ترأس د/ عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية وفداً حكومياً عالي الرتبة في زيارة للملكة العربية السعودية، ورافقه في هذه الزيارة الرسمية وزير الحج ووزير التجارة والنائب المالي لوزير الخارجية وعطاء محمد نور المكلف بمنصب والي ولاية بلخ والرئيس التنفيذي لحزب الجمعية الإسلامية، وبعض كبار المسؤولين بالحكومة.
في هذه الزيارة التقى د/ عبدالله والوفد المرافق له بسلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية، ومحمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية، ومحمد بن سلمان ولي ولي العهد ووزير الدفاع، وكذلك وزير الحج والأوقاف، ووزير التعليم والتربية، ووزير التجارة، ووزير المالية ووزير العدل والبقية من كبار المسؤولين بالمملكة، وتباحثوا حول موضوعاتٍ عديدة ووصلوا إلى بعض الاتفاقيات كذلك.
بالإضافة إلى أهداف ونتائج هذه الزيارة، يتناول هذا المقال خلفية علاقات الدولتين وعلاقات حكومة الوحدة الوطنية بالمملكة العربية السعودية.
خلفية العلاقات
تربط أفغانستان بالمملكة العربية السعودية علاقات قديمة. في عام 1932 تم عقد اتفاقية ودية بين الدولتين وقام ملك المملكة العربية السعودية فيصل بن عبدالعزيز بزيارة رسمية لأفغانستان سنة 1970. في فترة رئاسة محمد داود خان أيضاً كانت العلاقات ودية وحسنة بين أفغانستان والسعودية، إلا أن العلاقات بين الدولتين ضعفت بعد الثورة الشيوعية عام 1978.
في فترة الجهاد الأفغاني ضد القوات الشيوعية لعب المملكة العربية السعودية دورها في القضية الأفغانية بإمداد باكستان بالأموال الطائلة من أجل شراء الأسلحة وتوزيعها بين المجاهدين. بعد خروج القوات الشيوعية من أفغانستان، كانت المملكة إحدى ثلاث دول اعترفت رسمياً بحكومة طالبان، إلا أنه حينما وقعت حكومة طالبان تحت وطأة الضغوط الدولية بعد واقعة 11/سبتمبر، قطعت المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة العربية علاقاتهما بطالبان.
بعد تأسيس الإدارة المؤقتة برئاسة حامد كرزاي سنة 2001، عادت العلاقات بين الدولتين مجدداً، وتعهدت المملكة بدعم أفغانستان بمبلغ 220 مليون دولار في مؤتمر طوكيو. وهكذا خطت السعودية خطواتٍ جديدة في أفغانستان وفي المقابل كان لكبار المسؤولين بالحكومة الأفغانية زيارات للرياض. قام حامد كرزاي الرئيس الأفغاني الأسبق بزيارتين رسميتن إلى السعودية عام 2005 وزيارة في عام 2010، وبشكل عام فإن العلاقات بين الدولتين كانت حسنة خلال فترتي رئاسة حامد كرزاي، وتم توقيع اتفاقيات تعاون ثنائية بين الدولتين في مجالات متنوعة.
العلاقات بين كابل والرياض بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية
تحتل المملكة العربية السعودية مكانة مهمة في السياسة الخارجية لحكومة الوحدة الوطنية. بعد مراسم الحلف، أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني عن الخطوط الأساسية لسياسة حكومته الخارجية، وذُكرت المملكة العربية السعودية ضمن المجموعة الثانية (مجموعة الدول الإسلامية) بعد المجموعة الأولى (الدول المجاورة لأفغانستان).
في أول زيارة غير رسمية، سافر أشرف غني بعد توليه للرئاسة إلى السعودية، وفي العامين الماضيين سافر إلى المملكة ثلاث مرات.
من جانبٍ آخر فإن أفغانستان إحدى الدول التي أعلنت تأييدها لموقف المملكة العربية السعودية حيال قضية اليمن، وفيما بعد التحقت أفغانستان بالتحالف لمحاربة الإرهاب والذي تقوده السعودية.
أفغانستان بين إيران والسعودية
إن دور المملكة العربية السعودية بمثابتها مركزاً للعالم الإسلامي على الصعيد السياسي والشعبي في أفغانستان لا يمكن إغفاله. من جانبٍ آخر فإن إيران بمحاذاتها لأفغانستان على حدودٍ طولها 950 كيلو متر يربط بينها وبين أفغانستان قواسم مشتركة دينية وثاقفية ولغوية، وللدولتين علاقات تاريخية قديمة وحسنة نسبياً.
بدأت الحرب الباردة بين هذين الندين الإقليميين منذ الثورة الإسلامية بإيران. امتلكت أفغانستان وخصوصا الجماعات الجهادية الأفغانية علاقات قوية بالسعودية وإيران خلال فترة الجهاد مما كان له تأثيراته العميقة على سياسة أفغانستان الخارجية أيام الاقتتال الداخلي وخلال فترة طالبان وكذلك العقد والنصف الماضي.
