مقدمة
زار الرئيس الأمريكي قاعدة “بجرام” العسكرية في أفغانستان دون إخبار المسؤولين الأفغان أو السفارة الأفغانية في واشنطن. ثم أعلن الضيف غيرالمرحب في هذه الزيارة سياسته الخارجية الجديدة تجاه أفغانستان وطلب من نظيره، الرئيس الأفغاني أن يلتقي به في هذه القاعدة العسكرية. وبعده بيوم أعلان أوباما خطته الدولية الجديدة.
إنه أعلن في جامعة “ويست باينت” (West Point) في يوم تخرج الطلبة العسكريين من الجامعة العسكرية –وهي جامعة تعتبر علامة القوة الأمريكية” سياسة خارجية جديدة تجاه العالم وبخصوص الدور الأمريكي فيها، في حين يوجه إليه بعض الأمريكيين انتقادات كثيرة يتخلص مفادها بأنه سار على نهج انعزالي في السياسة. فكان الهدف من هذا الإعلان أن يظهر الدور الأمريكي بشكل أوضح في السياسة العالمية المتغيرة.
ناقش في هذه الورقة السيد أحمد بلال السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، وخطة أوباما بخصوص أفغانستان وقضايا أخرى:
خارجية أوباما
باراك أوباما الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي إبان حكم جورج بوش، كان ينتقد سياسة بوش في حرب العراق وأفغانستان. وعندما ترشح للرئاسة الأمريكية، أعلن أثناء حملاته الانتخابية أمام منافسه جون مكين، خطته الخارجية وأهدافه في مجلس شيكاكو، وكان إنهاء الحرب في العراق على رأس أهدافه.
إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2008م، شهد العالم في 2009م، تحولات كثيرة في مجالات الجيو سياسية. ظهرت الأزمة المالية العالمية في 2008م، وظهرت أزمة يورو، وأزمة التدخل الروسي في أوكرانيا، ومحادثات الدول 5+1 مع إيران، وهجمات الطائرات بلاطيار، وضجة “ويكي ليكس”، والربيع العربي في الشرق الأوسط، والحرب الأهلية في ليبيا وسوريا، وكشف سنودن أسرار “سيا”، وانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وظهور شبكة القاعدة في إفريقيا الشمالية، ولغز الاتفاقية الأمنية الثنائية مع أفغانستان، وغير ذلك من المستجدات السياسية.
فاز أوباما في 2008م، بوعود التغيير وسحب القوات الأمريكية من العراق، وفاز في انتخابات 2012م، بوعود انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. إن خطة أوباما بخصوص أفغانستان من 2008م، إلى 2014م” كانت مترددة، وقد زاد عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان عام 2009م، إلى 30 ألف جندي. في 2012م أُعلن سحب القوات الأمريكية، وفي 2013م، ظهرت قضية الاتفاقية الأمنية بين البلدين، ثم الآن 2014م، أعلن أوباما في قاعدة بجرام العسكرية بأن عدد القوات الأمريكية الباقي في أفغانستان إلى نهاية العام سيكون 9800 جندي أمريكي، وأن هؤلاء أيضا سيغادرون أفغانستان إلى نهاية عام 2016م.
خطة أوباما الدولية الجديدة في السياسة الخارجية
لقد أدرك أوباما جيدا أن بدء الحرب في أفغانستان كان سهلا وأن إنهاءها أمر شاق وعسير. لقد أعلان أوباما في منطقة بجرام التي شهدت سلسلة تاريخية من الحضارات والقواعد العسكرية المختلفة، أن الجنود الأمريكيين الذين يبقون في البلد إلى نهاية عام 2014م، يصل عددم 9800م، وأن مهلة بقاء هؤلاء ستنتهي بنهاية عام 2016م، وسيغادرون أفغانستان في هذه السنة “2016م” وهي ستكون آخير سنة من رئاسة أوباما.
وبعد زيارته إلى أفغانستان ذهب الرئيس الأمريكي إلى جامعة “ويست باينت” ليعلن سياسته بخصوص الدور الأمريكي في المستقبل، وقد واجهت هذه السياسة انتقادات كثيرة من الأمريكيين.
بدأ أوباما حديثه بهذه الكلمات: “دعوني لأقضي أوقاتي مصمما دور عساكر أمريكا في السنوات القادمة”.
