بناءً على النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة الأفغانية، تقدم المرشح د. أشرف غني أحمدزي الحاصل على 56,44% من الأصوات، على منافسه عبدالله عبدالله. بعد إعلان النتائج الأولية هدد عبدالله عبدالله بتشكيل حكومة موازية. والآن وبعد رفض عبدالله عبدالله للنتائج، ووجود التدخلات الأجنبية الكثيفة، إلى أين تتجه الأوضاع السياسية للبلد ؟ تمت مناقشة هذا السؤال إلى جانب مواضع أخرى في هذه الورقة التحليلية.
أفغانستان والتجارب الفاشلة للانتخابات
إن رفض نتائج الانتخابات، والمقاطعة مع العملية الانتخابية، تجربة جارية منذ بدء المرحلة الديمقراطية الجديدة إلى الآن. بعد سقوط حكم طالبان، وانقضاء الأجل المحدد للحكومة المشكلة في مؤتمر بن “الآلمانية” أجريت في 2004م، للمرة الأولى انتخابات رئاسية. وتنافس حينها المرشحان حامد كرزاي ومحمد يونس قانوني، وفيما حاز السيد كرزاي على 56% من الأصوات، وصلت أصوات السيد قانوني 16,3%، ولكن الأخير رفض القبول بنتائج الانتخابات. وكانت هذه أول مرة يشارك فيها الأفغان في الانتخابات، وجعل موقف السيد قانوني شريحة كبيرة من الشعب تفقد اعتمادها على العملية الانتخابية.
في 2009م، أيضا، رفض عبدالله عبدالله نتائج الانتخابات، واعترض على حامد كرزاي ومشروعية حكومته، وهو أمر يكرره في الانتخابات الحالية.
في المرات الماضية من الانتخابات، لم تكن الأجواء مناسبة لإجراء انتخابات نزهية، ولم يكن هناك توقع لاستقرار البلد، رغم إجراء الانتخابات. في الانتخابات الأخيرة كان الطريق ممهدا للتزوير في المؤسسات المعنية، وإلى جانب ذلك، ففي المناطق المضطربة أمنيا، كانت إمكانية التزوير من قبل القوات الأمنية والمسؤولين المحليين في المقار المحلية للجنة الانتخابات، كبيرة جدا، وهو أمر منح في الجولة الثانية من الانتخابات، ذريعة للجانب الخاسر أن يرفض العملية ونتيجتها كاملة.
بشكل عام، وبناءً على التجارب الماضية، ظهر جليا، أن العملية الديمقراطية لا تنجح كثيرا في أفغانستان، وأن الساسة الأفغان إنما يقبلون بهذه العملية فيما تنفعهم وتقربهم من الكرسي. ومن جانب آخر، أظهرت المرات السابقة من الانتخابات، أن شعارات الديمقراطية، كانت للغوغا الظاهري فقط، وأن مشاكل اصطنعت في الانتخابات ومن ثم تدخلت أيادي أجنبية في حلحلتها ولكن لصالحها هي.
مشاكل الجهات الانتخابية
ما رأيناه في الانتخابات الماضية، أن نوعين من الأفراد تقدما في المنافسة الانتخابية، أولا، أناس درسوا دراسات عليا خارج البلد، وهم يعتقدون بالديمقراطية، وهذه المجموعة كانت محظوظة بدعم غربي وتحمل في نفس الوقت مشارع لترسيخ نظام ديمقراطي أيضا. أما النوع الثاني في 2004م، وفي 2009م، وفي 2014م، كانوا من المشاركين في الحروب الماضية، وهم يعتبرون خلفيتهم هذه رمزا لنجاحهم. وقد ملكت المجموعة الداعمة لهؤلاء دورا كبيرا في الحكومة منذ مؤتمر بن إلى الأوضاع الراهنة.
إن المرشح المتقدم في انتخابات 2014م، يُعتبر من المجوعة الأولى، وهو رجل درس الدراسات العليا خارج البلد، ولديه خبرة عمل دولية، ولكنه، وعلى غرار الفريق المنافس له، شكل فريقا يتركب من أناس يتعاملون مع المفهوم الديمقراطي وحكم الشعب حسب تجاربهم وآرائهم الفردية. ومن أجل ذلك منذ البداية كانت هناك مخاوف تجاه قبول الجانب الخاسر بنتائج الانتخابات، لأنه كما يبدو إن شعارات الديمقراطية لا تعدو كونها شعارات فاضية، تُرفع من أجل الوصول إلى الكرسي، ولا أقل.
