هل طرقت الحكومة الأفغانية بوابة الصلح الصحيحة؟

 

أفادت جريدة الجارديان العالمية نقلاً عن مصادر في حركة طالبان والحكومة الأفغانية في 18/ أكتوبر أن عبدالمنان أخا الملا محمد عمر تحدث مع معصوم ستانكزَي رئيس الأمن الوطني الأفغاني في شهري سبتمبر و أكتوبر من هذا العام بدولة قطر[1].

انتشرت الأنباء حول هذه المحادثات انتشاراً واسعاً في الصحافة المحلية والعالمية. لم تعلق الحكومة الأفغانية رسمياً على وقوع هذه المحادثات إلا أن مصدراً في الحكومة أكد الخبر. إسماعيل قاسم يار أحد كبار المسؤولين بالمجلس الأعلى للسلام في أفغانستان لم يُدل أية تفاصيل حول هذه المحادثات إلا أنه أكد زيارة معصوم ستانكزي لدولة قطر[2]. على الصعيد المقابل أنكرت حركة طالبان هذه المحادثات[3].

إذا صحت هذه الأنباء، فستكون هذه المرةَ الأولى التي تحصل فيها محادثة وجهاً لوجه بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان منذ وفاة الملا عمر، مع فارقِ أن هذه المحادثات لم تحصل تحت ضغوطٍ من باكستان أو بوساطتها.

والسؤال هو، هل تغيرت سياسة حكومة الوحدة الوطنية تجاه السلام؟ ما هي مخاوف طالبان حيال سياسة الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية تجاه السلام؟ وإذا حدثت هذه المحادثات حقيقةً، فما هي نتائجها؟ سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها في هذا الجزء من التحليل.

عناصر سياسة حكومة الوحدة الوطنية حيال السلام

بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أخذت محادثات السلام مع طالبان مساراً أسرع مقارنة بالسنوات الأخيرة من الفترة الثانية لرئاسة حامد كرزاي بأفغانستان. لسياسة الحكومة الوحدة الوطنية تجاه السلام ثلاثة عناصر: استغلال التأثير الدولي على حركة طالبان، والإجماع الإقليمي والتواصل مع أعضاء شورى طالبان في كويته.

استغلال التأثير الدولي على حركة طالبان؛ بعد توليه لرئاسة أفغانستان بدأ أشرف غني زياراته الخارجية بالدول التي لديها صداقة استراتيجية مع باكستان ولها تأثير عليها (مثل السعودية والصين). في خطوته التالية طوّر العلاقات مع باكستان وأعطى امتيازات لإسلام آباد وفي المقابل طلب دعم باكستان حيال محادثات السلام مع طالبان.

الإجماع الإقليمي: كان جزءاً من سياسة الحكومة الأفغانية وتحديداً سياسة أشرف غني أن يتم إيجاد إجماع إقليمي حيال “الإرهاب” وعملية السلام الأفغانية. ذلك لأن أشرف غني يعتقد أنه بجانب الأفغان، يوجد مقاتلون يقاتلون في أفغانستان من آسيا الوسطى و روسيا و الصين و باكستان والشرق الأوسط، وهكذا فإن الحرب في أفغانستان من جانبٍ لها أبعاد إقليمية ومن جانبٍ آخر إذا لم يتم إيقافها فسيكون لها آثار عميقة على المنطقة. لذا فإن حكومة الوحدة الوطنية بعد تشكيلها في 2014 طورت علاقاتها مع الروسيا والصين و آسيا الوسطى والهند و أوروبا و أمريكا والشرق الأوسط على نحوٍ يفوق العلاقات التي كانت في السنين الأخيرة من فترة حكومة كرزاي الثانية.

التواصل مع أعضاء شورى طالبان في كويته بدلاً عن مكتب طالبان الموجود في قطر؛ على الرغم من أشرف غني – حسب مصادر عديدة – التقى بمندوبي طالبان في دبي خلال حملاته الانتخابية؛ إلا أنه عندما تولى الرئاسة تغافل إلى حدٍ كبير مكتبَ طالبان بقطر وتواصل مع بعض أعضاء مجلس كويته المرتبط بحركة طالبان الأفغانية. لعبت باكستان بلا شك دوراً في مد جسور هذا التواصل، لذا حصلت المحادثة بين الحكومة الأفغانية ومجلس كويتة في أرومجي أولا ومن ثم في منطقة مَري.

