بعد مرور سنة كاملة من إطلاق سراح خمسة من قادة حركة طالبان من سجن غوانتانامو، بدأت تُصدر تصريحات بشأنهم. في 31 من مايو/أيّار في السنة الماضية وبوساطة قطرية ومحادثات أمريكية مع مندوب طالبان غير الرسمي في قطر تم إطلاق سراح الملا خير الله خيرخواه، والملا نور الله نوري، والملا فاضل مظلوم، وعبدالحق وثيق، والمولوي محمد نبي عمري، إزاء إطلاق سراح “بو بركدال”، أسير أمريكي عسكري لدى طالبان. واتفق الطرفان حينه على عدم مغادرة هؤلاء قطر لسنة كاملة، لأن الأمريكان خافوا التحاقهم من جديد بصفوف القتال.
والآن ومع انتهاء حظر مغادرتهم قطر، قال جان برينن رئيس المخابرات الأمريكية إنهم سيكلمون الجانب القطري بشأن ذلك. وهناك تقارير تقول بأن حظر خروجهم من قطر أجل إلى وقت تتفق أمريكا مع قطر على قرار بشأنهم.
من جهة أخرى أصدرت حركة طالبان بيانيا بمناسبة مرور سنة من إطلاق سراح قادة فيها. وفي هذا البيان شكرت الحركة مساعي الجهات المشاركة في نجاح المحادثات وأضافت: “بناءً على الاتفاقية يعيش هؤلاء بطريقة حرة في أي مكان تريده الإمارة الإسلامية”.
وطلب المجلس الأفغاني الأعلى للسلام بأن يتم تسليم المُطلق سراحهم إلى كابول، كي “يساعدوا عملية السلام”.
هل يمكن لهؤلاء أن يلعبوا دورا في عملية السلام؟
إن طلب تسليم خمسة قادة لحركة طالبان إلى كابول ليساعدوا عملية السلام، توقع غير دقيق لعدة أمور:
أولا: إن هؤلاء الخمسة عسكريون، وهم ينشغلون أثناء عملهم بأمور عسكرية، ليست لديهم خلفية عمل سياسي، كي يساعدوا عملية السلام،
ثانيا: إن هؤلاء ومنذ الغزو الأمريكي على أفغانستان إلى شهر مايو 2014م، لم يكونوا على معرفة بأوضاع أفغانستان وما حدث فيها من تغييرات،
ثالثا: إن هؤلاء تم إطلاق سراحهم في بداية عمل مكتب طالبان في قطر وعلى إثر محادثات أجراها المكتب. وصلاحية المفاوضات أمر مخول إلى مكتب الحركة في قطر، فكيف يمكن لهم أن يساعدوا عملية السلام من دون موافقة المكتب.
رابعا: في السابق أيضا تم إطلاق سراح مسؤولين لحركة طالبان. منهم وكيل أحمد متوكل وزير خارجية طالبان، والملا عبدالسلام ضعيف سفير طالبان في إسلام آباد رجل بخلفية سياسية، إلا أنهم لم ينخرطوا في عملية السلام الأفغانية.
خامسا: حتى وإن يساعد هؤلاء عملية السلام فإن الجيل المقاتل الحالي في الحركة يشكله جيل جديد، وليست لدى هؤلاء شعبية كافية بما تؤثر على مسار القتال.
محادثات السلام الجارية عمليتان
أولا، مندوب طالبان الرسمي في قطر والذي يحاول أن يظهر حركة طالبان بعيدة عن تأثير باكستان، وأن يشارك في المحافل الدولية نيابة عن طالبان،
ثانيا: تظهر باكستان للحكومة الأفغانية بتعهدات أنها تجبر طالبان للجلوس خلف طاولة الحوار.
ففي الشهر الماضي كانت جلستان مع طالبان على رأس أهم الأنباء. جلسة في قطر عقدتها مؤسسة بكواش، وجلسة في الصين تمت من دون نتيجة. في جلسة قطر شارك وفد من مكتب طالبان في قطر مشكل من عشرين شخصا، وشارك في جلسة الصين أشخاص لا يُعرف مكانهم في حركة طالبان. هناك تقارير تقول إن الملا جليل، والملا حسن رحماني، والملا عبدالرزاق شاركوا في الجلسة نيابة عن طالبان، إلا أن الحركة رفضت مشاركتها في محادثات الصين.
هناك من يعزو سبب انعقاد جلسة الصين إلى المخابرات الباكستانية، وآخرون يرون بأن مشاركة طالبان في جلسة بكواش كان بسبب باكستان. إن الحكومة الأفغانية أخطأت دوما في عملية السلام بأن منحت لباكستان أهمية أكبر من حجمها، وهو أمر عرقل عملية السلام إلى حد كبير.
منذ تشكيل الحكومة الائتلافية في أفغانستان، حاول أشرف غني إحداث تغيير جذري في خارجية أفغانستان. وحاول إحداث تغيير في العلاقات الأفغانية مع باكستان، مما جلعه موضع انتقادات داخلية كثيرة. وعقدت حكومة غني آمالا كثيرة بباكستان لأن الأخيرة تعهدت بأمور عدة.