ثم أضاف أوباما، أننا في الماضي كنا نقوم بالهجوم حين تعرض مصالح أمريكا أو حلفائنا للخطر، ولكن ينبغي الآن أن نتسائل ناقدين إن كان عملنا هذا جديرا، ومؤثرا ومنصفا أم لا؟ لأن وجود رؤية عالمية ذو أهمية كبيرة.
إن أوباما يريد من جانب تمويل الحملات العسكرية، ومن جانب آخر يؤكد أن ضرورة أخذ السماح بهذه الحملات تنتفي حينما يهدد الخطر الشعب الأمريكي وسياسة البلد.
قال عن أفغانستان بأنه هزم تنظيم القاعدة فيها، وأخمد نار الاضطرابات التي كانت موجودة من قبل. والآن يكون على الأفغان أن يحافظوا على استقرار البلد. ويقول إن أمريكا قامت بتدريب الجنود الأفغان أنفسهم لهذه المهمة. إن الأفغان ذهبوا في مطلع الربيع إلى صناديق الاقتراع ليشاركوا في عملية ديمقراطية لتداول السلطة وإن أفغانستان سيكون لها رئيس جديد بنهاية العام، وستنتهي مهمة أمريكا العسكرية فيها.
إن الانسحاب من أفغانستان، وإبقاء عدد قليل من الجنود في قواعد على أرضها يعني أن أمريكا تتوجه إلى الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالي، ليراقب في هذه المنطقة وعلى رأسها نيجريا، أعمال “بوكوحرام” النيجرية و”قزاقان” الصومالية، والحركات الإسلامية وتنظيم القاعدة. وهذا ما يعتبر تهديدا للأمن الأمريكي.
إن أوبما يرى كما جاء في كلمته أن أمريكا ينبغي أن لا تترد في أخذ قرار عسكري هجومي، حينما يتعرض شعبها ومشروعها للخطر، ولكنه يؤكد أن هذه السياسة الهجومية العسكرية لابد وأن تكون بأسلوب لا تصنع للبد أعداء جدد!
لو نمعن النظر بشكل عام في موقف أوباما الأخير، فإننا ندري أنه يريد أن لا يكون هناك أي تردد في مجال الهجوم العسكري حين تتعرض مصالح أمريكا للخطر، ويريد في نفس الوقت الحد من خسارة الأرواح الأمريكية، وعدم الدخول في حروب طويلة. ويريد من جانب آخر أن لا تتدخل أمريكا في بعض قضايا أخرى لأنه لم يقل شيئا بشأن بعض الدول التي كان عليه أن يتحدث عنها.
يرى “ريشارد هاس” رئيس معهد بحوث “مجلس العلاقات الخارجية”[1] أن أوباما في كلمته في 28مايو/أيار تحدث كثيرا عما لا يسر ومكث قليلا على الذي يسر.
إن هذا الموقف بشكل عام يعطي للخارجية الأمريكية رؤية جديدة، ويخرجها من نطاق السياسة الانعزالية والتمسك بعدم ضرورة الحملات العسكرية.
يرى كثير من المراقبين أن خطة أوباما هذه، تتشابه خطة “نكسن-كسينجر” الخطة التي عمل عليها نسكن مطبقا دبلوماسية كسنجر وساعدته بعض الدول. لأنه أعطى دورا جديدا لملك إيران الذي سار على نهج ذورالفقار علي بوتو في باكستان، وسردار محمد داؤد في أفغانستان تنفيذا للخطة الأمريكية الموفرة لهم، ولكن النتيجة في هذه الحالات كانت مرة، حيث فقد ملك إيران تاجه، وذهب بوتو إلى المشنقة وقتل داؤد مع أعضاء أسرته.
إن أوباما يريد الأن، أن ينفذ حملات عسكرية في الصومال أو مالي بمساعدة الفرنسيين، وأن يخصص ميزانية تبلغ 5 بلايين دولار لحسم أمر تنظيم القاعدة في إفريقيا الشمالي. ويريد أن يسيطر بمساعدة القوات الدولية على الأجواء في ليبيا، ويريد تحسين العلاقات مع الدول الجارة لسوريا “تركيا والعراق” والتي وفرت ملاذا للّاجئين السوريين، وهي على مقربة من الإرهاب. النهاية
[1] Council on Foreign Relations