رفعت حركة طالبان أفغانستان في الشهور الأخيرة خطوات لافتة في المجال الدبلوماسي. حضور الحركة في جلسة بكواش في قطر، زيارة مسؤوليها إلى طهران، محادثاتها مع الناشطين المدنيين في أوسلو عاصمة ناروي، وجلسة تمهيدية مع الناشطين السياسين الأفغان تمهيدا لجلسة أخرى برعاية بكواش في قطر، كلها علامة جديدة لتغيير حادث لدى الحركة.
وتزامنت هذه التحركات مع عمليات غير مسبوقة عسكرية في مناطق مختلفة من أفغانستان من الجنوب إلى الشمال، هذا وتعهدت باكستان التي يقال إنها تدعم طالبان بحمل الحركة على الجلوس خلف طاولة الحوار.
هل هذه التحركات السياسية الجديدة لطالبان في مجال الاتصال والمحادثات مع الجهات المعنية في الداخل والخارج علامة تغيير في استراتيجية الحركة تجاه أفغانستان؟ وإلى أين لعب تواجد مجموعات محسوبة على داعش في أفغانستان دورا في هذه التحركات غير المسبوقة لدى طالبان؟
من الموقف العسكري إلى الحوار السياسي
تعتبر حركة طالبان حتى الآن لدى الشارع العام حركة عسكرية ترى إلى غايتها عبر فوّاهة السلاح، وأنها لا ترى إلى التفاهم من أجل تقاسم السلطة أمرا مقبولا أبدا. وتحاول حركة طالبان منذ بضعة أعوام بأن تزيل هذه الصورة من أذهان العامة وهي صورة بقيت من أيام حكم طالبان.
ذهاب أعضاء المكتب السياسي للحركة إلى قطر تغيير جذري فيها خلال سنوات ما بعد 2001م. مع القول في البداية بأن هذا المكتب سيكون عنوانا لمحادثات السلام فقط، إلا أن طالبان استغلت هذا المكتب بأهداف أكبر من عنوان فحسب. فقد أقاموا صلات مع دول مختلفة، وشاركوا في جلسات بهدف توضيح موقفها من الحرب والسلام في أفغانستان.
وكان الإنجاز الأكبر للحركة عبر هذا المكتب حكر المحادثات على المكتب وإغلاق الطرق على كل المجهولين الذين أظهروا أنفسهم من طالبان مما أدّى إلى ما بدى تفرقة في صفوف طالبان، وهو أمر جعل باكستان تخالف مكتب قطر.
ووفر مكتب قطر فرصة لطالبان بأن تقيم علاقة مع العالم وأخرجها من العزلة، فشارك مندبو طالبان في جلسة كيوتو في اليابان وفي جلسة شانتئي في فرانسا، وأوضحوا موقفهم.
جلسة بكواش في قطر
وكانت هذه الجلسة هي الجلسة الثانية مما عقدتها مؤسسة بكواش بشأن أفغانستان. وكانت هذه المؤسسة قد عقدت نهاية شهر سبتمبر/أيلول 2012 جلسة في دوبي دامت ليومين، وفي تلك الجلسة تمت دعوة عناصر من طالبان ذات صلة مع المكتب بدلا من مندوبي المكتب أنفسهم.
وفي جلسة الدوحة أيضا تمت دعوة المشاركين بطريقة شخصية، ومن دون نيابة عن أي جهة أو دولة. أثناء الحوار وصل المشاركون إلى نتيجة بأن السلام في أفغانستان يكون مصلحة حيوية للبلد والمنطقة معا.
وفي جلسة الدوحة لأول مرة التقى مندبو طالبان مع نساء أفغانيات ذهبن من كابول. وتحدثت ملالي شينواري التي دُعيت إلى الجلسة من كابول مع طالبان حول حقوق النساء.
زيارة طهران
بعد جلسة الدوحة ذهب طيّب آغا على رأس وفد إلى طهران. مع أن وزارة الخارجية الإيرانية أظهرت عدم معرفة على الأمر، إلا أن وكالة أنباء تسنيم التابعة للحرس الثوري أكّدت بأن الزيارة جائت بدعوة من المسؤولين الإيرانيين.
جلسة أوسلو
ناروي بلد له نشاطات ساكتة بشأن السلام الأفغاني. وبدأت صلات هذا البلد مع طالبان منذ أن أصبح كاي آيده من ناروي مندوب الأمم المتحدة الخاص في أفغانستان. بدأت أولى العلاقات عام 2009 واستمرت إلى أن أسفرت علاقة مع مندوبي طالبان في مكتب قطر.