من جانب آخر، إن التبعة لدول وجهات أجنبية، أزمة أفغانية قديمة، وعند كل انتخابات تظهر علائمها جلية في كلتي الجهتين المنافستين، وتؤثر كثيرا على العملية الانتخابية.
المساومات السياسية
قبيل إعلان النتائج الأولية للانتخابات، ظهرت دوافع المساومة السياسية من قبل الجهات السياسية، حتى أن رئيس “اللجنة المستقلة للانتخابات” وهو رئيس المؤسسة الوحيدة لانتخاب رئيس البلد، كان يؤيد مساومة كهذه.
وقد جعلت المساومات السياسية الموجودة خلف الكواليس بعض المسؤولين، يصرون على بعض مواقف مناهضة من أجل الحصول على درجة أكبر، وبعض الآخر صار ينطلق في مجال الوساطة بين الطرفين، وكل ذلك مهد الطريق للتدخل الأجنبي، وأثار شكوكا كبيرة بشأن العملية الانتخابية بين أوساط الشعب الأفغاني، وقلّص من مستوى اعتمادهم على هذه العملية.
ومن جانب آخر، هناك آراء تقول إن الجهات المنافسة، إنما تريد بهذه المخالفات والمطالب المختلفة أن تضمن مستقبلها السياسي، في الحكومة القادمة، ولكن في الأوضاع الراهنة للبلد، فإن مثل هذه المواقف تدفع البلد نحو اضطرابات أشد، وتمهد الطريق للتدخل الأجنبي أكثر.
الانتخابات… دور الأجانب وتأثيرهم
في 2009م، عندما فشل المرشحون في الحصول على 50+1% من أصوات الناخبين، جاء جون كيري السياسي الأمريكي، لوساطة المحادثات بخصوص نتائج الانتخابات، بين عبدالله عبدالله وحامد كرزاي، وكان أثر سفره واضحا وقد انسحب عبدالله عبدالله خوض غمار الانتخابات في جولتها الثانية.
يُعتبر جون كيري رجلا مقربا من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وكان في 2009م، سناتورا، وهو الآن في منصب وزارة الخارجية الأمريكية. واعتبرت تسوية الخلافات بين المرشحين في 2009م، نجاحا كبيرا للسيد كيري، ومن ثم أرسل مرات عديدة إلى كابول لتسوية قضايا حادة كثيرة، منها انحلال الشركات الأمنية الخاصة.
إن الدور الأمريكي في الانتخابات الأخيرة كبير أيضا، بعد إعلان النتائج الأولية قال عبدالله عبدالله في مؤتمر، إنه تحدث مع جون كيري، وأن الأخير يزور كابول، ويتدخل في قضية الانتخابات. قبل هذا وقبل الإعلان أيضا، جاء عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى كابول، وبحثوا القضية لمدة أيام مع جهات مختلفة. ولكن رغم مناقشة الأوضاع مع هؤلاء المسؤولين الأمريكيين، هدد مرشح، بتشكيل حكومة موازية.
بعد تصريحات عبدالله عبدالله، تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما عبر الهاتف مع المرشحين الأثنين، وهدد بقطع المساعدات الأمريكية فيما تمت محاولة للحصول على السطلة بطريقة غير قانونية. بسبب الترويج لحدوث أزمة كبيرة بعد الجولة الثانية من الانتخابات، توجد هناك مخاوف من وقوع الأزمة، ولكن بالنظر إلى الأوضاع الأفغانية الراهنة والموقف الدولي، لا توجد مخاوف وتحديات كبيرة. ثم لا يخفى على أحد أن فوقية الدور الأجانب في الانتخابات على دور اللجان الانتخابية نفسها، وتعويل المرشحين على الوساطة الأجنبية، أمر جعل الشعب يشك في هذه العملية، وذلك يعني فشلها، وستواجه العملية الانتخابية أزمات أكبر في المستقبل.
وبشكل عام يبدو، أن هذه العملية لم تحمل للأفغان ما كانوا يتوقعونه من النتائج، ومن جانب آخر يحاول الأجانب أن لا يتشكل في أفغانستان نظام يتسم بقوة نسبية. يبدو أن البلد، بعد الانتخابات تتجه نحو أزمة، سواء أكانت نتيجة لمساومة سياسية أو لتشكيل حكومة بأية طريقة أخرى دون القبول بنتائج الانتخابات. النهاية
الکاتب: عبدالله الهام جمالزي