بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، حدث من الأخطاء في مؤتمر بن الآلمانية على يد المسؤولين الأفغان والأمريكان، ما حدث بعد انسحاب القوات الروسية من أفغانستان على يد المجاهدين الأفغان. وفي هذا المؤتمر أعتبر الحزب الإسلامي وحركة طالبان عنصر المنافسة أمام الوجود الأجنبي فيما بعد. ولم تتم دعوة هاتين الجهتين إلى المؤتمر فحسب بل تم إقصائهما عن المناصب الإدارية أيضا.
بعد ذلك وفي 2002م-2003م، لم يتم أي اقتراح لإسهامهما في الحكم، كما لم تتم أي محادثات مع الجهتين. ولكن عندما قويت شوكة حركة طالبان بعد 2005م، بدأت بعض الدول المحادثات مع طالبان في ولايات كان أمنها من مسؤولية تلك الدول. ويمكن لنا أن نذكر محادثات بريطانيا مع طالبان في هلمند، ومحادثات الفرنسيين مع طالبان في كابيسا وتكاب، وهو ما حدث قبل ما يقوم الأمريكان بمحادثات مع طالبان. وبمستوى منخفض أجرت طالبان محادثات مع مندوب اللأمم المتحدة الخاص في أفغانستان كأي آيدي[1].
وفي 2008م، عندما فاز أوباما بالرئاسة الأمريكية تحت شعار “التغيير”، و”إنهاء الحرب”، من جهة أضاف عدد المقاتلين الأمريكان في أفغانستان، ومن جهة أخرى بدأ بالمحادثات مع طالبان في 2009م. وحينها انخرطت حركة طالبان في محادثات مع الطرفين، الحكومة الأفغانية والإدارة الأمريكية، في قطر، وألمانيا، والإمارات، واليابان، وطاجكستان وتركيا، ولكن في باكستان سبب سجن الملا برادر توقفا للعملية، كما وسببت مخالفة كرزاي لرفع شعار الإمارة في قطر توقفا للعملية هناك، ولكن وفي الآونة الأخيرة لعب تبادل سجناء لحركة طالبان بجندي أمريكي (باو بركدال)، دورا لانطلاق العملية من جديد.
محاولات الحكومة الجديدة من أجل السلام
أثناء الحملات الانتخابية في 2014م، تعهد كلا المنافسين الرئيسين، أشرف غني وعبدالله عبدالله، بأن يعملا على إحلال السلام في البلد. بدأ أشرف غني في خطواته الأولى التحدث إلى الدول الجارة، ودول المنطقة، وبقية الدول. التقى بالرئيس التركي في كابول، وسافر إلى السعودية، والصين، وباكستان، وهو أمر يظهر أهمية السلام في أولويات السياسة الخارجية لدى أشرف غني.
وعندما حدث هجوم على مدرسة تابعة للجيش الباكستاني في بيشاور، أثر الحادث على سياسة باكستان “ووحّد” رأي ساسة باكستان مع العسكر. وشرح رئيس وزراء البلد نواز شريف في لقاء مع مندوبي الأحزاب السياسية، ومسؤولي المخابرات ومؤسسة الجيش، خطته لمكافحة الإرهاب خلال 21 نقطة، واعتبر بأن موقف باكستان تجاه التطرف قد تغير تماما.
وبعده قام المسؤولون الباكستانيون بزيارات كثيرة إلى أفغانستان، وبعد زيارة ثالثة لراحيل شريف والتي تعهد فيها بجعل طالبان مستعدة للحوار في شهر مارس، بدأ أشرف غني في أفغانستان سلسلة من لقاءات داخلية مع العلماء، والمجتمع المدني، وزعماء المجاهدين، والساسة وفي هذا المجال تم إعداد مشورات واستراتيجيات كثيرة.
إن المكان الذي به تستقر محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ومن ينوب الطرفين، ذو أهمية كبيرة في الأمر. ربما تؤكد حركة طالبان بناء على شروطها أن يكون مقر المحادثات في قطر، ولكن الحكومة الأفغانية لم تحسم بعد أمر مقر المحادثات. وقد طلب أشرف غني مشورات كثيرة تجاه هذه القضية وربما يكون القرار بيده.
بشكل عام ليس من الضروري الجدل حول مكان الحوار، والأهم في الأمر هو أجندة المحادثات، لأن الأمر برمته يهدف إلى إحلال السلام في البلد، وهو أمر ينبغي نقاشه بين الطرفين بأي حال من الأحوال.