وفي جلسة أوسلو التي عُقدت بداية شهر يونيو تمت دعوة مندوبين من المجتمع المدني الأفغاني، وكانت العلامة البارزة في هذه الجلسة أن طالبان شاركت فيها وتحدثت مع أعنف مخالفيها ممن كانوا يتكلمون دوما ضد الحركة. شكريه باركزاي التي كانت تؤيد الحرب مع طالبان شاركت في جلسة أوسلو وتحدثت مع طالبان بشأن حقوق النساء، وأظهرت حركة طالبان موقفها تجاه حق طلب العلم والعمل واعتبر الجانب المقابل ذلك علامة تغيير بارزة في موقف طالبان.
جلسة دوبي
شارك في هذه الجلسة عبدالقيّوم كوجي عم أشرف غني، والمهندس قطلب الدين هلال من مسؤولي الحزب الإسلامي بزعامة حكمتيار، وهو عضو في فريق أشرف غني الآن، وسيد اسحاق جيلاني من مقربي عبدالله عبدالله. واللافت في هذا هو انتخاب طلبان أفراد للحوار. سيد اسحاق جيلاني من أسرة سيد أحمد جيلاني ويمكن له أن ينوب زعيما جهاديا، قطب الدين هلال من أهل الثقة لدى حكمتيار وخاض غمار الانتخابات الرئاسية بدعم من الحزب الإسلامي جناح حكمتيار. لدى هلال وجيلاني علاقات جيدة مع باكستان أيضا.
من المقرر أن تُعقد جلسة قطر الأخرى بعد شهر رمضان، وفي جلسة دوبي تم تبادل الآراء بشأن الأجندة وقائمة الأفراد المطلوبة دعوتهم إلى الجلسة.
النتيجة
يمكن تقييم التحركات الأخيرة لطالبان في المجال السياسي في ضوء الضغوط الباكستانية، وقبلت حركة طالبان بذلك تهديدا كبيرا بالوقوف في وجه باكستان.
أظهرت تجربة أيام الجهاد الأفغاني ضد الروس، بأن باكستان تمنح حرية عمل للمجموعات المسلحة التابعة لها، ولكن في العملية السياسية وعندما يأتي دور المفاوضات والتفاهم فتريد أن تنوب عنها بنفسها لتحصل على رصيد. فإن فترة المحادثات السياسية هي فترة حصول باكستان على رصيد، وخير مثال على ذلك هو محادثات جنيف قبل خروج القوات الروسية من أفغانستان إذ شاركت باكستان فيها نيابة عن المجاهدين الأفغان.
يبدو الآن بأن طالبان وفي المجال السياسي أقدمت على سياسة فخلقت تحديا لباكستان. وفي أوضاع اتفقت حكومة باكستان مع حكومة أفغانستان على تضييق طالبان، فإن الحركة في المجال الدبلوماسي أيضا أصبحت هجومية بدلا من أن تكون دفاعية ونفت بذلك خطة باكستان.
وأجهضت حركة طالبان محاولات باكستانية موازية في المجال السياسي عبر أفراد مثل الملا عبدالجليل والملا عبدالرزاق. فلم تثمر مشاركة هؤلاء في جلسة أورومتشي أي نتيجة لباكستان وأعلنت طالبان بأن هؤلاء لا ينوبهم.
إن ضغوطا عسكرية وضعتها باكستان على طالبان في شرق أفغانستان باسم داعش، وضعت حركة طالبان في وضع دفاعي لفترة، لأن طالبان لا تريد في الأوضاع الراهنة أن تدخل في صراع عسكر مباشر مع باكستان، إلا أن هذا الوضع لا يستمر لأن داعش باكستان تريد فتح طريق نحو ولاية كونر الأفغانية حيث يعيش الملا فضل الله زعيم طالبان باكستان. وتعتبر باكستان الملا فضل الله عميلا للمخابرات الهندية.
مع أن تعهد باكستان للجانب الأفغاني بأن تحمل حركة طالبان على الجلوس خلف طاولة الحوار لم يتحقق كما أرادت باكستان، ومع ذلك يمكن أن نعتبر ضغوط باكستان سببا للتحركات الأخيرة لطالبان.
من جهة أخرى ميلان طالبان إلى المفاوضات مع أناس اعتبروا طالبان عميلا لباكستان، وزيارة قادة لطالبان إلى دول أجنبية وخاصة إيران، علامة على ابتعاد طالبان من باكستان، ومحاولة لحفظ التوازن بين الجيران. ويمكن أن نعتبر هذه الأنشطة نوعا من الضغط المقابل من قبل طالبان أفغانستان على باكستان، وذلك لتشعر إسلام آباد بالخوف من خسارة المعركة وأن ترضى بأقل ما يمكن، وتكمن مشكلة طالبان في أن باكستان ليست وحيدة في اللعبة بل تدعمها الحكومة الأفغانية أيضا.
النهاية