حرب عشوائية ونهاية على حد المسؤولية!

 

في هذه الورقة يناقش السيد وحيد مزده المحلل السياسي الأفغاني، أهم المستجدات السياسية على الساحة الأفغانية، ومنها تبادل السجناء بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، وخطة أمريكا لإنهاء الحرب في أفغانستان وقضايا أخرى:

نسمع مرارا أن السياسة تخلو من الصداقة الأبدية كما تخلو من العداوة الأبدية، بل المصالح الأبدية هي التي تدير نوعية السياسة في أية مرحلة. إن مصالح أمريكا طويلة الأمد لا تملي عليها ضرورة البقاء العسكري في أفغانستان طويلا، وإن كانت هذه المصالح تدرك دون حرب أو بقاء عسكري فذلك أمر يستحسنه الجانب الأمريكي. وقد سلطت الأحداث الأخيرة الضوء بطريقة أوضح على هذه القضية.

قبل بضعة أشهر فقط، كان الرئيس الأفغاني حامد كرزاي تحت ضغط شديد من قبل أمريكا، والاعلام وكل الجهات الموالية لأمريكا بأن يوقع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا في أسرع وقت ممكن، وأنه إن لم يفعل فستضطر أمريكا لسحب قواتها من أفغانستان إلى نهاية عام 2014م. وأثناء تدهور العلاقات بين كرزاي والبيت الأبيض، كان البعض يرون أن هذه المصارعة أو بالتعبير الدارج “حرب كرزاي” كانت جزءا من المشروع الأمريكي نفسه للخروج من أزمتها في أفغانستان.

منذ فترة طويلة ويقال إن الخيارت المطروحة أمام أمريكا في قضية أفغانستان تشمل “الخيار الصفر” أيضا، وهذا يعني أن خيار سحب القوات الأمريكية تماما من أفغانستان مفتوح على طاويلة صنع القرار في البيت الأبيض. ولكن الموالين لأمريكا دوما تحدثوا عن هذا الخيار كأمر مستحيل واعتبروه ورقة ضغط على الرئيس الأفغاني من قبل أمريكا.  هذا الضغط جعل موالي أمريكا وأصحاب وسائل الاعلام العميل يوجهون السب والشتم إلى حامد كرزاي وكل من خالف توقيع الاتفاقية مع أمريكا.

أما الآن فيبدو أن مشروع أمريكا في أفغانستان لم يكن يشمل البقاء العسكري الطويل في بلد يحيطه البر. قال أوباما مرارا إنه سينهي الحرب في أفغانستان على حد المسؤولية. ثم إن عدم وضوح تعبير أوباما “على حد المسؤولية” جعل كل شخص يفهمه بطريقة مختلفة.

كان واضحا منذ البداية أن مشروع أمريكا لأفغانستان ليس رهن رغبات الرئيس الأفغاني. إن أمريكا لم تهتم بالحكومة الأفغانية ولا برئيسها في إجراء الحملات العسكرية، ولم تر ضرورة لسماح كرزاي للبقاء العسكري في البلد. إن إعلان أوباما الذي يفيد بانسحاب أمريكا من أفغانستان إلى نهاية عام 2016م، يظهر أن الجانب الأمريكي كانت لديه خطة لإنهاء هذه الحرب مع مخالفيه.

أمريكا ومفاوضات مباشرة مع طالبان

من جانب أخر أعلنت حركة طالبان، المعارضة المسحلة الوحيدة التي تحدت الحضور الأمريكي في أفغانستان أن انسحاب القوات الأمريكية تماما من البلد، هو شرطها الوحيد للانضام إلى عملية السلام. منذ 2010م، حيث بدأت أولى علاقات مباشرة بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، وجلست وفود الجانبين على طاولة الحوار بوساطة آلمانية، اعتبرت حركة طالبان بقاء الجنود الأمريكيين في أفغانستان، العامل الرئيسي لاستمرار الحرب، وطلبت من أمريكا أن تحدد وتعلن موعدا لسحب قواتها من أفغانستان.

إن أمريكا لو كانت تخالف طلب الحركة ولو كانت تنوي البقاء في أفغانستان لمدة طويلة لما كانت توافق مع الحركة على أن يكون لها مكتب سياسي في قطر، لأن تجاهل أول شرط لحركة طالبان كان يعني فشل المفاوضات.

مع أن حركة طالبان أكّدت دوما على خروج القوات الأمريكية من أفغانستان عاجلا وبلا أية شروط ، لكنهم لم يكونوا صارمين كثيرا في المفاوضات المباشرة. إنهم قالوا لأمريكان بأن أفغانستان تحتاج إلى الدعم الامريكي وبأن أمريكا ينبغي أن تتعهد لدعم الأفغان بعد انسحابها أيضا. إنهم أرادوا أن يطمئنوا الجانب الأمريكي بأن حركة طالبان لا تسمح لأفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي أن تتحول مرة أخرى إلى ملاذ للمسلحين المعادين لأمريكا، وأنهم لا يسحمون بأن تستعمل الأراضي الأفغانية لضرب أية دولة أخرى.