مواضع الخلاف بين الطرفين
كي لا تواجه المحادثات فشلا مرة أخرى، ينبغي أن يستعد الطرفان لإعطاء إجابة شافية، قبل بدء المحادثات بشأن الأمور التالية:
- حضور القوات الأجنبية في أفغانستان، والقواعد العسكرية
إلى أي حد يمكن لطالبان تحمل التواجد الأمريكي في أفغانستان؟ وهل تستعد الحكومة الأفغانية بأن تعطي للقوات الأجنبية ضوءا أخضر للرحيل من أجل السلام وطالبان؟ لأن طالبان لا تزال تقاتل على هذه القضية، وبانسحاب الأمريكان من أفغانستان سوف لا يجدون ذريعة للقتال. ولذلك على الطرفين أن يتفقا على ما يمكنهما القبول به. وأن يشمل التوافق انسحابا تدريجيا للقوات الأمريكية من أفغانستان، لأن طالبان وإن تطلب انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان فإن ذلك سوف يستغرق عاما على أقل التقدير.
- إمارة أم انتخابات؟
سؤال آخر يطرح نفسه بقوة. هل ستقبل حركة طالبان إجراء الانتخابات لحسم الحكم المستقبلي، أم أنها ستصر على إقامة إمارتها الإسلامية؟ فيما أرادت طالبان إمارة يمكن على أقل التقدير أن يتم إعداد مجلس للأعيان أو إجراء استفتاء شعبي ليتبين ما يريده الشعب. ولأن طالبان لا تؤمن بالانتخابات والجمهورية فإن ذلك يتطلب إحداث لجنة مشتركة من علماء الدين من كلا الطرفين لبحث وحل الأزمة.
- دستور البلد
أمر آخر تهاجمه حركة طالبان ومعها الحزب الإسلامي (جناح حكمتيار)، هو الدستور وتعديله. وهو أكثر الأمور تعقيدا بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. يرى كثير من الساسة في كابول بضرورة اعتبار الدستور خطا أحمرا وأن لا يتم أي تعامل مع طالبان خارج نطاق الدستور. ولكن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، واستحداث منصب “الرئيس التنفيذي”، كان مخالفا للدستور، وهو ما قام به أشرف غني. فعندما يتم إحداث منصب كهذا من دون سماح الدستور، فكيف لا يمكن تعديل الدستور إذا ما طلبت مصلحة البلد وإحلال الأمن فيه ذلك؟
خطوات مساعدة لعملية السلام
من أجل نجاح عملية السلام الأفغانية، ينبغي أن تُرفع الخطوات الآتية:
- على الحكومة أن تشكل مجموعة من العلماء يقومون بإقناع من يخالف السلام ويفحموه.
- على الحكومة أن لا ترى إلى طالبان كحربة في يد باكستان، بل أن تبدأ المحادثات معهم كجهة أفغانية.
- على الحكومة أن تأخذ ملف السلام إلى وسائل الإعلام لمصلحة وطنية كبرى.
- عى الحكومة وحركة طالبان أن تقنعا بالبرهان من النساء النشيطات من يخالف السلام مع المعارضة المسلحة. ومن أجل المحافظة على سلامة العملية ينبغي إحداث مجموعة من النساء النشيطات لسد أنشطة الحلقات المدمرة.
- على الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي أن يعملا في نهاية عملية السلام على توفير الأرضية لعودة اللاجئين الأفغان في باكستان، وتوفير ضروريات العيش لهم في أفغانستان.
- على الحكومة أن تختار لإجراء عملية السلام أناسا لم ينخرطوا في عداوة مع طالبان من قبل، وأن يكونوا وسطاء حقيقيين.
مخالفو السلام
هناك دولة كبيرة في المنطقة ترى إلى عملية السلام والتقارب الأفغاني الباكستاني في العلاقات كتهديد إلى مصالحها واستثمارها وأمنها في أفغانستان، وتقوم الآن عبر بعض الحلقات بعرقلة محادثات السلام. ومن أجل الحفاظ على عملية السلام ينبغي للحكومة أن تحدث تفاهما بينها وبين هذه الدول وأن عملية السلام لا تهدد أمنها بل وتضمن مصالحها المشروعة أيضا.
ينبغي أقناع الدول الجارة ودول المنطقة، بأن أفغانستان بعد إحلال السلام فيها ستلعب دورا كبيرا في أحلال الأمن في الدول الجارة وفي المنطقة، كما وستلعب دورا في الرقي الاقتصادي للمنطقة أيضا. النهاية
[1] تفاصيل ذلك في كتاب كاي آيدي بعنوان: “أزمة تقاسم السلطة في أفغانستان”.