أثناء الحروب والأوضاع الحساسة يسعى الجميع وراء المعلومات ومنابع الأخبار، ذلك ليعرفوا مايجري وإلى أين تتجه الأمور. وفي مثل هذه الأحوال تظهر أهمية الإعلام للجميع ويمكن لأي خبر غير دقيق يتم نشره، ويقبله الجمهور أن يؤثر كثيرا على مجرى الأمور.
إن الأوضاع الأفغانية حساسة من عدة جهات، وتتمثل هذه الأوضاع الحساسة في الانتخابات الحالية، ومحادثات السلام، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلى جانب قضية الاتفاقية الأمنية، ومكافحة المخدرات، وأزمة الاقتصاد الأفغاني، والحرب الدائرة، والعلاقات المتدهورة مع الجيران، وغيره من الأمور التي قد ثؤثر على الأوضاع الأفغانية إلى أمد طويل.
دور الإعلام في صناعة الأزمات
إن الأزمات الطبيعية وأخرى التي يصنعها البشر بأيديهم، تؤثر كثيرا على أية منطقة تحدث فيها، ويمكن لها أن تسبب خسائر كبيرة للنظام أو الشعب كله. إن الإعلام كما له دور كبير في إدارة الأزمات فإن له دور حيوي ومصيري في صناعة الأزمات وإدراتها، ودفعها أيضا.
ويمكن تصنيف أهمية الدور الإعلامي بهذا الخصوص في محاور ثلاثة: دور الإعلام قبل الأزمة، أنثاء الأزمة وبعدها. إن المخاوف من سلبية دور الإعلام الأفغاني أثناء الأزمات ليست أمرا تافها، لأن كثيرا من وسائل الإعلام الأفغانية والعاملين فيها، إنما يقدمون الصورة بعيدة عن الواقع وغالبا، مبنية على الشائعات من دون وجود شواهد ودلائل.
إنها حقيقة جلية أن دور الإعلام مصيري جدا في صناعة أي نوع من الصراعات داخل البلد، وإن الإعلام الذي لا يرعى المصالح العليا، والخسائر المستقبلية، سيمضى في نهجها السلبي حتى أثناء الأزمة.
هناك وسائل إعلام كثيرة تأخذ من حرية التعبير غطاء وتضر بمصالح البلد. بداية على المسؤولين في الإعلام أن ينتبهوا إلى أهمية القضية، وأن يبذلوا جهودهم من أجل حلحلة الأزمة وليس صناعتها وترسيخها. ثانيا على الحكومة أن تضع رقابة على البرامج الإعلامية التي تضر بمصالح البلد العليا، ذلك لأن حرية التعبير ليست شيئا مطلقا ولا هي أكبر وأهم من المصالح العليا.
الإعلام والانتخابات الرئاسية
بشكل طبيعي كان الإعلام الداخلي أو الأجنبي والذي له مخاطبون داخل البلد، يؤيد بشكل أو آخر مرشحا أو غيره، وكان هناك قليل من وسائل الإعلام محايدة، وحتى هذه الأخيرة أيضا كانت سياستها تميل إلى جهة دون أخرى. وفي الجولة الثانية حيث ظهرت مخاوف كثيرة من “القومجية” في الانتخابات ازدادت معها المخاوف من الدور السلبي للإعلام. بدأت وسائل الأعلام تروج لمرشح دون غيره، وبل أخطر من هذا كانت تهاجم على مرشحين وتثير الأذهان ضدهم، وكانت تستغل الأحاسيس القومية واللسانية لدى الشعب.
مع أن “اللجنة المستقلة للانتخابات” كانت لها لجنة مخصصة للإعلام، إلا أن دور هذه اللجنة كان ضعيفا وقد قامت وسائل إعلام كثيرة بالترويج لصالح بعض المرشحين، وأخذت الحملات الانتخابية طابعا قوميا. نظرا للتأثير العميق الذي يحظى به الإعلام على عقول الناس، فإن قيام وسائل إعلام مؤيدة لمرشح، بنشر مواد مثيرة ضد مرشح آخر، وتهييج النفوس ضده، مثير للمخاوف أيضا.
إن مجموعة من الإعلام الأفغاني والتي ينتشر مستمعوها ومشاهدوها على نطاق واسع، كثير منها تروج لمرشح معين، ومع أنها كانت متهمة بإثارة العصبية القومية واللسانية إلا أنها قطعت شوطا كبيرا في هذه الاتجاه العنصري، أثناء الجولة الثانية من الانتخابات عبر نقاشاتها وحواراتها، وقد وصل الأمر إلى عدم اعتماد شريحة كبيرة من الشعب على هذه العملية، إلى جانب إثارة العنصرية ضد جهات معينة، وهذا أمر تكون له نتائج سلبية في المستقبل.
إلى جانب ذلك، فإن المحللين أيضا، يقدمون تصريحات سلبية تجاه مرشح معين، دفاعا ودعاية لمرشح آخر، وهو أمر سد الباب على التحليل الحيادي وتقديم الصورة الواقعية للشعب، ومن ثم فتحه على انتشار الضغينة والكراهية بين الناس.
إن الحكومة الأفغانية، و”اللجنة المستقلة للانتخابات”، مع “لجنة الإعلام”، والمؤسسات المعنية قصرت في إنشاء وتنفيذ لوائح وقوانين، تنظم العمل الإعلامي في مجال التأثير الإعلام على الأذهان والعقول، وتبعده عن الفوضى، وتحسن دوره. إضافة إلى ذلك فإن مواقع التواصل الاجتماعي تعج بالاتجهات والأفكار القومية والعنصرية، ولها تأثير كبير جدا.
إن عملية الانتخابات الديمقراطية، التي من المقرر أن تنتقل السلطة بناءً عليها لأول مرة بالطريقة السلمية، واجهت مشاكل عدة، وقد ازدادت هذه المشاكل بسبب انتشار دعايات سلبية على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيسبوك. وتمت المراجعة لحل هذه الأزمة إلى وساطة “منظمة الأمم المتحدة” أيضا، وأشار “يان كوبيش” الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان، إلى هذه القضية، وإلى أن مؤيدي المرشحين ينشرون دعايات غير صحيحة وعليهم أن يتجنبوا التصريحات المنفرة.
حاليا ازداد عدد مستخدمي الفيسبوك في أفغانستان، واتسع نطاق تأثيره. وينشر فيها أناس عاديون ومسؤولين سياسيون على حد سواء أشياء تثير العنصرية والصراعات العنصرية، ومن أجل ذلك طلب مجلس الشيوخ الأفغاني قبل أيام وضع رقابة على هذا الموقع الاجتماعي، واعتبره المسؤولون في إدارة الأمن الوطنية أمرا مهددا. مع أن وزارة المعلومات والثقافة تقول يمكن رفع خطوات لوضع الرقابة على الفيسبوك فيما اتخذ الأمر منعطفا خطيرا، إلا أنه وكما يبدو هناك تقصيرات كبيرة في إدارة هذا الموقع الاجتماعي الكبير مثل بقية وسائل الإعلام، ولم تُتخذ أي إجراءات بهذا الشأن بعد.
أخيرا إن البلد بعد الجولة الثانية من الانتخابات، ولأسباب عدة يمر بمرحلة وبحالة سياسية حساسة، وإذا لا تتم إدارة الأوضاع بطريقة لائقة، فإن هناك مخاوف كبيرة من انزلاق البلد، نحو الفوضى، ومن شأن الإعلام أن يلعب دورا كبيرا للوقاية من صراعات ونزاعات محتملة. أما إذا استمرت وسائل الإعلام في نشر المواد العنصرية والدعايات القومية حول الانتخابات الرئاسية، فإنها ستلعب دورا كبيرا في دفع البلد نحو الفوضى والاضطرابات. النهاية
الکاتب: عبدالله الهام جمالزي