 

مخاوف طالبان حيال سياسة أمريكا والحكومة الأفغانية تجاه السلام

لدى حركة طالبان الأفغانية مخاوف حيال سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وسياسة الحكومة الأفغانية تجاه السلام، من أهمها ما يلي:

الدور المحدود للولايات المتحدة الأمريكية في عملية السلام؛ يرى تنظيم طالبان الأفغاني أن أمريكا هي المكون الأساسي للحرب الحالية بأفغانستان وأن الحرب الحالية ستستمر حتى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. بعد عام 2010 دعمت الولايات المتحدة الأمريكية عملية السلام تحت قيادة الحكومة الأفغانية. عقِب تشكّل حكومة الوحدة الوطنية حاولت الولايات المتحدة الأمريكية الوساطة بين طالبان والحكومة الأفغانية (كما حدث في محادثات مري والمحادثات رباعية الأطراف). إلا أن حركة طالبان الأفغانية لا تريد هكذا دوراً من الولايات المتحدة الأمريكية. لذا يُقال أن طالبان اشترطت أنها لن تبدأ محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية مادام للولايات المتحدة دورٌ نشِطٌ في عملية السلام[4]. وبما أنه في الآونة الأخيرة حصلت محادثات في قطر بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان، فربما يكون لأنباء بدء المفاوضات مؤخراً بين الحكومة الأفغانية وطالبان علاقة بتلك المحادثات.

المصالحة من خلال السياسة الخارجية؛ بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، نشطت سياسة أفغانستان الخارجية حيال السلام. كان أول زيارة غير رسمية للرئيس الأفغاني إلى المملكة العربية السعودية، وزيارته الرسمية الأولى إلى الصين، وأول رئيس سافر إلى أفغانستان كان رجب طيب أردوغان. في الخطوة الثانية، زار أشرف غني باكستان ومن ثم حصلت زيارات متبادلة بين كبار مسؤولي البلديْن. إلا أن حركة طالبان الأفغانية التي تعتبر نفسها حركة مستقلة ردت في مقابل سياسة أفغانستان الخارجية بتشديد قتالها مع الحكومة الأفغانية.

تأكيد طالبان على مكتب قطر؛ منذ البداية أكدت حركة طالبان على دور مكتب قطر حيال السلام. بعد محادثات أرومجي نفت الحركة هذه المحادثات وصرحت بأن مكتب قطر هو العنوان الوحيد المخول بالمفاوضات. وجواباً على محادثات مري، أصدرت حركة طالبان بياناً وزادت من قوة ومكانة مكتبهم بقطر. قيل في البيان: (إذا عقد أحدٌ لقاء أو اشترك في محادثات سياسية دون إذن قيادة الأمارة الإسلامية أو مكتب قطر، سواء في الماضي أو في المستقبل فإن عمله عمل فردي لا يمثل الإمارة الإسلامية بحالٍ من الأحوال)[5].

 

هل تغيرت سياسة الحكومة الأفغانية حيال السلام؟

بعد إخفاق المحادثات رباعية الأطراف أصبحت أفغانستان تشك حول دور باكستان. نزعة الشكوك هذه بادية على المقال المنشور في الصفحة الرسمية للقصر الرئاسي الأفغاني والمتضمن: «بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؛ بدأ أشرف غني المحادثات مع الجيش الباكستاني؛ مما يعني أن الطرف المهم في القضية الأفغانية هو باكستان، لذا يجب أن تُعقد المحادثات مع السلطات بإسلام آباد. إلا أنه لم يكن لهذه المحادثات أثر ملحوظ حتى الآن. لدى الحكومة الأفغانية شكوك حول وساطة باكستان حيال السلام وترى أن عملية السلام عملية أفغانية – داخلية وأن على الأفغان أنفسهم أن يتباحثوا ويصلوا إلى نتيجة»[6].

لذا لم تعقد الحكومة الأفغانية محادثات السلام مع الحزب الإسلامي (حكمتيار) خلال لقاءات مجموعة تنسيق المحادثات الرباعية، ووقعت الحكومة الأفغانية اتفاقية سلام مع الحزب الإسلامي من خلال عملية سلام داخلية – أفغانية. مع أن الجهات الأجنبية أيدت هذه المفاوضات إلا أن هذه المفاوضات وإلى حدٍ كبير كانت نتاج محادثات مباشرة بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي.

