الاضطرابات الحدودية مع باكستان والانتخابات الأفغانية
يستمر القصف الصاروخي من قبل القوات الباكستانية على ولاية كنر الأفغانية. قبل الانتخابات كان المسؤولون الأفغان يرون أن باكستان تريد بهذه الهجمات على المناطق الحدودية إخلال العملية الانتخابية في الجولة الثانية منها.
وأما الرواية الباكستانية عن هذه الأحداث مختلفة. فإن وسائل الإعلام الباكستانية نقلت عن مسؤول عسكري في باكستان قوله، بأن القوات الباكستانية بدأت هذه العمليات كردة فعل، بعد أن نفذت مجموعة مسحلة من الأراضي الأفغانية هجوما على ثكنة عسكرية في منطقة “باجور” القبلية، على حدود البلدين والذي قتل إثره عنصر من حرث الحدود، وقد أجبرت القوات الباكستانية المهاجمين بالانسحاب بعد أن أسقطت بينهم قتلى وجرحى. وقد ساهمت في هذا الهجوم طائرات المروحية المقاتلة. وبعد أيام أعلن المسؤولون الباكستانيون عن مقتل أربعة عناصر للجيش الباكستاني وهددوا بتنفيذ هجمات أكثر على الأراضي الأفغانية في حال استمرار الهجوم.
اعتبرت وزارة الخارجية الأفغانية في آخير موقف لها، هذه الهجمات تعديا صارخا للسيادة الأفغانية وذكرت الخيار العسكري لردعها. وأما السفير الباكستاني لدى كابول، سيد أبرار حسين يقول مدافعا عن هذه الهجمات على ولاية كنر، إنها رد لهجمات ينفذها متمردون، يتسللون من أفغانستان إلى باكستان.
ويدعي السيد حسين، السفير الباكستاني في أفغانستان عدم وجود ثكنات عسكرية لبلده على حدود ولاية كنر، ويقول إن قوات الحدود الباكستانية كلما تتعرض للهجوم، ترد بالمثل دفاعا عن النفس. تنفي وزارة الداخلية الأفغانية هذه التصريحات وتقول إن القوات الأفغانية تستقر في المناطق الحدودية في ولاية كنر.
هل هدفت باكستان حقا إخلال العملية الانتخابية بهذه الهجمات؟ لو نظرنا إلى خلفية هذه العمليات على المناطق الأفغانية وهي تستمر منذ ثلاث سنوات، لا يمكن لنا أن نربطها بالانتخابات. من جانبه نفى وزير الدفاع الأفغاني في تصريحات له أمام البرلمان الأفغاني إمكانية هجوم المسلحين من أفغانستان على ثكنات عسكرية باكستانية في المناطق الحدودية.
فشل مفاوضات السلام في باكستان
يمكن ربط القصف الصاروخي قبل الانتخابات بفشل مفاوضات السلام بين حركة طالبان باكستان والحكومة الباكستانية. أسفرت الانتخابات الباكستانية الأخيرة عن فوز “رابطة المسلمين” جناح نواز و”حركة إنصاف” بزعامة نجم الكريكت الباكستاني السابق عمران خان، وكان الحزبان قد بَدَآ مفاوضات السلام مع حركة طالبان باكستان بزعامة حكيم الله محسود نزولا عند وعود كثيرة قدما للشعب. وأثناء هذه المفاوضات قتل حكيم الله محسود في هجوم نفذته طائرات أمريكية بلا طيّار.
بعد ذلك أجريت مشاورات داخلية في الحركة لانتخاب قائد جديد، وقد انتخب الملّا فضل الله زعيم حركة طالبان في سوات والذي يعيش الآن في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان، قائدا للحركة. وكان خان سيد سجنا والمشهور بخالد محسود مرشحا آخر لقيادة الحركة، ولكن ميلانه إلى السلام مع الحكومة الباكستانية جعل معظم أعضاء الشورى المركزية للحركة يصوتون لصالح الملّا فضل الله.
عقب فشل مفاوضات السلام بين حركة طالبان باكستان والحكومة الباكستانية، بدأت القوات الباكستانية شن هجوم عسكري على مناطق في وزيرستان الشمالية. مع أن الهدف المعلن من هذه العمليات هو إحلال الأمن في باكستان، ولكن الحقيقة تقول إن الإستخبارات العسكرية الباكستانية تريد أن تنقل القيادة إلى سجنا وتشرع معه مفاوضات السلام.
الخوف من نفوذ الهند
كما أن الحرب والاضطرابات الأمنية في أفغانستان تُربط بباكستان واستخباراتها العسكرية، فإن أنشطة المتمردين في باكستان “بلوشا كانوا أم طالبان” تُربط باستخبارات الهند، وبأنها تطبق عبر الأراضي الأفغانية.
تريد “آي ايس آي” أو وكالة الإستخبارات الباكستانية، أن تمهد الطريق لقيادة مجموعات من حركة طالبان في وزيرستان الشمالية، التي تميل إلى الجانب الباكستاني، وترى وجود عناصر هذه الحركة خارج باكستان خطرا كبيرا، وأنه سيوفر الفرص للهند كي تبني علاقات مع الحركة. لاسيما أن الملّا فضل الله حين تواجده في سوات كان على صلة مع الأجانب وقد حصل منهم على محطة إذاعة إف إم أيضا.
تزامنا مع فشل مفاوضات السلام واستعداد القوات الباكستانية لشن هجوم على وزيرستان، نفذت حركة طالبان باكستان هجمات منظمة ومفاجئة على مطار كراتشي الدولي. إن هذا الهجوم وضع قدرات القوات الباكستانية تحت السؤال. قيل إن طالبان لم يتمكنوا خلال هذا الهجوم من أن يسببوا خسائر للطائرات والمسافرين، إلا أن سمعة الحكومة الباكستانية بعد هذا الهجوم انهارت بشكل كبير.
في حادثة أخرى تم تنفيذ هجوم على طائرة أخرى كانت تهبط في مطار بيشاور، ويبدو أن حركة طالبان أدركت مدى تأثير الهجوم على الطائرات المدنية، لأنهم يسببون بذلك ضربة قوية للاقتصاد الباكستاني.
في البداية اعتبر المسؤولون الباكستانيون بأن الهند لها يد في الهجوم على مطار كراتشي، لأنهم ادعوا كشف نوع من الدواء ممن قتلوا في الهجوم، وهو دواء لا يمكله إلا الجيش الهندي ويستعمل لإيقاف شدة نزيف الجروح. بعد ذلك أعلنوا أن المهاجمين كانوا أوزبك ومن أعضاء الحركة الإسلامية في أوزبكستان. وفي الموقف الأخير اتهم الباكستانيون دون توفير أي شهادات إدارة الأمن الأفغانية بالمساهمة في الهجوم. وبذلك كله تحاول “آي ايس آي” أن تقول إن المهاجمين ومؤيديهم كانوا أجانب.
لامبالاة القوات الأجنبية في أفغانستان
يستمر القصف الصاروخي من الجانب الباكستاني على المناطق الشرقية الأفغانية في فترات متقطعة. مع أن القوات الأفغانية العسكرية قد استقرت على طول الحدود في هذه المنطقة وهددت بالرد المماثل في حال تكرار القصف من الجانب الباكستاني، ولكن إلى الآن لم يرد تقرير يفيد أنهم فعلوا ذلك.
إن القوات الأجنبية في أفغانستان أعلنت أنها محايدة في هذه القضية. قال السفير الأمريكي لدى أفغانستان، إن قوات بلده لا تتدخل في الأزمات الأمنية بين أفغانستان وجيرانها، تدخلا عسكريا. يأتي هذا الموقف متزامنا مع توقعات مؤيدي الاتفاقية الأمنية بين أفغانستان وأمريكا، بأن أفغانستان سوف تنعم بعد توقيع الاتفاقية الأمنية بحماية أمريكية قوية في وجه كل جارة تتدخل في الشأن الأفغاني.
النتيجة
إن “آي ايس آي” أو وكالة الإستخبارات الباكستانية، لا تتحمل أبدا وجود عناصر معارضة لها، خارج باكستان، “لأنها تخشى بسط نفوذ الأجانب وخصوصا الهند في صفوف المعارضين الباكستانيين”، ولذلك يمكن أن نصنف هذه العمليات كورقة ضغط على الحكومة الأفغانية، لتمهد الطريق نحو خروج الملّا فضل الله ومجموعات تابعة له من ولاية كنر، مع العلم أن الجانب الباكستاني بنفسه يسعى من أجل ذلك أيضا.
استخدمت “آي ايس آي” عناصر في أفغانستان لتكشف مكان تواجد قادة طالبان باكستان ومنهم الملّا فضل الله. وقد عرف طالبان باكستان هذا الخطر بعد أن قُتل عدد من أعضاء حركة طالبان الأفغانية وعناصر قريبة من الملّا فضل الله في هجمات نفذته طائرات أمريكية بلا طيّار في ولاية كنر. إن الدقة في الاستهداف وفي ضرب الأماكن الحساسة جعلت حركة طالبان تعتقد أن هذه الهجمات لا تتم بكل هذه الدقة دون مساعدة يقدمها عناصر من داخل الحركة. ولذلك تم إرسال عدد من أعضاء الحركة ملثمين إلى هذه المناطق ليكشفوا الجواسيس ويعاقبوهم. وقد ألقى هؤلاء القبض على عدد مشكوك بهم وأعدموهم.
إذن يمكن القول إن هناك قضايا كثيرة تدور خلف كواليس الهجمات الباكستانية على المناطق الحدودية الأفغانية، ويفضل الجانب الباكستاني، أن لا يبوح بها، وأما الجانب الأفغاني والذي لا يريد أن يعترف بوجود معارضي الحكومة الباكستانية في أراضيها، فيدعي أن باكستان إنما تنفذ هذه الهجمات لإخلال العملية الانتخابية. ومن المعلوم أن وقوع هذه الهجمات في المناطق الحدودية، لم يمنع سكان هذه المناطق ولا حتى سكان ولاية كنر من الإقبال على صناديق الاقتراع، ناهيك عن إخلال العملية الانتخابية في أفغانستان كلها.
النهاية