في حفل تنصيبه رئيسا للبلد، ألقى د. أشرف غني أحمدزاي كلمة مليئة بالآمال للشعب الأفغاني، ولخّص برامجه لجميع المجالات، وكانت كلمته تدل على حسمه للإعمار الشامل وحل أزمات البلد. فهنا ندرس مشاكل عدة ينبغي أن تكون على صدر قائمة أولويات الحكومة الجديدة، وهي تُعتبر فرصا ذهبيا، كما هي تحديات تواجه الرئيس الأفغاني الجديد.
السلام والأمن
إن أشد ما يحتاجه الأفغان هو السلام والأمن، فإن أكثر من 95% من أضرار الحرب لحقت بالأفغان، وكل يوم تفقد الأسر الأفغانية أعضائها، وهناك من يفقد روحه وآخر أعضاء بدنه. المتضرر من قتل عناصر حركة طالبان هو الأسرة الأفغانية، كما أن المتضرر من قتل عناصر الجيش الأفغاني هو الأسرة الأفغانية نفسها. ولا يمكن استمرار الأعمال العمرانية حال استمرار الحرب والقتل، فإن بناء العمارة من جانب ودمارها من جانب آخر لا يؤديان إلى تمامها أبدا. وفي الحرب لا يبقى احترام للكفاءات والخبرات العلمية، بل الضرورات الحربية توسع نطاق الفساد، وتأكل الأموال أكلا شرسا، فيما يمكن استغلال ذلك في الأنشطة العمرانية حال وقوف الحرب.
تكلم الرئيس الأفغاني الجديد في كلمته عن السلام والأمن، ولكن دون أن تظهر علائم السلام أو أي اهتمام به، وكانت حكومة كرزاي أيضا تتحدث عن السلام، وأحدث المجلس الأعلى للسلام، إلا أن هذا المجلس لم ينجح في إنهاء الحرب الدائرة، رغم ما صرف في ذلك من ميزانية كبيرة. وكان السبب الرئيسي وراء فشله أنه لم يتعامل كجهة محايدة، بل ناصر الموقف الحكومي. والسبب الثاني أن محاولات السلام بدلا من أن تُجرى مع قادة حركة طالبان تمثلت في ترغيب مقاتلي الحركة لمغادرة القتل إزاء تنازلات مادية. وهناك من سلّم سلاحه لمرات عديدة من أجل أن يحصل على مبالغ مادية. وهذه السياسة التي نهجها المجلس الأعلى للسلام أثار غضب قادة حركة طالبان، وهو أمر أدّى بحياة البروفيسور برهان الدين رباني. وفي الصعيد نفسه تم افتتاح مكتب قطر لحركة طالبان بهدف محادثات السلام مع طالبان، ولكن لم يحصل أي تطور في الأمر، إنما اقتصر الأمر على استغلال دعائي فحسب. واستمرت الحكومة في سياستها القتالية مع حركة طالبان ونفّذت عمليات عسكرية واسعة ضد الحركة، ومن جانبها نفّذت حركة طالبان سلسلة من التفجيرات في مناطق مختلفة في البلد، وهو ما سبب خسارة كبيرة للشعب الأفغاني.
فمن الأهمية بمكان معرفة كيفية تعامل الرئيس الأفغاني الجديد مع عملية السلام، إن كان سيحاول إيجاد جهة محايدة للوساطة ولتمهيد الطرق نحو تقريب وجهات نظر الجهات المخالفة المقاتلة، وذلك للوصول إلى ميثاق وطني متفق عليه، تنتهي بموجبه الحرب وتتشكل حكومة الوحدة الوطنية بالمعنى الحقيقي لها؟ أم أنه سيكرر السياسة السابقة الفاشلة، وهي سياسة الاتكاء على الحرب من جانب وترغيب عناصر طالبان لمغادرة القتال إزاء المبالغ المالية من جانب آخر.
لقد أثبتت هذه السياسة أنها فاشلة، ولكن الخيار الأول قد يؤثر. وذلك إذا يجتمع أناس عقلاء ذوو صداقة وأمانة في مثل تلك الجهة، ويتم تجديد النظر في كيفية التعامل، دون الاكتفاء بتغيير الرموز، بل يتم تشكيل مجموعة تتمتع باحترام جميع الجهات المخالفة ويمكنها الوصول إلى كل تلك الجهات، وتقريب وجهات نظر بضعها إلى البعض، وتبذل هذه المجموعة في ذلك قصارى جهدها، وتجمع فيئات مختلفة من الشعب حولها وتشكل مركزا مؤثرا للسلام.
الأزمة الاقتصادية
إن أفغانستان بلد غير قادر على توفير ميزانيتها السنوية التي تبلغ خمس مليارات دولار من دخلها الذاتي. من جانب آخر بلغت البطالة في البلد مداها، ولا يحصل 80% تقريبا من المؤظفين والعملاء على دخل يكفي لضرورياتهم. لا يوجد هناك أي توازن بين الاستيراد والتصدير، فأفغانستان تستورد أكثر من 80% من احتياجاتها من خارج البلد. توزع منظمة الأمم المتحدة المواد الغذائية لثلاثة ملايين من الأفغان. صناعة البلاد متوقفة منذ مدة، ونموءها بطيء جدا. يتخرج سنويا من الجامعات الأفغانية ما يقارب 50 ألف طالب دون تواجد فرص عمل مناسبة لهم. وفي أرجاء البلد لا توجد خدمات صحية لازمة، وأعداد كبيرة من الأفغان يفقدون حياتهم من أجل ذلك. في كثير من المناطق لا يوجد ماء صحي للشرب وهو ما يؤدّ دوما إلى انتشار الأمراض المختلفة بين الشعب. إضافة إلى ذلك سبب استخدام الأسلحة الكيمائية، انتشار الأمراض وازدياد الإصابة بالسرطان. كل هذا ولم تتمكن الحكومة من إنماء مواردها المالية، وأما مناجم أفغانستان فتتم سرقتها، ولا تصل أموال الحكومة، بيت المال.
إن أمة لا تملك خبزها، لا تعيش كريما بين الأمم كما لا تعيش حرّة مستقلة. وإن الأفغان إن يريدوا عيشا محترما بين الشعوب عليهم أن يعملوا على إنماء اقتصادهم. وقد علّق الشعب الأفغاني آمالا عريضة على حكومة الوحدة الوطنية بخصوص حل المشاكل الاقتصادية هذه.
الإدارة الحسنة
لقد أضر الفساد الإداري بمصالح أفغانستان في كل المجالات. المساعدات الدولية التي تمت في السنوات الماضية أكلها وصرفها مسؤولون حكوميون من الداخل وداعمون أجانب من الخارج. هذه المبالغ المالية تم صرفها دون وجود أي برنامج محدد لضروريات البلد، وحسب رغبة الأجانب أنفسهم، وفي مجالات مختلفة تم تشكيل مجموعات سرقة ومافيا. إن إيجاد تشكلات موازية بواسطة الأجانب، ضعّف شأن الحكومة المركزية وجعلها غير قادرة على إحداث كفاءات عملية في إطارها الرسمي.
والآن ينتظر الشعب الأفغاني، إن كان د. أشرف غني أحمدزاي يستطيع أن يرفع خطوات جريئة وقوية نحو حكومة جيدة وإدارة حسنة، رغم ما يواجهه من تحديات كثيرة، أم لا؟ وهل يستطيع أن يقضي على مجموعات “مافيا” التي تتغذى من دماء الشعب، وهل يمكنه تنفيذ القانون وإعطاء الأمور الإدارية لأهلها؟ النهاية