في الوقت ذاته غدت طالبان تشك أيضا حيال دور باكستان في الأشهر القليلة الماضية مقارنةً بالماضي. ولهذا السبب شرعوا في المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية في قطر بدون وساطة باكستان. على الرغم من أن تفاصيل هذه المحادثات لم تُعلن بعد، إلا أن باكستان جواباً على هذه المحادثات اعتقلت عدة أفراد من قادة طالبان الأسبوع الماضي، من أشهرهم الملا ناني[7].

 بالإضافة إلى ذلك، بعد إخفاق محادثات السلام الرباعية ازداد التدهور الأمني واشتدت الحرب في البلد. الولايات الهامة تواجه تهديداتٍ والحرب مستمرة في كندوز و أروزكان و هلمند و فراه و نيمروز. نظراً لاختلال الأمن فإن الحكومة الأفغانية تواجه ضغوطاً لأن الحرب من جهةٍ تزيد خسائرَ القوات الأمنية الأفغانية ومن جهةٍ أخرى فإنها فأنها تضعف وتضعضع إنجازات الحكومة الأفغانية.

إذا كانت أنباء وقوع محادثات بين رئيس الأمن الوطني ومكتب طالبان السياسي في قطر صحيحة؛ فإن ذلك مؤشر على تغير سياسة الحكومة الأفغانية تجاه السلام مما يعني استجابة الحكومة بشكل إيجابي لما أثار قلق حركة طالبان وأكدت عليه لمدة طويلة.

 

نتائج

بشكل عام فإن المحادثات المباشرة بين طرفي القضية تُعتبر واعدة وكلما كانت المحادثات مباشِرة كلما كان الطرفان أقرب إلى حل القضية. وبالتالي إذا كانت هناك محادثات وجهاً لوجه بين حركة طالبان الأفغانية والحكومة الأفغانية؛ فالواجب الترحيب بذلك بحرارة.

الحاجة إلى مجموعة وسيطة حاجةٌ ملحّة، بغض النظر عن صحة الأنباء حيال محادثات قطر الأخيرة. نشاط الطرف الوسيط سيفيد في تقليل جو انعدام الثقة بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وتمهيد السبل للمحادثات المباشرة وإزالة بعض العوائق وسيلعب دورَ ضامنٍ إلى حدٍ ما. حصلت جهود من قِبل بعض الجهات حيال هذا الصدد[8]، إلا أنه لم يتم الاعتراف بها رسمياً من قبل الحكومة الأفغانية وحركة طالبان.

من ميزات الطرف الوسيط الأخرى أنه بناء على كونه مطلعاً على تفاصيل المحادثات فبإمكانه إعمال الضغط على الأطراف من خلال الرأي العام في حال اختلق طرفٌ عوائق في طريق السلام أو رفض العمل بوعوده. عندما واجهت محادثات السلام مع الحزب الإسلامي عوائقَ في طريقها استطاع الرأي العام دفع المحادثات الى الأمام وجعلها تستمر. والسبب الرئيس وراء ذلك كان أن المجتمع المدني والمواطنين إلى حدٍ كبير على علم بهذه المحادثات.

النهاية

[1] Sami Yousafzai, Jon Boone, Sune Engel Rasmussen, Taliban and Afghanistan restart secret talks in Qatar, The Guardian, 18 Oct 2016, see it online:< https://www.theguardian.com/world/2016/oct/18/taliban-afghanistan-secret-talks-qatar>

[2] اقرأ المزيد على هذه الصفحة:

http://pa.azadiradio.com/a/28061114.html

[3] اقرأ تقرير صوت أمريكا حول الموضوع:

 http://www.pashtovoa.com/a/afghan-government-and-taliban-peace-talk-in-qatar/3555833.html

[4]  اقرأ المزيد في تقرير صوت أمريكا حول الموضوع

: http://www.pashtovoa.com/a/afghan-government-taliban-talks-in-doha/3556231.html

[5] اقرأ بيان طالبان بالكامل هنا
http://alemara1.org/?p=19802

[6] اقرأ المزيد على صفحة القصر الرئاسي الأفغاني:
http://president.gov.af/ps/analysis/107585

[7] للمزيد من التفاصيل اطلع على الرابط:

http://pa.azadiradio.com/a/28048234.html

[8] مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، د. أمين: قدمنا مقترح المصالحة الوطنية لطالبان/ مقابلة، لمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي:

https://csrsaf.org/ar/?p=1164

هل طرقت الحكومة الأفغانية بوابة الصلح الصحيحة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى