أجريت في 7 من شهر يونيو/حزيران من العام الجاري (2015م)، انتخابات بارلمانية تركية، حصل على أساس النتائج الرسمية حزب العدالة والتنمية أكثر أصوات الناخبين. ومع فوز الحزب بأغلبية الأصوات، إلا أنه حصد مقاعد أقل من المرات السابقة[1]، ولا يمكنه هذه المرة تشكيل حكومة إلا أن يقوم بائتلاف مع حزب آخر.
ما هي السيناريوهات القادمة لتشكيل الحكومة التركية؟ هل فاز حزب العدالة والتنمية أم خسر المعركة؟ وماذا سيكون أثر الحكومة الائتلافية على المنطقة في المستقبل؟
خلفية الإسلاميين في تركيا
عندما انهار الحكم الأموي في الأندلس، تأسس الحكم العثماني في تركيا. واستمرت هذه الخلافة إلى عام 1924م، جامعة لجزء كبير من العالم الإسلامي تحت راية واحدة. وبعد فوز دول الائتلاف في الحرب العالمية الثانية انفصل كثير من المسلمين (العرب)، من الخلافة العثمانية، حتى وفي تركيا أيضا أخذت حكومة أتاترك العلمانية مكان الخلافة العثمانية، والتي رفعت فيما بعد خطوات معادية للشعائر الإسلامية. فتم تبديل الخط العربي إلى الخط اليوناني، وتم حظر الأذان ولبس القلنسوة وما أعتبر من الهوية الإسلامية في تركيا.
بعد الحرب العالمية الثانية، انطلقت في تركيا حركة بزعامة عدنان مندريس وبإرادة إحياء الهوية الإسلامية في تركيا. وتعهد مندريس في الانتخابات البرلمانية عام 1950 بإعادة الأذان إلى اللغة العربية. استمر عدنان مندريس من عام 1950 إلى 1960 رئيسا للوزراء في تركيا، إلا أن الجيش التركي قام بانقلاب عسكري ضده في 27 من مايو/أيّار 1960 فأسقط حكومته، ليعدمه فيما بعد في 17 من سبتمبر/أيلول 1961. وكان الاتهام استغلال الدين في السياسة، وبناء على اتهام آخر كان مندريس قد صرّح بأن البرلمان لو أراد يمكنه أن يعيد الخلافة العثمانية.
ومع إعدام مندريس اضمحلت حركته. وفي عام 1969 أطلق نجم الدين أربكان حركته التي واجهت مشاكل كبيرة، وتم حظرها ثلاث مرات. عام 1995 فاز حزب أربكان بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية التركية، وشكل حكومة ائتلافية، حدث عام 1997 انقلاب عسكري ضدها، وتم حبس عدد كبير من أعضاء الحركة الإسلامية في تركيا.
وفي التسعينيات من القرن الماض، كان رجب طيّب أوردوغان، وعبدالله غول، وعدد كثير من أعضاء حزب العدالة والتنمية في حزب أربكان، ولكن عندما حدث انقلاب ضد أربكان بدأ خلاف بينهم وبينه، أسس أوردوغان عام 2002م، حزب العدالة والتنمية. وشاركوا عام 2003 في الانتخابات، وبعد الفوز شكلوا حكومتهم. وتكرر فوزهم عام 2007 وعام 2011 في الانتخابات البرلمانية لتكون الحكومة لهم. إن فوز حزب العدالة والتنمية أربع مرات متواترة يرجع سببها إلى الرقي الاقتصادي في تركيا وأُثرها على الطبقة المتوسطة.
حزب العدالة والتنمية، فاز أم فشل؟
بعد إعلان النتائج اعتبرت وسائل إعلام غربية بأن حزب أوردوغان قد فشل، وهو رغم أن الحزب حصل على أغلبية الأصوات والمقاعد في البرلمان. أولا إن مصطلح الفشل غير وارد هنا، وهي شائعات لا أساس لها نشرت في الإعلام.
أما وسائل إعلام أخرى فحاولت أن تظهر بأن الشعب التركي قد رفض سياسة أوردوغان، ولكن هذا الموقف الإعلامي مبني على العنصرية وسطحية أيضا.