إن استمرار المفاوضات كان بحاجة إلى بناء الثقة بين الطرفين. وقد جعلت حركة طالبان بناء الثقة رهن إطلاق سراح خمسة سجناء لها في سجن غوانتانامو. الجانب الأمريكي تردد ليستغل وقتا في تهيئة الأذهان في أفغانستان وعلى مستوى العالم. وكذلك أرادوا أن يؤجلوا بطرق مختلفة المفاوضات ويظهروا في نفس الوقت أن الجانب الأفغاني من الحكومة وحركة طالبان هي التي سببت تأجيل المفاوضات. في وقت كان القرار بين الحكومة الأفغانية والجانب الأمريكي أن مكتب طالبان في قطر لا يحمل اسم “الإمارة الإسلامية” فتح مكتب طالبان بهذا الاسم في قطر وبضوء أخضر من قبل الأمريكيين، لأنهم لم يطرحوا أية شروط مع حركة طالبان بخصوص مكتبهم في قطر. وكذلك واجهت في هذا المجال صعوبة مع الوسيط القطري أيضا.

خطة أمريكا لإنهاء الحرب في أفغانستان

إن المصارعة بين الرئيس الأفغاني حامد كرزاي والجانب الأمريكي على توقيع الاتفاقية الأمنية الثنائية استمرت لشهور عدة وكان الاعلام الأمريكي يحلل القضية من كل أطرافها، وتطرق إلى إمكانية سحب القوات الأمريكية كلها من أفغانستان، وفي صعيد متصل كانت الإحصائات الأمريكية تؤكد أن تأييد الشعب الأمريكي للحرب في أفغانستان يتقلص سنويا.

اعتبرت سنة 2014م، سنة التغيير في أفغانستان وقد تم فيها تحويل المسؤولية الأمنية تماما إلى القوات الأفغانية. إن القوات الأفغانية رغم ضعف قدراتها المادية والتدريبية –التي تأثرت سلبا بسلسلة هجوم بعض الجنود الأفغان على الجنود الأمريكان- استطاعت أن تتولى هذه المسؤولية. وأما الآن فقد آن لهذه القوات أن تثبت نفسها قادرة على محافظة الاستقرار في البلد وإن الانتخابات الأفغانية امتحان عملي كبير لهذه القوات.

مع أن حركة طالبان قامت بتنفيذ حملات واسعة أثناء إجراء الانتخابات الأفغانية إلا أن المقاطعة الاعلامية مع الحركة إثر هجوم نفذته في فندق “سرينا” وقتل فيه صحفي أفغاني مع أسرته، أظهرت الحركة ضعيفة جدا وغير قادرة على الوقوف في وجه القوات الأفغانية. إن وسائل الاعلام الأفغانية روجت لهذه القضية كثيرا ولم يصل أكثر من ألف هجوم للحركة يوم الانتخابات طريقا إلى الاعلام.

اللافت للنظر أن الذين كانوا يريدو من أمريكا بقاء عسكريا طويلا، وكانوا يؤيدون إعطاء قواعد عسكرية لأمريكا، وكانوا يرون أن انسحاب أمريكا من أفغانستان يعني حرب أهلية شرسة، وكانوا ينتقدون كرزاي لعدم توقيعه على الاتفاقية الأمنية، هؤلاء ساعدوا أوباما على قدم وساق في تهيئة الأذهان لخروج أمريكا النهائي من أفغانستان!

وبعد أن وفرت الظروف لاعلان موعد للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، سافر الرئيس الأمريكي إلى أفغانستان واستقر في قاعدة بجرام العسكرية وطلب من الرئيس الأفغاني أن يأتي إلى القاعدة للقائه ولكن كرزاي رفض المجيء إلى القاعدة. وكان الأمريكان قد صرحوا من قبل أنه لم تبق أية ضرورة لتوقيع الاتفاقية مع كرزاي وأنهم سيوقعونها مع رئيس أفغانستان الجديد.

الآن وبعد أن أعلان أوباما أن القوات الأمريكية تغادر أفغانستان تماما بنهاية عام 2016م، فإن مصير الاتفاقية الأمنية التي كان من المقرر توقيعها مع الحكومة الأفغانية الجديدة، غير معلوم. لأن هذه الاتفاقية تتحدث عن بقاء القوات الأمريكية إلى عام 2024م، في 9 قواعد عسكرية وفي مناطق مختلفة من البلد. وأما الإعلان الأخير فيؤكد بقاء 9800 جندي أمريكي إلى نهاية عام 2016م، في قاعدة بجرام وأن القواعد العسكرية الأخرى ستتولى مسؤوليتها القوات الأفغانية.

إن العالم يتغير بسرعة، وإن أمريكا بدءً من الشرق الأوسط، إلى أوروبّا الشرقية، وإلى إفريقيا تواجه تحديات كثيرة، ويقول أوباما إن الخيار العسكري ليس كفيلا لردع كل تحدي.

إذن يبقى لزاما على الشارع الأفغاني بكل توجهاته أن يعرف ظروف العصر جيدا، وأن يتقدم نحو التفاهم والمصالحة، وإحلال الاستقرار في البلد، وأن يصل إلى ما وصل إليه أوباما، بأن الخيار العسكري لا ينبغي أن يكون هو الخيار الأوحد لمواجهة أي تحدي. النهاية

حرب عشوائية ونهاية على حد المسؤولية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى