إطلاق سراح السجناء وتحديات تطبيق العدالة

مقدمة

أصدر الرئيس الأفغاني حامد كرزاي قرارا رئاسيا “رقم16” تم بموجبه في الأيام الأخيرة إطلاق سراح مئات السجناء الأفغان من مختلف السجون الأفغانية وذلك في الذكرى الثانية والعشرين لفوز المجاهدين بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان.

بناءً على هذا القرار الرئاسي سيتم إطلاق سراح سجناء يتراوح عددهم بين خمسة إلى عشرة آلاف، من السجون المحلية والمركزية، وقد تم بالفعل إطلاق سراح مئات السجناء من سجون المحافظات وأكثر من 500 سجين من سجن “بلشرخي” في العاصمة.

يأتي هذا القرار في وقت تقول “منظمة العفو الدولية” في تقرير جديد لها بخصوص تعذيب السجناء في دول مختلفة بأن سجون الحكومة الأفغانية ومحابسها تشهد انواعا مختلفة من تعذيب السجناء.

ماهي أوضاع السجون الأفغانية؟ ما هي التحديات الموجودة أمام العدالة؟ وما هي رسالة القرار الرئاسي الأفغاني بخصوص عفو السجناء وتخفيف عقوباتهم؟ يناقش قسم التحليل في مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية هذا الموضوع في السطور القادمة:

أوضاع السجناء الأفغان في الداخل والخارج

إن المنظات الدولية تحدثت كثيرا عن أوضاع السجناء السيئة في السجون الأفغانية وأظهرت دوما القلق تجاه هذا الأمر. وقد نشرت مرات عديدة تقارير بخوص التعامل السيء مع السجناء.

جاء في التقرير الأخير لـ”منظمة العفو الدولية” والذي يتحدث عن كيفية تعذيب السجناء والمحتجزين في 141 دولة، بأن الأفراد المشكوك فيهم والمتهمين في السجون الأفغانية يواجهون التعذيب بأسالب مختلفة، منها الضرب المبرح، والتعليق من السقف والتهديد بالاغتصاب.

إلى جانب ذلك لقد اعتبرت المنظات الداخلية أحيانا أوضاع السجون الأفغانية مقلقة وتكلم بعض الخبراء الأمنيون عن وجود التعذيب في سجون البلد أيضا.

على صعيد متصل اعتبرت لمرات عديدة “اللجنة المستلقة لمراقبة تطبيق الدستور” في تقاريرها أوضاع بعض السجون والمحابس مثيرة للقلق وقالت بأنه قد تم تجاهل القرارات الرئاسية في بعض الحالات أيضا.

وكان الرئيس الأفغاني دوما يؤظف، بعد كل تقرير بخصوص الوضع السيء لسجون البلد، وفودا لتقصي الحقيقة ولمعرفة كيفية التعامل السيء مع السجناء، وتهديدهم بالقتل والاغتصاب في السجون والمحابس، ولكن هذه المحاولات لم تكن مجدية ورغم انتقادات المنظمات الحقوقية بخصوص السجون الأفغانية، لم يُتخذ أي إجراء في عشر سنوات ماضية، لجعل السجون على المستوى اللائق.

ومع أن السجناء قد حاولوا عبر إضرابات طويلة عن الطعام، بأن يفهموا المسؤولين بأوضاعهم السيئة وبمشاكل السجون ولكن على ما يبدو، لم تجد هذه المحاولات نفعا إلى الآن.

من جانب آخر أصبح بعض السجون مراكز للفحشاء، وقد نُشرت تقارير حول الفحشاء في عدد من السجون الأفغانية. على سبيل المثال في عام 2011م، نشر تقرير كان يفيد بأن النساء السجينات في سجن محافظة غزني كن يتعرضن للمضايقات. وعلى حد قول نساء سجينات في هذا السجن، قام مسؤولون ومؤظفون في القسم النسائي للسجن بمحاولة متكررة لاغتصاب السجينات.

وكذلك خلال 13 سنة خلت، أسست القوات الأجنبية سجونا سرية وغير قانونية، في العاصمة وفي محافظات أخرى، وكان السجناء يواجهون في هذه السجون أنواعا من التعذيب والسلوك الشرس. وقد تابعت الحكومة الأفغانية أخيرا هذه القضية ونتيجة لذلك أغلقت ستة سجون غير قانونية للقوات الأجنبية في محافظات كندهار، وهلمند.

إلى جانب الأوضاع السيئة للسجناء في الداخل، يعيش سجناء أفغان آخرون أوضاعا انسانية صعبة في سجون دول أجنبية. منهم خمسة آلاف يقبعون في سجون إيرانية وتقوم الحكومة الإيرانية بإعدام عشرات السجناء ومئاتهم في إعدامات جماعية بطريقة غيرعادية ودون وجود أي محام أو محكمة، في حالة يبقى موقف الحكومة الأفغانية إزاء هذه القضية ضعيفا جدا، ولم تستدع حتى السفير الإيراني بهذا الخصوص لمرة واحدة.

إن الحكومة الأفغانية عليها أن تطلع على أوضاع أتباعها السجناء في إيران وفي أية دولة أخرى، وتتخذ بشأنهم موقفا قويا وتسد باب إعدامات الأفغان الجماعية في إيران، وعليها أن تعمل لصالح أتباعها السجناء في الدول الأخرى أيضا.

قرار رئاسي وتحديات جادة أمام تطبيق العدالة

إن المشاكل في المؤسسات القضائية الأفغانية جعلت أشخاصا أبرياء يقبعون في السجون شهورا وسنوات دون ارتكاب أية جريمة ودون أية محاكمة، والمجرمون الحقيقيون يخرجون من هذه السجون بقوة المال والوساطة.

إن القتلة والمختطفون الذين يحظون بحماية من مسؤولين رفيعي المستوى لا تتم محاكمتهم، ومثال ذلك هو حكيم شجاعي الذي قتل مئات الأبرياء في محافظة أرزكان وعلى رغم ذلك كان يحل ضيفا في القصر الرئاسي.

إن الفساد الإداري في المحاكم يسبب أحيانا عدم استغلال بعض السجناء من قرارات العفو والتخفيف.

من الواضح أن دائرة المستغلين من القرار الرئاسي تشمل مجرمين حقيقيين بدليل وجود الفساد في النظام القضائي للبلد، وهؤلاء يخرجون من السجن مكان أشخاص غير مجرمين. هذا والضرورة تطلب محاكمة مثل هؤلاء، ولكن وبسبب الضعف الإداري في المحاكم لا يتم إصدار الحكم بشأن ملف واحد في شهور وسنوات، وبسبب المجرمين الحقيقيين تضيع حقوق أناس أبرياء كثيرين. فيما لا تسمح قوانين البلد بحبس الأفراد المشكوك فيهم، أكثر من بضع ساعات يقبع بعض الأشخاص شهورا وسنوات في السجون وعلى الحكومة الأفغانية أن تعطي تصريحا بهذا الشأن.

إن التخفيف في العقوبة أمر قضائي مسلم به، وهو موجود في أية دولة. والرئيس يملك صلاحية مقيدة في أن يخفف العقوبات أو يعفو. الشعب أيضا لا يخالفون تخفيف عقوبات المجرمين ولا حتى عفوهم، ولكنهم يريدون أيضا مراعات القانون والعدالة في قضية السجناء. والآن تكمن المشكلة في إطلاق سراح أناس ارتكبوا القتل، والاختطاف، والسرقة من أجل مصالح ذاتية، ثم لبثوا في السجن سنوات دون محاكمة وبعد فترة يتم إطلاق سراحهم، وعلى جانب آخر يستمر مكث أناس آخرين في السجون بلاذنب ودون أية محاكمة لسنوات طويلة.

إن حماية مسؤولين حكوميين للمجرمين تشكل المشكلة الرئيسية في هذا المجال، وتعرف الحكومة الأفغانية هذه المشكلة جيدا، ولكن بدليل أو بآخر لم تتخذ أي إجراءات لازمة بشأن هذه القضية. وقد سبب هذ الأمر تصاعدا يوميا في كمية الجرائم في المجتمع، حيث يتم القتل ويستمر اختطاف الأطفال والكبار في المدن الكبرى، وترتفع الاضطرابات الاجتماعية، وتزداد المشاكل الأمنية والسياسية يوما بعد يوم ويتم اضطهاد الطبقة الضعيفة من الشعب.

إضافة إلى ذلك، لا توجد أساسا، استراتيجية شاملة لحبس الأفراد وسجنهم. والقوات الأجنبية إن تؤسس لنفسها سجونا في مناطق مختلفة في البلد، فهم لديهم برنامامجهم واستراتيجيتهم، ويريدون إلى جانب هذا تضعيف الشعب الأفغاني بالحبس والسجن بحجج واهية ولهم في هذا الأمر أهداف أخرى يعملون من أجلها. ولكن الحكومة الأفغانية مع ضعفها في محافظة مؤسسة الجيش والشرطة، تقوم بمحافظة 20 ألف سجين في سجون البلد، ولا تملك الشواهد والتسهيلات لمحاكمة هؤلاء السجناء.

نظرا للمشاكل الحساسة في السجون الأفغانية، ونظرا للفساد الإداري في النظام القضائي ونظرا لعدم تطبيق العدالة، توجد هناك ضرورة ملحة لتجديد هذا المجال وإحداث اصلاحات فيه. النهاية

إطلاق سراح السجناء وتحديات تطبيق العدالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى