مع بدء عام 2016م، كان من المتوقع أن تتجه العلاقات بين إيران والعسودية نحو تحسن مقرانة مع 3 سنوات الماضية، وأن تصلا إلى توافق بشأن الأزمة السورية، لأنهما رغبتا في الحديث بشأن الأزمة السورية، لكن الأسبوع الأول من عام 2016م، قلّب كل تلك الآمال.
في 2 من يناير 2016م، أعدمت السلطات السعودية 47 شخصا بينهم أعضاء لتنظيم القاعدة، ومتطرفين من السنة، والعالم الشيعي نمر النمر، بتهم تتعلق بـ”الإرهاب”. وفي ردة فعل لذلك، تم حرق السفارة السعوية في إيران، وقطعت رياض علاقاتها مع إيران. وتبعت ذلك حلفاء السعودية بقطع علاقاتها مع إيران، وتوسع نطاق الأزمة.
وأثناء هذه الأزمة، ذهب عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي الأفغاني إلى إيران في زيارة لمدة ثلاثة أيام، ثم أصدرت الحكومة الأفغانية بيانا حول الأزمة، شمل على حيادية موقف كابول بشأن الأزمة.
فإلي أين تتجه الأزمة الجارية في الشرق الأوسط؟ ماذا سيكون أثرها على أفغانستان والمنطقة؟ وماذا سيكون أثر الزيارة الأخيرة للرئيس التنفيذي على العلاقات الثنائية؟
الحرب الباردة في الشرق الأوسط
في الأعوام الأخيرة من الحرب الباردة عندما حدثت في إيران ثورة ضد “رضاه شاه” الملك الموالي لأمريكا، وُلدت في المنطقة منافسة مذهبية إلى جانب المنافسة الفكرية. ومن هناك دخلت إيران في حرب طويلة مع العراق.
غيّرت ثورة إيران الإسلامية ميزان القوى في المنطقة، وقسّمت المنطقة إلى قسمين، إيران مع حزب الله اللبناني وسوريا حافظ الأسد على جبهة، والسعودية مع حلفائها كمصر ودول الخليج ودول عربية أخرى على جبهة أخرى.
أيّدت السعودية أيام الحرب الباردة الموقف الأمريكي، واستغلت من تجارب أمريكا، وحاولت طرح نظرية تشبه “مبدأ ترومان”، في منافستها مع إيران، وذلك لوضع حصار عليها وإخضاعها. ومن هنا عززت السعودية علاقاتها مع باكستان والمجاهدين الأفغان الذين عوّل نجاح حركتهم كثيرا على مساعداتها.
لذلك أثرت تلك الحرب الباردة على الحرب الأهلية في أفغانستان، ثم ظهرت طالبان على الساحة الأفغانية، وخالفتها إيران ما أثار موافقة سعودية. وبذلك وصلت ترددات الحرب الباردة إلى أفغانستان وأثّرت على الأوضاع هنا كثيرا.
الشرق الأوسط بؤرة الأزمات
لو ننظر إلى القرن الماضي، نجد الشرق الأوسط بؤرة للأزمات. في بداية القرن سقطت الخلافة العثمانية، قامت مكانها حكومات جديدة، وفي الحرب العالمية الثانية أصبح الشرق الأوشط ميدان المعركة مثل الحرب العالمية الأولى.
في بدايات الحرب الباردة أعلنت إسرائيل دولة لها، وخاضت في 1948م، و1956م، و1973م، حروبا مع العرب. وفي حرب 1973م، رفع العرب سعر النفط، وحدث تضخم مالي في العالم، تُعرف حتى اليوم بأزمة 1973م، المالية. إلى جانب ذلك خلّق تعامل إسرائيل الشرس أزمات في المنطقة.
في نهاية الحرب الباردة انطلقت حرب الخليج، ثم وفي 2003م، هاجمت أمريكا على العراق بذريعة امتلاكها أسلحة كيمائية وبيلوجية لدمار شامل، ثم وفّرت بطريقة غير مباشرة أرضية لظهور داعش.
ثم وفي العقد الجاري انطلقت صفحة الربيع العربي، بدأت من تونس ثم اتسع في العالم العربي بسرعة، وأسقط الحكم الديكتاتوري في تونس، وليبيا، ومصر، ثم انطلقت حرب أهلية في ليبيا، وكان حكم ديمقراطي في مصر لمدة سنة وحدث فيها انقلاب عسكري ضده من قبل بعض العسكر وبدعم من بعض الدول الإقليمية.
وفي 2011م، حدثت في السعودية تحركات بعنوان الربيع العربي من قبل بعض الشيعة في المنطقة الجنوبية، كان من رموزها شيخ نمر النمر. اعتبرتها السعودية تدخلا إيرانيا، وخافت من الثورات العربية واعتبرتها تهديدا للعرش الملكي. ومن هنا لعبت دورا في إفشال حكومة مرسي في مصر.
مع أن العلاقات السعودية الإيرانية لم تكن جيدة منذ انطلاق الربيع العربي، لكنها لم تكن متدهورة كثيرا، مثل ما أصبحت في بداية 2016م.
لماذا تدهورت العلاقات السعودية الإيرانية؟
بشكل عام كانت العلاقات بين السعودية وإيران متدهورة منذ 1979م، شكّلت المنافسة الإقليمية العامل الأبرز لهذا التدهور، وهناك فرق شيعي سني لعب دورا في الأمر، وقد أيّد كل من الطرفين مخالف الطرف الآخر.
تدور الآن الخلافات بين إيران والسعودية على المنافاسات الإقليمية والقضية الشيعية السنية. وقد تعلقت مصالح إيران كثيرا بنظام بشار الأسد في سوريا وبالحوثيين في اليمن. من جهة أخرى تساعد السعودية مخالفي بشار الأسد بشكل واسع، وتنفذ هجوما على الحوثيين في اليمن كي لا تقع في حصار من قبل اليمن، وأن لا يصبح الطريق ممهدا للثورة في جنوب السعودية.
وقد تدهورت العلاقات بين السعودية وإيران أكثر بعد أحداث الحج الماضي، وانتقد المسؤولون الإيرانيون الجانب السعودي.
في 2 من يناير 2016م، أعدمت السعودية 47 شخصا من أعضاء القاعدة، في 12 منطقة مختلفة، فيهم قلة من الشيعة وفيهم العالم الشيعي الشهير نمر النمر. وفي نفس اليوم انطقت مظاهرات في إيران، تم فيها حرق القونصلية السعودية في مشهد، ثم تم حرق السفارة السعودية في طهران.
وفي ردة فعل لحرق سفارتها قطعت السعودية علاقاتها مع إيران، وطلبت من السفير الإيراني مغادرة البلد، وقطعت العلاقات التجارية والجوية مع إيران، وهي أول مرة تصل علاقات الطرفين هذا الحد من التدهور منذ الحرب العراقية الإيرانية.
موقف كابول في الأزمة السعودية الإيرانية
بعد أزمة اليمن، اتخذت أفغانستان موقفا محايدا في الأزمة بين إيران والسعودية، واعتبرت قطع العلاقات بينهما ضررا للعالم الإسلامي، لأن المصلحة الأفغانية تتطلب أن لا تنخرط في مثل هذه النزاعات.
ملايين اللاجئين الأفغان يعيشون في إيران، يتم نقل الأمتعة التجارية عبر ميناء شاه بهار، ويجب اتخاذ موقف سياسي حر من دون التعويل على أي بلد. وفي الصعيد نفسه، هناك آلاف من العمال الأفغان يعيشون في السعودية ولهم أعمال ويرسلون مبالغ كثيرة سنويا إلى أفغانستان.
أثر الأزمة الإيرانية السعودية على المنقطة وأفغانستان:
- تقسيم الشرق الأوسط إلى جبهتين: مع أنه وقبل الأزمة السعودية الإيرانية، انقسم الشرق الأوسط إلى جبهتين إثر الأزمة في سوريا واليمن، وكان لكل جبهة دعم دولي. لكن بعد تدهور العلاقات بين السعودية وإيران، تعمقت هذه الخلافات أكثر، فقد قطعت السودان، وصوماليا علاقاتهما مع إيران دعما للسعودية، لكن الإمارت وبسبب العلاقات التجارية لم تقطع علاقاتها إلا أنها نزلت مستوى العلاقة.
- ستطول أزمة سوريا أكثر: قبل الأزمة الأخيرة بين السعودية وإيران، اتفق الطرفان تقريبا على إجراء محادثات بشأن سوريا. وقد أيّد المخالفون المسلحون لبشار الأسد في السعودية حل الأزمة بالطريقة السياسية، لكن وبالنظر إلى العلاقات بين السعودية وإيران يبدو أن سوريا ستكون الضحية الأولى لهذه الأزمة. ومن هنا يريد مندوب سوريا في الأمم المتحدة أن يزور إيران والسعودية، كي لا تؤثر خلافاتهما على سوريا.
- أثر الأزمة على سعر النفط: الشرق الأوسط مصدر كبير للنفط، وتنتج أكبر قدر من النفط يوميا. إيران والسعودية من الأعضاء المؤسسة لمنظمة “أوبيك”، فإن المنافسة بين الطرفين، ثم الوضع المتدهور في الشرق الأوسط سيؤثر كثيرا على أسعار النفط، وسيكون هذا التأثير على نوعين:
- النوعية الأولى، ارتفاع سعر النفط: ستؤثر الأوضاع الحرجة في الشرق الأوسط على كمية العرض مما سيؤدي إلى رفع الأسعار. وفي الحرب الإسرائيلية العربية عام 1973م، ارتفعت أسعار النفط، وفي كل أزمة لم تأت في مظلة الخلافات السعودية الإيرانية كانت الأسعار ترتفع أيضا.
- النوعية الثانية، انخفاض الأسعار: كلما تدهورت العلاقات بين السعودية وإيران، فإن السعودية، ولأن لديها كميات كبيرة من النفط تستغل ذلك كسلاح في المنافسة. فتقوم بزيادة العرض مما يؤدي إلى كثرة النفط وخفض سعرها، تريد السعودية عبر ذلك، أن تضرب إيران اقتصاديا.
فمنذ 2004م، هذه أول مرة ينزل سعر برميل واحد من البنزين إلى هذا الحد، وقد وصل الآن سعره إلى 34,65 دولار أمريكي[1].
- احتدام المعركة الطائفية: في الدول التي يعيش فيها السنة والشيعة، تؤثر الخلافات السعودية الإيرانية عليها كثيرا.
النهاية
[1] See online: http://www.telegraph.co.uk/finance/oilprices/12084237/saudi-arabia-iran-tensions-brent-crude-oil-hits-11-year-low.html