فور تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، تم توقيع الاتفاقية الأمنية المثيرة للجدل بين البلدين. وكان الرئيس السابق حامد كرزاي قد امتنع عن توقيع الاتفاقية. وكتب الوفد المفاوض إلى الحكومة الأفغانية في تلك الفترة بأن الأمريكان ليسوا على استعداد بأن يقبلوا أي التزام للجانب الأفغاني، وأن هذه الاتفاقية بهذه الصورة ستضر أفغانستان. ومع أن مجلس الأعيان الاستشاري وافق على هذه الاتفاقية إلا أن كرزاي لم يوقعها.
وكان من أكبر الأمور الشائكة في الاتفاقية ملف الصيانة القضائية للجنود الأمريكان في أفغانستان. أصر الجانب الأمريكي على ذلك كثيرا إلا أن حامد كرزاي والذي كانت لديه خبرة عمل طويلة مع الأمريكان أدرك بأن الأمريكيين سوف يستغلون هذه الصيانة في قتل المدنيين ولا يقدر أحد على محاكمتهم. فخاسرة الأرواح لدى المدنيين كانت من الأمور المثيرة للخلاف بين كرزاي والأمريكان. وقال الرجل مرة، إن تكرر قتل المدنيين فإن الأفغان سيعتبرون الأمريكان “محتلين”.
في الأسبوع الماضي نفّذت طائرات أمريكية بلا طيّار هجوما على جنازة في ولاية خوست جنوب شرقي أفغانستان، مما أسفر عن مقتل 34 مدنيا[1]، ويقال إن السكان كانوا في جنازة لزعيم قومي تم استهدافهم من قبل الطائرات[2]. وكان بين الضحايا ستة من أسرة واحدة. إلا أن “حكومة الوحدة الوطنية”، لم تنتقد بعد الهجمات العشوائية التي يقوم بها الأمريكان، بل أصدر الرئيس السابق بيانا ندد فيه بهذا الهجوم.
صمت الحكومة الأفغانية
تم توقيع الاتفاقية الأمنية في “حكومة الوحدة الوطنية”، بزعامة أشرف غني في تلك النسخة التي تضمنت صيانة قضائية للقوات الأمريكية. مع أن مجلس الأعيان في 2013 طلب إلغاء هذه الفقرة، إلا أن حكومة أشرف غني وقعت الاتفاقية كما هي.
نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية رسالة بعنوان “الاتفاقية الأمنية… دراسة علمية حقوقية”، جمع فيها مجمل آراء المحللين والخبراء، جاء فيها القلق بشأن الصيانة القضائية للقوات الأمريكية وأن ذلك يكون تصريح قتل الأفغان للأمريكان. وأن الأمريكان إذا قتلوا الأفغان فلا يحق لهم أن يرفعوا أصواتهم. من جهة أخرى قال قائد عسكري أمريكي في حوار مع نيويورك تايمز بأن حكومة أشرف غني هي أكثر تعاونا معهم بالمقارنة مع حكومة كرزاي. وقارن الفرق بفرق الليل والنهار!
بالنظر إلى صمت الحكومة الأفغانية تجاه قتل 34 مدنيا، ظهرت صحة ما قاله القائد العسكري الأمريكي. عندما ثار الشعب الأمريكي ضد الاستعمار البريطاني في القرن الثامن عشر الميلادي، كان الجيش البريطاني قد قتل سبعة أمريكان في باستن، وحتى الآن يعتبر الأمريكان الأمر “مجزرة باستن”، ويحيون ذكراهم في شهر مارس، وأما هنا ومع قتل 34 مدني أفغاني لم تصدر الحكومة الأفغانية تعليمات “احتياطية” أيضا.
أنشطة الطائرات بلاطيّار في أفغانستان
أما في الاتفاقية الأمنية لم تأت إشارة إلى أنشطة الطائرات الأمريكية بلا طيّار رغم اصرار الجنرالات الأمريكان على ذلك. فأهداف هذه الطائرات ومسار عملها حتى في خارج الأراضي الأفغانية كقصف وزيرستان ليس معلوما. وهو أداة استغلتها القوات الأمريكية منذ سنوات كثيرة أكثر من غيرها.
تتولى المخابرات الأمريكية قيادة هذه الطائرات في أفغانستان، ويتم توجيها تماما من أفغانستان بدلا من قاعدة “شمسي”. بشكل عام لم تضمن الاتفاقية الأمنية كثيرا من أنشطة أمريكا في أفغانستان مثل عمليات طائرات بلا طيّار لسي آي إيه، وهي أمور لا زالت غامضة.
إضافة إلى ذلك، وفي بعض المستندات التي أرسلها الوفد الأفغاني المفاوض بشأن الاتفاقية الأمنية، جاء تصريح بأن الوفد الأمريكي يطلب حرية أكبر للطائرات بلا طيّار وللاستخبارات. وجاء في المستندات بأن الوفد الأمريكي يصر على أن المخابرات الأمريكية والطائرات بلا طيّار لا تخضع لهذه الاتفاقية.
خسارة المدنيين ورأي الشعب
وجاء قتل المدنيين الأفغان الأخير على يد القوات الأمريكية في حال دخلت عمليات طالبان ضد الحكومة ودبلوماسيتهم مرحلة تصاعدية كبيرة.
مشاكل “حكومة الوحدة الوطنية” من جهة، وقتل المدنيين الأفغان على يد الأمريكان من جهة أخرى، ومرونة طالبان في مثل هذه الأحوال يمكن أن يعمّق الفجوة بين الحكومة والشعب. ويمكن لأنشطة طالبان الدبلوماسية الأخيرة أن تغير عقلية العامة إلى حد كبير لصالحهم.
لقد تعهد الأمريكان خلال 13 سنة الماضية بإحداث حكم جيد في أفغانستان، إلا أن الحكومة بدلا من التحسين سارت نحو سوء أكثر. قتل الأفغان بيد الأمريكان، وخداعهم من الحكومة الأفغانية هي أسباب عززت من الكراهية والنفرة لدى الشعب الأفغاني تجاه الأمريكان وجعلتها أضعافا كثيرة.
النهاية
[1] لمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي:
http://www.khabarial.com/?p=140023
[2] على حد قول حيدر جان نعيم نائب ولاية خوست في البرلمان الأفغاني.