لتوقيع الاتفاقية الأمنية، اشترط الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي، أن تتوقف عمليات القوات الأجنبية على المدنيين الأفغان. ولكن عندما تم توقيع الاتفاقية، عاجلا دون آجل، من قبل الحكومة الجديدة بزعامة أشرف غني أحمدزاي، ودون أي اهتمام بشروط السيد كرزاي أو بشروط مجلس الأعيان الاستشاري بخصوص الاتفاقية، أفقد الأمرُ أملَ أي واحد كان يأمل خيرا من الاتفاقية.
بعد توقيع الاتفاقيات مع أمريكا والناتو، ببضعة أيام فقط، نفّذت القوات الأمريكية في مركز ولاية بكتيا، من دون أي تنسيق مع المسؤولين المحليين، عمليات جوية أدّت بحياة طفل و9 من المدنيين، وأكد شهود عيان ومسؤولون محليون أن القتلى كانوا مدنيين. واحتجاجا على الهجوم خرج سكان المنطقة في مظاهرة حاشدة وأخذوا معهم الجثث إلى مقر الحكومة المركزية، وطلبوا من الحكومة توضيحا بشأن القضية. وفي حادث آخر، وفي ولاية لغمان في مديرية “علي شنج” نفّذت طائرة أمريكية بلاطيّار هجوما على أربعة مدنيين كانوا يعملون على إعمار جسر، فلقوا جميعا مصرعهم. وفي ننكرهار أيضا قُتل مدني في هجوم مماثل.
والمثير للحيرة أن هذه القوات الأجنبية لم تستجب لطلب القوات الأفغانية مساعدة جوية في ولاية سربل، وفي النهاية قُتل 22 من عناصر الجيش الأفغاني وجُرح 17 وأُسر 6 آخرون، وبقيت القوات الأجنبية مع ذلك مكتوفة اليد.
رسالة الهجوم الأخير على المدنيين
إن القوات الأمريكية تستخدم هذا النوع من الهجوم كوسيلة للوصول إلى أهدافها، وهي ليست قضية من البساطة بمكان يمكن اعتبارها حدث خطأ، أو أن يقال إن المستهدفين كانوا من المعارضة المسحلة.
كلما يسبب القصف قتل المدنيين، يتم الاكتفاء بالتنديد أو باعتبارها خطأ فقط، حتى في بعض الأحيان لم يتم تقديم اعتذار بارد أيضا، بل قيل إن المستهدفين كانوا من المعارضة المسلحة. إلى جانب ذلك وفي أحيان كثيرة أخرى نفّذت القوات الأجنية عمليات على القوات الأفغانية، وحسب العادة اعتبرتها خطأ حدث من دون قصد.
عندما يتم قتل المدنيين أثناء القتال فإن سببه واضح، ولكن قصف المناطق السكنية المدنية، فلها رسائل أخرى.
إن القوات الأمريكية وعبر العمليات الأخيرة، التي حدثت بعد بضعة أيام من تشكيل الحكومة الجديدة من توقيع الاتفاقية الأمنية، أرسلت إلى الحكومة الأفغانية الجديدة رسالة تقول إن مثل هذه الاتفاقيات لا توقف تلك القوات عن غطرستها وأنها ستعمل في المستقبل ما تشاء.
يبدو من موقف الأطراف الأجنبية المشاركة في حرب أفغانستان، أنه ومثل ما مضى في 13 سنة من قتل القوات الأجنبية لعشرات ومئات المدنيين العزّل، فإن ذلك سوف يستمر في المستقبل ما دامت هذه القوات باقية في أفغانستان.
في 13 سنة مضت، أصبح قصف بيوت الأفغان وقتلهم الجماعي أمرا اعتياديا للقوات الأجنبية، وكثير من المحللين يرون أن القوات الأجنبية تقوم بذلك عمدا وبهدف توسيع الفجوة بين الشعب والحكومة في أفغانستان. مع أن البعض علّق آمالا على الحكومة الجديدة وتوقع إصلاحات، إلا أنه إذا استمر هذا السلوك الأجنبي الاعتدائي الشرس في السنوات القادمة، فإنه سيثير الأفغان شيئا فشيئا على الحكومة، لأن مثل هذا السلوك للقوات الأجنبية عزز صفوف المعارضة المسلحة منذ سنوات ماضية أيضا.
ولكن بشكل عام فإن الأفغان في المستقبل، ومثل ما تقدم في 13 سنة الماضية، سيذهبون ضحية لهذه اللعبة الممية، وهي ما تقوم بها الحلقات الاستخباراتية الأجنبية من أجل أهدافها السياسية، وتقوم وسائل الإعلام الغربية ووسائل الإعلام العملية في الداخل بترويج معكوس بخصوصها.
بالنظر إلى مواقف وأعمال القوات الأجنبية الموجودة في أفغانستان، ندرك أن أمريكا والناتو لا تريدان استقرارا لأفغانستان، بل يريدان تغيير نوعية القتال. ففي المستقبل ستستقر القوات الأجنبية في قواعدها، ولكن الأفغان سوف يبقون في مرمى تلك الهجمات الأجنبية، وسوف تلجأ تلك القوات إلى استخدام تلك الوسيلة للنيل إلى أهدافها.