في فبراير الماضي، تعهدت باكستان للحكومة الأفغانية ببدء محادثات السلام بين حركة طالبان وحكومة أفغانستان مباشرة في شهر مارس. وهذا التعهد بعث آمالا لدى بعض الأوساط الأفغانية، إلا أن شهر مارس مضى ولم تظهر آثار عملية للمفاوضات.
لماذا لم تشارك طالبان في محادثات أورومتشي؟
على أساس مصادر قريبة من طالبان أراد أعضاء مكتب طالبان في قطر بأن يجروا محادثات مباشرة مع الصينيين، إلا عندما أصبحت الجلسة رباعية، رفضت طالبان المشاركة فيها. ورفض داكتر نعيم وردك المتحدث في مكتب قطر مشاركة مندوبي طالبان في جلسة أورومتشي في الصين، واعتبرها محاولة لتضعيف دور المكتب السياسي للحركة.
صرّحت مصادر قريبة من طالبان عدم مشاركة الحركة فيها،من خوفها على أن لا تكون المشاركة بمعنى أن باكستان هي التي أجلست طالبان خلف طاولة الحوار. عام 2013م عندما تم افتتاح مكتب طالبان في قطر وقفت باكستان بجنب الحكومة الأفغانية في تضعيف دور المكتب. وألقت المخابرات الباكستانية في مدينة كويته القبض على اثنين من إخوة سيد طيّب آغار رئيس مكتب طالبان في قطر. وقيل حينه بأن باكستان طلبت من مسؤولي مكتب قطر أن يزوروا باكستان وهو أمر لم يحدث بعد.
عراقيل متزايدة على طريق السلام
منذ تشكيل الحكومة الائتلافية لم ترفع خطوات جادة في مجال السلام، بقدر ما وُضع في طريقه من عراقيل. أكّد مصدر في مكتب قطر بأن أشرف غني التقى أثناء الحملات الانتخابية بمندوب رسمي لحركة طالبان وتعهد بتأجيل الاتفاقية الأمنية قدر المستطاع، إلا هذه الاتفاقية تم توقيعها بعد ساعات من حلف الرجل رئيسا للبلد، وكان ذلك أكبر عائق في طريق السلام.
في الخطوة الثانية اقتربت الحكومة الأفغانية من باكستان بزعم أنها تملك زمام الأمور في الأوساط القيادة في حركة طالبان، وأن باكستان تحصل على ما تريد منها. وكردة فعل لذلك ولإثبات نفسها حرة بدأت طالبان تنفيذ عمليات عسكرية في فصل الربيع، ولم تستعد للحوار عبر باكستان لأن ذلك ينافي حريتهم ويضرب بمستقبلهم السياسي.
والآن أيضا ازداد انعدام الثقة بين طالبان وأمريكا والحكومة بسبب تمديد مهلة حظر السفر على خمسة من قادة طالبان الذين أطلق سراحهم إزاء بو بركدال. لأن حركة طالبان ترى بأن سنة مرت على ذلك ونصت الاتفاقية حريتهم تامة بعد ذلك فعليهم نيلها، واعتبرت تقارير وسائل الإعلام تمديد الحظر من دون دليل، وخلافا للاتفاقية والمبادئ الدولية. وفي حال تعامل مخالف للاتفاقية مع طالبان سوف يؤثر ذلك على اتفاقيات مستقبلية مع طالبان.
النتيجة
- إن خمسة من قادة طالبان تم إطلاق سراحهم بطلب من قطر وهم يعيشون فيها حتی الآن. إنهم لا يستطيعون من عندهم إجراء أي محاولات في عملية السلام تحت غطاء المكتب. وهناك ما يدل على عدم رغبتهم في ذلك أيضا.
- يتوقع المجلس الأفغاني الأعلى للسلام بأن تسليم هؤلاء إلى كابول يؤدي إلى مساعدتهم لعملية السلام، إلا وسبق إطلاق سراح عناصر رفيعة المستوى في الحركة وهم يعشيون في كابول من دون مساعدة في مجال السلام.
- تحاول باكستان حتى الآن بأن تظهر للجانب الأفغاني بأن مفتاح السلام الأفغاني يكون بحوزته.
- أرادت باكستان استغلال مشاركة أعضاء قدماء لطالبان في جلسة أورومتشي-الصين لصالحها، إلا أن الجلسة انتهت بلا جدوى.
- تحاول طالبان بأن تبقى عملية السلام بعيدة عن التأثير الباكستاني، ولو تحاول الحكومة الأفغانية نفس الشيء، قد يوجد طريق للسلام.
- إن تمديد مهلة حظر السفر على قادة طالبان الذين أطلق سراحهم، هو عائق آخر في طريق السلام وسوف يؤثر كبيرا على قرارات طالبان في المستقبل.
النهاية