مقدمة
وصلت اتهامات موجهة إلى رئيس بلدية كابول محمد يونس نوأنديش، من قبل بعض أعضاء البرلمان الأفغاني إلى المحكمة الأفغانية العليا، وقد أعلنت المحكمة بعد المرحلة الابتدائية من تقصي الحقيقة في مؤتمر صحفي أن الخلاف الموجود بين أعضاء البرلمان ورئيس البلدية ناتج من دوافع ذاتية، وأن أعضاء البرلمان طلبوا من رئيس البلدية مطالب غير شرعية.
ما هو الدافع الرئيسي وراء التهم الواردة على رئيس بلدية كابول؟ هل نواب المجلس يفكرون لصالح الشعب، أم أن هناك صراعات ذاتية تدور خلف الكواليس؟ ومن جانب آخر، إلى أي مدى تكون التهم الواردة من قبل رئيس البلدية على بعض النواب صحيحة؟ إضافة على ذلك، لماذا لا تثير مواقف المسؤولين غيرالقانونية أية ردة فعل، إلا إذا أضرت بمصالح ذاتية لمسؤولين آخرين؟ ناقش قسم التحليل في مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية هذا الموضوع وإليكم التفاصيل:
رئيس البلدية بين الوعود والإنجازات
في البداية لو نلقي نظرة شاملة على فترة مسؤولية رئيس بلدية كابول في السنوات الماضية، فهل أنجز ما وعده به في وسائل الاعلام لسكان كابول؟
عندما نصب الرئيس الأفغاني قبل خمس سنوات بقرار رئاسي السيد نوأنديش رئيسا لبلدية كابول، وعند أول ظهوره في الاعلام قطع على نفسه وعودا كثيرة بتغيير هيئة كابول العاصمة، وكان سكان كابول يتوقعون منه أن يبدل المدينة إلى حال جيدة خلال سنتين أو ثلاث.
ولكن بعد مضي خمس سنوات من تقرره كرئيس لبلدية كابول، تُعتبر حالة مدينة كابول بشكل عام سيئة للغاية. رغم مساعدات واسعة وميزانيات كبيرة لم يتم إجراء أية مشارع في مجال البنية التحتية. حتى الشوارع والطرقات التي تم تعبيدها وإنشائها فإن العمل عليها لم يكن بالطريقة المهنية، وعلى سبيل المثال فإن مجاري المياه غير موجودة في كثير من المناطق، ونتيجة لكيفية العمل الضعيفة تسبب الأمطار الغزيرة وتجمع المياه دمارا للطرقات والشوارع.
لم يحظ مجال القنوات وتوصيل المياه اهتماما لائقا أيضا، وعند هطول المطر تتبدل شوارع كابول مجاريا للمياه وتسبب مشاكل عدة لسكانها. أين ذهبت ملايين الدولار من مساعدات البنك الدولي والمؤسسه اليابانية “جايكا” وفيم صرفت؟ لأن المدينة تخلو من علائمها.
إلى جانب هذا يمكننا القول بأن الفساد في المؤسسات الحكومية وصل حضيضه، وكل مسؤول حكومي يعمل على نيل مصالحه الذاتية، كل المعاملات رهن الرشاوى، ولا يستثنى رئيس البلدية من هذه القاعدة العامة، وكما ذهبت إليه التهم فإن له يد في أعمال غير قانونية وفي اختلاس الأموال. ثم إن هذا يعتبر جريمة، أن لم يقم رئيس البلدية بإحالة ملف النواب إلى المحكمة العليا إن كانوا قد قاموا باغتصاب الأراضي، وبقي الأمر إلى أن واجه من قبل النواب تهديدا فصار يستغل ورقة ضغط لديه، ومن هذا يبدو أنه كان على تعامل غير قانوني مع النواب وأنه كان على خوف من الافتضاح.
دوافع الصراع بين رئيس البلدية ونواب المجلس
مع أن رئيس البلدية كان قاصرا في أعماله ورغم وجود تهم موجهة إليه بخصوص الفساد والاختلاس، وهي تهم قد تكون صحيحة، إلا أن موقف بعض النواب المفاجئ ضده يحمل في طياته تساؤلات كثيرة، هل نواب المجلس قلقون من أجل مصالح شعبية إلى درجة وصل الأمر بهم إلى الاعتصام والتخييم في الساحات العامة؟ أم أن هناك أهداف ذاتية يعملون من أجلها هؤلاء النواب كل صغيرة وكبيرة؟
تأثير البرلمان، ونيابته الحقيقية عن الشعب ظهرت بشكل جلي وعلني في مواقفه وفي نشاطاته. كلما تم استدعاء أي مسؤول حكومي إلى المجلس، في كثير من الأحيان، ظهر أن الهدف من وراء الخطة كان هدفا أو مصلحة ذاتية وأن كل نائب في البرلمان طلب من المسؤولين مطالب كثيرة متخذا نيابة الشعب ذريعة لأهدافه.
وعلى سبيل المثال قبل سنة في شهر مايو/أيّار 2013م، استدعى البرلمان وزير المالية الأفغاني حضرت عمر زاخيلوال لاستجوابه، والذي من جانبه كشف أسماء بعض نواب المجلس من الذين طلبوا منه مطالب غير المشروعة والذين كانت عليهم تهم بتهريب المخدرات وأعمال غير قانونية. وهناك كثير من القضايا تتعلق بالتعامل والتوافق بين النواب والمسؤولين مما لم يصل الاعلام ولا مرحلة الافتضاح. هناك نواب كثيرون يقومون بأعمال غير قانونية وأصحاب سلطان قاموا بغصب الأراضي ولا تحتاج هذه القضايا إلى تقصي المحكمة بل هي علنية للجميع، ولكن هل هناك من يمنع؟!
هذه المرة أيضا لا يحرك سوء حالة العاصمة الأفغانية بعضا من نواب المجلس الأفغاني. إنما الذين اتخذوا موقفا ضد رئيس البلدية هم الذين كانت بينهم وبين رئيس البلدية مشاكل ذاتية بسبب غصب الأراضي أو ملفات قضائية سابقة.
مسؤولون فاسدون يزيدون الفساد بمكافحتهم ولا ينقصون
ذكرت المحكمة العليا اسم رئيس المجلس الأفغاني، واسم مسؤول “لجنة المواصلات والمخابرات” البرلمانية بأنهما طلبا من رئيس البلدية إعطاء الأراضي وبأن التهم الواردة على رئيس البلدية جائت إثر رفضه لهذه المطالب.
عندما فاز مسؤول “لجنة المواصلات والمخابرات” قيس حسن في الانتخابات البرلمانية، أخذ باسم أخيه وبطريقة قانونية من بلدية كابول 300 هكتار «فدان» من الأراضي لإحداث منطقة سكنية، وبنى منقطة سكنية باسم “ميرويس ميني”. ولكن السيد قيس لم يكتف بـ300 هكتار من الأراضي بل ضم إليها 700هكتار أخرى بطريقة غير قانونية، وهو صاحب ملفات قضائية أخرى إلى جانب هذه القضية، وقد مُنع من السفر خارج البلد قبل سنة وصدر الأمر بإلقاء القبض عليه عدة مرات، ولكنه الآن يرفع صوتا ضد مواقف البلدية غيرالقانونية مع أنه يرجع إلى قائمة مسؤولين فاسدين. عندما يتهم النواب أي مسؤول، حتى وإن كانت التهم صحيحة، لا تصل إلى أي مكان بسبب مواقف النواب سيئة السمعة وغصبهم للأراضي، تبقى رحى الفساد تدور لصالح المسؤولين بالخيانة والسرقة.
ثم إن المؤسسات القضائية والعدلية في البلد دوما تكون ضحية المصالح الذاتية وليست في مستوى يمكن التوقع منها أن تسد المعاملات غير المشروعة وأن تأخذ أصحاب القوة إلى المحاكمة، بل إن هذه المؤسسات تشكل جزءا كبيرا من فضيحة الفساد الإداري. هذه المؤسسات وإن تقوم بتقصي الأمور ومحاكمة أي شخص، فإن مواقفها لا تعدو أن تكون مجرد اتهامات.
في الحقيقة لا يفكر في أفغانستان، أي مسؤول حكومي ولا أية مؤسسة حكومية لصالح الشعب ولخدمته، بل كلهم مشغولون بالفساد الإداري، وبغصب الأراضي، وبتهريب المخدرات وبمثل هذه الأعمال اللامشروعة، ولا يمكن الوقوف أمام هذه الأعمال لأي مسؤول أو مؤسسة.
إن عملية مكافحة الفساد على يد مسؤولين فاسدين وصلت إلى مرحلة، فسد فيها النظام كله، وباسم المصالح العليا تتبادل التهم من أجل مصالح ذاتية بين المسؤولين، هذا يعطي انطباعا لأي مسؤول في الحكومة بأنه سوف يجنون من أية عقوبة وإن ظهرت للعن ما يعمل خلافا للقانون. النهاية