مع أن لا أحد يمكنه غض البصر عن هذا، بأن حزب العدالة والتنمية حصل على أصوات ومقاعد أقل في هذه المرة بالمقارنة إلى المرات السابقة، إلا أن خلف ذلك تقف أسباب أخرى، منها خلافات داخلية في الحزب برأي بعض المحللين. وسببت حركة فتح الله غولن سببا آخر لقلة أصواب العدالة والتنمية.
إن اعتبار حزب العدالة والتنمية فاشلا بسبب قلة الأصوات لهو تحليل غير صحيح. إضافة إلى ذلك لو خالف الشعب التركي حقا “دكتاتورية!” أوردوغان، فلم تم اختياره في الانتخابات الرئاسية، رغم أنه أعلن خطته قبل الانتخابات. ولو تضايق الأتراك من سلطة أوردوغان لما صوت لصالحه في الانتخابات البلدية سلفا، وفي الانتخابات البرلمانية أخيرا.
سيناريوهات تشكيل الحكومة
مع أن حزب العدالة والتنمية حصل على 258 كرسيا في البرلمان، إلا أن الدستور التركي لا يسمح بتشكيل الحكومة منفردا لأي حزب مع هذه النسبة، لأن أي حزب عليه أن يحصل على 276 مقعدا من بين 550 مقعدا في البرلمان ليكون مؤهلا لتشكيل الحكومة. لدى حزب العدالة والتنمية حاليا 258 ويحتاج 18 مقعدا لتشكيل الحكومة.
عدد المقاعد في البرمان | الحزب |
۲۵۸ | حزب العدالة والتنمية |
۱۳۲ | حزب الشعب الجمهوري |
۸۰ | حزب الشعوب الجمهوري |
۸۰ | حزب الحركة القومية |
نتائج الانتخابات البرلمانية التركية
ويمكن أن تظهر للسطح السيناريوهات المستقبلية لتشكيل الحكومة التركية القادمة كالتآلي:
أولا: أن يشكل حزب العدالة والتنمية حكومة بمشاركة من نواب مستقلين.
ثانيا، أن يشكل حزب العدالة والتنمية حكومة بمشاركة مع حزب الشعب الجمهوري،
ثالثا، أن يشكل حزب العدالة والتنمية حكومة بمشاركة مع حزب الشعوب الجمهوري،
رابعا، أن يشكل حزب العدالة والتنمية حكومة بمشاركة حزب الحركة القومية،
خامسا، أن يشكل حزب العدالة والتنمية حكومة بمشاركة مع حزب الشعوب الجمهوري وحزب الشعب الجمهوري،
سادسا، أن لا يتم تشكيل حكومة ائتلافية خلال 45 يوما وأن تتم إعادة الانتخابات من جديد.
إن أقرب السيناريوهات السالفة إلى الواقع هو تشكيل العدالة والتنمية حكومة ائتلافية مع حزب آخر، إلا أن ذلك يطلب نوعا من التفاهم والمرونة مع حزب العدالة والتنمية. والأهم في الأمر أنه لا يمكن لأي حزب آخر ولو قام بائتلاف مع حزب غير العدالة والتنمية، بأن يشكل الحكومة. لأن حزب الشعب الجمهوري (132 مقعدا) لو يشكل ائتلافا مع الحركة القومية (80 مقعدا)، فإن ذلك يصبح 212 مقعدا، وسوف يحتاجون 64 مقعدا آخر. وليس تشكيل ائتلاف بين هذه الأحزاب الثلاثة عمليا أيضا، لأن هناك بينهم خلافات جذرية كبيرة.
الخارجية الجديدة
يبدو أن تركيا ستكون بها حكومة ائتلافية بقيادة حزب العدالة والتنمية، وأن ذلك لا يؤثر سريعا على سياسة تركيا الخارجية. وما دام حزب العدالة والتنمية يقود البلد فإن حدوث تغيير أساسي في السياسة الخارجية التركية أمر بعيد. وسوف تستمر سياسة تركيا في الشرق الأوسط. سيستمر طلب تركيا بإطلاق سراح مرسي وإزالة بشار الأسد، إلا أن حزب العدالة والتنمية ستواجه قيودا في عملها.
النهاية
[1] في الانتخابات السابقة حصل الحزب على ۳۲۷ مقعدا في البرلمان، وحصل الآن على ۲۵۸ مقعد.