خلال 15 عاماً الماضية كانت العلاقات بين كابل و طهران قوية أكثر من العلاقات بين كابل والرياض، ولكن مع تشكّل حكومة الوحدة الوطنية قويت العلاقات بين أفغانستان والسعودية أكثر. عندما أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني دعمه للسعودية حيال قضية اليمن أُعملت عليه ضغوط من بعض الجهات والشركاء السياسيين بالحكومة، وعقب ذلك حاولت حكومة الوحدة الوطنية اتخاذ موقف محايد حيال طهران والرياض.[1]
في الوقت الراهن تشهد أفغانستان حرباً بالنيابة بين الدولتين على الأصعدة الثقافية والمذهبية، ومن أجل هذا لوحظت دعايات سلبية من بعض الجهات حيال إنشاء مركز إسلامي وجامعة إسلامية بكابل وجلال آباد من قِبل السعودية.
وبشكل إجمالي، فقد استطاعت حكومة الوحدة الوطنية إلى حدٍ ما الحفاظ على الاتزان اللازم في سياستها الخارجية تجاه إيران والسعودية والتي بنتها على أساسٍ من التعاون المتبادل.
زيارة الرئيس التنفيذي الأخيرة للسعودية
في 17/ أكتوبر 2016 وبناء على دعوة رسمية من الرياض سافر الرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة الوطنية إلى المملكة العربية السعودية برفقة وفدٍ حكومي. تضمن هذا الوفد بالإضافة لذوي المناصب الحكومية العليا عدداً من التجار الأفغان ونائب رئيس المجلس الأعلى للسلام، وكانت أهداف هذه الزيارة أهدافاً اقتصادية وتجارية، والتباحث مع مسؤولي المملكة حول الصعوبات التي يواجهها العمال الأفغان وحول السلام بأفغانستان. وهكذا تم تسليط الضوء في هذه الزيارة على المواضيع التالية:
السلام: مع أن المملكة العربية السعودية خلال العقد والنصف الماضي لم يكن لها دور بارز في تحسن علاقات كابل – إسلام آباد ومحادثات السلام مع طالبان، إلا أنه يُعتقد أن السعودية بإعمال نفوذها تستطيع – إن أرادت – لعب دورٍ بارز في ترسيخ الصلح في أفغانستان . من هذا المنطلق طلب الرئيس التنفيذي في جلسته مع ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز الدعمَ في قضية السلام في أفغانستان. وأوضح ملك المملكة العربية السعودية أن بلاده راغبة في تحسّن العلاقات بين أفغانستان وباكستان ومستعدةٌ للمساعدة بما تستطيع من أجل تثبيت دعائم السلام والاستقرار في أفغانستان.
المواضيع السياسية: ذكر الرئيس التنفيذي الأفغاني في لقائه بملك المملكة العربية السعودية أن أفغانستان أصبحت عضوا في التحالف لمحاربة الإرهاب تحت قيادة السعودية وتؤيد موقف المملكة فيما يتعلق بقضية اليمن. وأضاف أنه قد حان الوقت لتتخذ السعودية بعض الخطوات من أجل المساعدة في الحرب على الإرهاب حتى تمتنع بعض دول المنطقة من دعم الإرهاب.[2]
مواضيع اقتصادية: من المواضيع المهمة التي نوقشت في زيارة الرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة الوطنية لمسؤولي السعودية، توسيع التجارة بين أفغانستان والسعودية واستثمار المملكة في مجال الطاقة في أفغانستان. دعا د/عبدالله التجار العرب إلى الاستثمار في أفغانستان، ووافق وزير التجارة السعودي ماجد القصبي بإرسال فريق متخصص من أجل دراسة حال الاستثمار في أفغانستان.
من جانبٍ آخر، على الرغم من العلاقات القوية بين أفغانستان والسعودية فإن مشكلة العمال الأفغان في السعودية من المسائل التي لم تُحل خلال العقد والنصف الماضي، وقد طُرحت المسألة في هذه الزيارة مجدداً. في اللقاء بين الرئيس التنفيذي د/ عبدالله ومحمد بن نايف وزير الداخلية السعودي تم التباحث والتوافق حيال تغيير الجوازات الباكستانية الموجودة بحيازة العمال الأفغان وتوزيع جوازات أفغانية لهم بدلا عنها وتقديم تصاريح العمل لهم من قِبل المملكة العربية السعودية.
المواضيع التعليمية والثقافية: بالإضافة تأسيس مركز إسلامي كبير في كابل وجامعة إسلامية بجلال آباد، طالب الرئيس التنفيذي الأفغاني مسؤولي المملكة بزيادة الاهتمام بكافة المجالات التعليمية.
في لقائه بالدكتور عبدالله، وعد وزير التربية والتعليم د/ أحمد عيسى بأن المملكة ستمنح 400 منحة دراسية للطلبة الأفغان كل عام، ومن أجل التسهيل والتنسيق سيتم تعيين مسؤول تعليمي بسفارة المملكة العربية السعودية بكابل.[3]
النهاية
[1] مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، “الحرب الباردة بين السعودية و إيران؛ وأثرها على أفغانستان والمنطقة”، 2015، على الرابط التالي:
[2] الموقع الرسمي للرئاسة التنفيذية، لقاء الرئيس التنفيذي بملك المملكة العربية السعودية، 18 أكتوبر، على الرابط التالي:
http://ceo.gov.af/fa/news/159577
[3] الموقع الرسمي للرئاسة التنفيذية، لقاء الرئيس التنفيذي بوزير التربية والتعليم السعودي، 18 أكتوبر، على الرابط التالي: http://ceo.gov.af/fa/news/159574