على وشك من نهاية عام 2009م، تيقنت القيادة في حركة طالبان بأن أمريكا فشلت في الوصول إلى الأهداف التي من أجلها اجتاحت أفغانستان. ومن هنا اقترح الملا عبدالغني برادر نائب الملا محمد عمر، على القيادة في الحركة بأن يقبلوا مبدئيا بالمفاوضات إذا ما أظهر الجانب الأمريكي رغبة في ذلك، وفيما إن كان تسفر هذه المفاوضات نهاية للاحتلال الأمريكي على أفغانستان.
حتى تلك اللحظة كان العالم يفكر بأن حركة طالبان لا تفكر إلا في القتال، ولكن عندما ظهرت للعلن رغبة أمريكية في المفاوضات من أجل السلام، أصدر زعيم طالبان أمرا بأن يتولى وفد مجرب في الأمر من قبل الحركة مسؤولية المحادثات.
وكان ينبغي أن يُنتخب لهذه المهمة أناس مجربون. وأصدر الملا محمد عمر قرارا بتغيير اللجنة السياسية في “الإمارة الإسلامية” والتي لم تعد لها مهام كثيرة حتى تلك الفترة إلى المفوضية السياسية. وتم تعين الملا طيب آغا رئيسا للمكتب السياسي بدلا من الملا آغا جان معتصم والذي كان يترأس اللجنة السياسية، وحصلت علاقات مع “كاي آيدي”، مندوب الأمم المتحدة الخاص في أفغانستان.
القلق الباكستاني
وفي شهر ديسمبر 2009م، صرّح الملا طيب آغا في حوار مع صحيفة “الحياة”، العربية في لندن، عن استعداد للمحادثات مع أمريكا، وأكدّ جاهزية الحركة بذلك في حال رغبة الأمريكان بالأمر.
وحتى قبل نشر هذا الحوار انتبه المسؤولون الباكستانيون بأن طالبان تنوي بدء المفاوضات مع أمريكا من دون سماح باكستان وأن الملا عبدالغني يملك زمام المبادرة. وفي عملية مشتركة مع القوات الأمريكية ألقت “آي إس آي”، القبض على الملا برادر في كراتشي الباكستانية. وكان هدف الباكستانيين من إشراك الأمريكان في العملية تعزيز انعدام الثقة بين طالبان وأمريكا كي لا يتقرب الطرفان في أمر محادثات مباشرة.
علاقات أولية
ولكن حركة طالبان استمرت في محاولاتها، وحصلت العلاقات الأولية بين الطرفين بوساطة آلمانية[1]. ولعبت محاولات دبلوماسي آلماني[2]، كان يعمل في إسلام آباد في فترة ما بين 1997م إلى 1998م، دورا في تعزيز هذه العلاقات، وفي بناء ثقة بين الطرفين وحصلت لقاءات مع مندوبي أمريكا. (في تلك الفترة كان الملا طيب آغا سفيرا للإمارة الإسلامية في إسلام آباد، وكان على صلة بهذا الدبلوماسي). وكان الأمريكان يصرون على أن يكون لطالبان عنوان خاص للحوار خارج أفغانستان، وقبلت الحركة بالأمر.
لما اختارت الحركةُ قطر؟
عيّن قادة الحركة أربعة شروط للبلد الذي كان ينبغي أن يكون مقرا لمكتب الحركة السياسي:
- أن يكون بلدا إسلاميا،
- أن لا يكون بلدا جارا،
- أن لا يكون بلدا أرسل إلى أفغانستان جنودا،
- وأن لا يكون على عدواة مع طالبان بعد 2001م.
وعلى أساس هذه الشروط لم تكن دول كتركيا، وإمارات وأردن صالحة لتستضيف هذه المحادثات، وكهذا السعودية التي سجنت عددا من قادة طالبان بعد 2001م، لم يكن مؤهلة لاستضافة هذه اللقاءات. وعلى ذلك اختارت حركة طالبان قطر مقرا لمكتبها السياسي.
من جهة أخرى قام المكتب السياسي بتوثيق عشرة أعضائها لمجموعة ذات صلاحية إلى السلطات القطرية. سافر ستة منهم في البداية إلى قطر، فيما تم إرسال أربعة آخرون فيما بعد، ليلحق بهم عدد آخر من الأعضاء.
مخالفة باكستان مع مكتب قطر
وكانت باكستان منذ البداية تخالف أن يكون مكتب الحركة في قطر، وكانت تريد أن يستقر المكتب في دولة أخرى مثل السعودية، وتركيا، أو الإمارات العربية. وسبب هذا الأمر ترددا لدى الإدارة الأمريكية في دور هذا المكتب في عملية السلام، وأن تغير موقفها تجاه هذا المكتب، والحال أن الملا محمد عمر وفي رسالاتها الخاصة بمناسبات مختلفة ذكر مكتب قطر كعنوان واحد للمفاوضات مع الحركة.
وفي المحادثات بين المسؤولين الباكستانيين وأشرف غني، يبدو أن الجانب الباكستاني أجبر الجانب الأفغاني بأن ينتقل مقر المحادثات مع طالبان إلى مكان آخر غير قطر، وعلى ذلك تؤكد الحكومة الأفغانية بأن تتم المحادثات في مكان آخر غير قطر. ويمكن لهذه القضية أن تلعب دورا في وقوع الخلاف في بدء المفاوضات.
ضمانة الانسحاب الأجنبي الكامل من أفغانستان
وترى حركة طالبان بأن الجهة الأولى في حربها هي أمريكا، وعلى ذلك ينبغي أن تكون المحادثات الأولية مع أمريكا، وذلك ليتضح أمر انسحاب الأمريكان من أفغانستان، وأن أمريكا لا تريد قاعدة في أفغانستان. مع أنه يبدو وكأن أمريكا أعطت الضوء الأخضر في هذه القضية لطالبان، وبأن الانسحاب سيكون بنهاية عام 2016م، ولكن طالبان وبسبب انعدام الثقة تريد إشراك دولة قوية في العملية وذلك لتوفير الضمانة الكافية على الالتزامات الأمريكية. وبين الأعضاء الدائميين في مجلس الأمن للأمم المتحدة تبقى الصين هي الوحيدة التي تحظى بعلاقات جيدة مع طالبان وتملك ثقة باكستان في نفس الوقت.وليس عجبا بأن يظهر تعليق إيجابي بشأن الدور الصيني في عملية السلام الأفغاني في الموقع الرسمي لطالبان.
حركة طالبان وسياسة الصمت
نشرت وسائل الإعلام الباكستانية تقارير تقول بأن زعيم طالبان أعطى سماحا لبدء المفاوضات بين طالبان وحكومة كابول، وأن المفاوضات سوف تبدأ قريبا، ولكن مكان هذه المفاوضات يبقى غير معلوم.
وكما لم تقم طالبان بنفي مباشر لهذه الأخبار، إلا أنهم قالوا بأن موقفهم يأتي على لسان المتحدثين الرسميين للحركة، وأن أخبارا تُنشر عبر طرق أخرى هي غير مؤكدة. وتخشى الحركة من أن يتم استغلال هذه الدعاية كحربة إعلامية ضدهم.
ولكن الإيجابي في إعلان الحركة الأخير هو انعطاف ظهر على لسانهم. وفي هذا الإعلان لم يُذكر شرط انسحاب القوات الأجنبية كاملة عن أفغانستان قبل بدء المفاوضات. ولكن كتعليق على زيارة وزير الدفاع الأمريكي الجديد إلى أفغانستان أعتبروها عائقا على طريق السلام. لأن الأخير أكّد ضرورة تمديد مهلة بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان. وترى حركة طالبان بأن أمريكا ليس لها موقف ثابت، وأنها ليس محل ثقة في الوفاء بالوعود.
إنجازات باكستان
ولكن باكستان استطاعت حتى الآن أن تحصل من الجانب الأفغاني على التنازلات الآتية:
- أحدثت الحكومة الأفغانية برغبة باكستانية تغييرا في سياستها الخارجية، وأعادت نظرها في العلاقة مع الهند. وهذا أمر كانت باكستان تريده منذ فترة طويلة.
- سلمت الحكومة الأفغانية عددا من طالبان باكستان للسلطات الباكستانية، كما سلّمت 15 مقاتلا أويغوريا إلى السلطات الصينية.
- سمحت الحكومة الأفغانية للقوات الباكستانية سريا، أن تلاحق عناصر طالبان إلى داخل الأراضي الأفغانية.
- تم التوافق على تدريب القوات الأفغانية من قبل باكستان.
- كانت أفغانستان تعتبر خط “ديوراند”، خطا افتراضيا وأما الآن وعلى أساس السياسة الأفغانية الجديدة يتغير هذا الخط إلى خندق وأن أزمة “ديوراند”، تُحل بصمت بين الطرفين.
النتيجة
يبدو أن المفاوضات بين أمريكا وطالبان، ومن ثم بين طالبان والحكومة الأفغانية تصل إلى نقطة انطلاق، وأن الحرب سوف تستمر أيضا. وأن طالبان رغم ما ستقدم من تنازلات سوف تصر على مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية في أفغانستان. لأنهم وفي حال الانسحاب في هذا المجال، ولو قيد أنملة، سوف يواجهون فشلا في كل المجالات.
لذلك يمكن التنبؤ على طول أمد المفاوضات وعلى تعقيد عمليتها، وأن يكون الجزء الكبير منها على عاتق علماء الدين من الطرفين. وعلى كل حال يُرجى أن يكون هذا التغيير خطوة إيجابية نحو نهاية الحرب الدامية المدمرة، والتي مرت عليها 36 سنة، وعجزت القوى العالمية الكبرى أمام حسمها عبر القوة. النهاية
[1] -قام بدور الوساطة “Bernd Mützelburg” و”Michael Steiner”.
“Rüdiger König -هو الدبلوماسي: “[2]