مدمني المخدرات في العالم وفق بعض الإحصائيات 250 مليون شخص، وتتحمل أفغانستان قدرا كبير من أضرار هذه الآفة. من جانبٍ تشوهت سمعة أفغانستان بسبب إنتاج المخدرات وزراعتها، ومن جانبٍ آخر فإن هناك نحو 3.5 مليون مواطن أفغاني يتعاطون المخدرات بطريقة ما، وتم تقدير حالة 1.5 مليون شخص منهم بأنها حالة حرجة.
تفيد بعض التقارير أن نسبة 30% من هؤلاء المدمنين من فئة الأطفال، كما تُشكل النساء نسبة 7% منهم. بعد سقوط حكومة طالبان وتحديدا في مؤتمر بُن المنعقد بخصوص تأسيس الحكومة الجديدة في أفغانستان تم تشكيل وزارة جديدة لمكافحة المخدرات. في عام 2014 م أعلن الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي أن مكافحة المخدرات إحدى أولويات الحكومة وأنه يُمنع منعا باتا زرع وإنتاج وتهريب المخدرات. خلال مدة 18 سنة التي مضت عملت عدة مؤسسات في قطاع مكافحة المخدرات، ومع ذلك فإن أفغانستان في الوقت الراهن تُنتج نحو 90% من مجموع المخدرات في العالم. المراكز المعنية بمكافحة المخدرات في أفغانستان هي: مكتب مكافحة الجرائم والمخدرات بالأمم المتحدة في أفغانستان، وإدارة مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، ووزارة الصحة العامة ووزارة الزراعة، وقد أُنيط بوزارة الزراعة مسؤولية قيادة وتنسيق الأنشطة في هذا الصدد.
وفق تقرير المفتش الخاص الأمريكي في أفغانستان فإن الولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 2014 م صرفت مبلغ 7 مليارات و 600 مليون دولار لمكافحة المخدرات في أفغانستان، ومع صرف هذه المبالغ الطائلة فإن الحكومة فشلت في جميع الأصعدة ( منع زراعة الخشخاش، منع إنتاج الأفيون، مكافحة الاتجار بالمخدرات وتهريبها، منع الوقوع في الإدمان، ومعالجة المدمنين)، وهذا أمر يُقر به المسؤولون في الحكومة الأفغانية. وقد صرح النائب الثاني لرئيس الحكومة الأفغانية سرور دانش في مؤتمر صحفي بأن جهود الحكومة في مجال مكافحة المخدرات لم تُثمر النتيجة المطلوبة. وقد أدى الإخفاق المذكور ووجود عصابات المافيا المهربة للمخدرات إلى ارتفاع معدل الجريمة وخصوصا الجرائم المُدبرة والخطيرة.
لماذا أخفقت الجهود المبذولة في مكافحة المخدرات؟
ادعت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها عند قدومها لأفغانستان أن الإرهاب والمخدرات ظاهرتان مرتبطتان، ولأجل إزالة الإرهاب لا بد من إزالة المخدرات. إلا أن السؤال الذي لم يتلقّ إجابة هو: لماذا تنامى إنتاج وتهريب المخدرات في أفغانستان منذ عام 2001 م؟
أسباب تنامي زراعة وتهريب المخدرات في مدة 18 سنة الماضية لا تنحصر في سبب واحد وإنما هي عدة عوامل وتمهيدات داخلية وخارجية، ومن أهم هذه العوامل ضعف الإرادة الحازمة في مكافحة المخدرات على الصعيد الدولي والداخلي.
من العوامل المهمة كذلك ما يملكه بعض ذوي النفوذ من سلطة وعلاقات بعصابات المافيا المُتاجِرة بالمخدرات على مستوى البلد والإقليم والعالم، كما أن الفساد الإداري في الحكومة الأفغانية سبب مهم ساعد على إفشال الجهود المبذولة في مكافحة المخدرات. هناك أسباب أخرى أدت إلى تنامي هذه الظاهرة المدمرة وخلقت تحديات في سبيل مكافحتها وهي: التدهور الأمني في أفغانستان – حيث أن نسبة 40% من مساحة أراضي أفغانستان تقبع تحت سلطة المعارضة المسلحة- ، وعدم وجود حكومة تتمع بالقدرة والتأييد الشعبي الكافي، وتوغل أيادي أفراد المعارضة المسلحة في زراعة وإنتاج المخدرات في المحافظات المتدهورة أمنيا، وكذلك وجود طلب على المخدرات من قِبل الدول الأوروبية.