استمرار الهجمات الباكستانية
هو مسلسل قتل الأفغان، يستمر من جانب بفعل التفجيرات، والقصف العمدي للقوات الأجنبية والهجمات الأخرى، ومن جانب آخر بفعل القصف الصاروخي الذي تقوم به القوات الباكستانية والتي سببت خسائرة كبيرة في الأرواح والأموال في ولايتي كونر ونورستان.
وتمثلَ موقف الحكومة السابقة تجاه هذه الهجمات في التنديد بها وحسب، ولكن بعد تشكيل الحكومة الجديدة وتوقيع الاتفاقية الأمنية، توقع بعض الأفغان أن توجد هناك صيانة للأراضي الأفغانية أمام الاعتداءات الخارجية.
بعد توقيع الاتفاقية، وبعد قصف الأراضي الأفغانية بمئات من الصواريخ الباكستانية، أظهر عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأفغاني قلقا تجاه التعهدات الأمريكية في هذه الاتفاقية وبأنها تبقى حبرا على الورق، واعتبروا الاتفاقية سببا لتدهور الوضع الأمني أكثر فأكثر في البلد. وعلى حد تعبير هؤلاء إن هذه الاتفاقية إن لم تجلب أستقرارا وسلاما لأفغانستان فبماذا تنفع الأفغان؟
بعض الأفغان كانوا يؤيدون توقيع الاتفاقية من أجل وضع حد على تدخلات الدول الجارة وعملياتها العسكرية، ولكن تزامنَ توقيع الاتفاقية مع تصاعد الهجمات الصاروخية الباكستانية على المناطق الشرقية في البلد، وفي يوم واحد قُصفت ولاية كونر ب75 صاورخا في مناطق مختلفة. أ ليست هذه الهجمات أجنبية؟
الحقيقة أن أمريكا والناتو لا يريدان إحلال السلام في أفغانستان، وأنهما يغضان الطرف عن هجمات باكستان على الأراضي الأفغانية بل يرفعان الإشارة الخضراء أيضا، وكل ذلك يؤكد أن أمريكا وباكستان يد واحدة وتعملان معا لإطالة الأزمة الأفغانية.
من جانب آخر، تريد أمريكا أن تنفذ برامجه الاستعمارية في المنطقة وتجبر الأفغان على قبول مطالبها، وذلك بمساعدة حلفائها كباكستان وتحت غطاء ما يُسمى بالحرب على الإرهاب. ويكون هدف هؤلاء تنفيذ استعمار جديد وعبر أساليب جديدة في المنطقة.
موقف الحكومة الجديدة
فور حلفه رئيسا للبلد، وبعد أن أصدر قرارات جادة وفورية بخصوص بعض الإصلاحات، وبعد أن تم توقيع الاتفاقية مع أمريكا، توقع بعض الأفغان أن الحكومة الجديدة ستتخذ موقفا واضحا تجاه القوات الأجنية. ولكن مع تصاعد الهجمات الصاروخية الباكستانية، وقتل القوات الأجنبية للمدنيين، وباعتراف من المسؤولين الأفغان أنهم كانوا مدنية، وأنها لم توجد أي مجموعة مسلحة في المنطقة، وبعد ذلك كله، صمت الرئيس الجديد تجاه هذه القضية يُظهر أن موقف الحكومة الجديدة سيكون أضعف.
يرى المراقبون أن تعهدات أمريكا بخصوص تدخلات الدول الجارة واعتداءاتها غير ملزمة، وعلى أساس المادة الثانية منها قد سُمح لأمريكا بالعمليات العسكرية، ولذلك لا يمكن على الجانب الأفغاني أن يضع ضغوطا على أمريكا، وربما لنفس السبب لا تستطيع الحكومة الأفغانية أن تقنع أمريكا بموقفها فأثار الصمت على الصوت.
والآن ينبغي أن يُسأل من وقّع الاتفاقية ومن أيّد توقيعها من أجل التخلص من هجمات الدول الجارة، لماذا لم تخلّص هذه الاتفاقية الشعب الأفغاني من هجمات باكستان؟ ولماذا لم تتخذ أمريكا أي موقف تجاه باكستان بخصوص هجماتها الصاروخية على أفغانستان؟ ولكنها حقيقة واضحة أن أمريكا لا تريد أبدا أن تدافع عن شعب أفغانستان، ولا ترى في ذلك مصلحة ذاتية لنفسها أيضا. إن أمريكا وقّعت الاتفاقية من أجل مصالحها الذاتية وستنفذ تلك الجزئية منها التي تنفع أمريكا.
ولو تطلب الحكومة الأفغانية شيئا من أمريكا بخصوص الهجمات الباكستانية، فإنها لا تقبل طلب أفغانستان ولا تتخذ موقفا مناهضا لباكستان، ولكن أفغانستان حال نقض مفاد الاتفاقية من قبل أمريكا لا تستطيع، بناءً على هذه الاتفاقية الأمنية بين البلدين، أن تشكو إلى أي محكمة دولية أو أن تشارك القضية مع جهة ثالثة للوساطة، كما لا تستطيع إلغاء الاتفاقية أيضا، لأن إلغائها يطلب إخطارا مسبقا للجانب الآخر قبل عامين. وهكذا تبقى أفغانستان تدور في فلك تدخلات الدول الجارة وهجماتها، كما لا تستطيع إقناع أمريكا بأي موقف. النهاية