مصدرٌ فعال لتمويل الحرب في أفغانستان
وفق التقرير الصادر من مكتب مكافحة الجريمة والمخدرات بهيئة الأمم المتحدة UNODC ففي الفترة بين عام 2001 م و 2010 م تم إنتاج كمية من المخدرات في أفغانستان تُقدر قيمتها بسبعين مليار دولار. ويُطرح سؤال عن مدى الأرباح التي تدفقت إلى أفغانستان وخصوصا المزارعين من هذه المبيعات الضخمة. يفيد التقرير المذكور أن ملياريْ دولار فقط من القيمة الإجمالية وصلت للمزارعين، و 66 مليار دولار تدفقت إلى جيوب المهربين والمافيا الدولية خارج أفغانستان. كما تعتقد هذه الإدارة أن مبلغ 200 مليون دولار من المبلغ الإجمالي المذكور آنفا يرجع إلى المعارضة المسلحة في أفغانستان، بمعدل 20 مليون سنويا.
شکل 3: مقدار المبلغ الذي يجنيه المزارعون من زراعة الخشخاش (2018-2008)
مكافحة المخدرات على المستوى الإقليمي
تُعد تجارة المخدرات أكبر تجارة في العالم بعد الاتجار بالنفط والسلاح. وفق إحصائيات UNODC فإن إجمالي الدخل الحاصل من مخدرات أفغانستان تُقدر قيمته بـ 70 مليار دولار، وما يجنيه المزارعون من هذا المبلغ هو ملياريْ دولار فقط، أما 66 مليار دولار منها فإنها من نصيب مهربي ومافيا المخدرات الدوليين خارج أفغانستان. المخدرات التي يتم إنتاجها في أفغانستان تُهرب من خلال الدول المجاورة إلى جميع دول العالم. لأجل هذا دائما ما تنتقد الدول المجاورة لأفغانستان إخفاق الحكومة في مكافحة المخدرات، في حين أن التهريب لا يمكن أن يحصل من دون مواطأة من المسؤولين في هذه الدول المجاورة. وبناء على ما ذُكر فإن وجود مافيا المخدرات ووجود طرق عبور مفتوحة للتهريب مهّدا السبيل لزراعة الخشخاش في أفغانستان، في حين أن تقلص الطلب على مخدرات أفغانستان في السوق الإقليمي والسوق الدولي له دورٌ مهمٌ في نجاح مكافحة المخدرات في أفغانستان.
وفق التقرير الصادر من العضو البرلماني الباكستاني محمد بشارت طاهر زاده ملك والذي قدمه في المؤتمر الأخير بباكستان، فإن هناك أكثر من 6.7 مليون شخص مدمنين للمخدرات في باكستان يحصل معظمهم على المخدرات مما تُنتجه أفغانستان. إذا سدت الدول المجاورة لأفغانستان ودول المنطقة الطريق أمام المهربين وحالت بينهم وبين بيع الأدوية والمواد الكيميائية التي تُستخدم في إنتاج الهيرووين فإن ذلك سيحقق الكثير من الإنجازات في مجال مكافحة المخدرات. مع أن هناك الكثير من التحديات في هذا المجال، والمبالغ الطائلة التي صُرفت في مدة 18 سنة الماضية أكبر شاهد على ذلك، إلا أن الجهود التي حدثت مؤخرا والتي تهدف إلى إيجاد إستراتيجية موحدة تُعد حلا مؤثرا لهذه الأزمة، وفي حال وجود إرادة حازمة فليس من المُستبعد أن نرى نجاحات في هذا الصدد.