منذ أسبوعين وتنتشر تقارير إعلامية داخلية ودولية بشأن التقارب بين روسيا وطالبان. انتشر الخبر بعد أن صرّح ضمير كابلوف السفير الروسي السابق ومندوب روسيا الخاص في أفغانستان، في لقاء مع “إنترفوكس”، بأن هناك علاقات روسية مع طالبان بشأن مكافحة داعش.
بعد تصريحات كابلوف، انتشرت تقارير في الإعلام الغربي مفيدة بأن بوتين الرئيس الروسي قد التقى مع الملا أختر منصور زعيم طالبان في شهر سبتمبر من العام الماضي في طاجكستان.
ما هي خلفية العلاقة بين طالبان وروسيا؟ وما هي المراحل التي مرت بها هذه العلاقات؟ وما الذي يدفع الطرفين إلى التقارب؟ وماذا سيكون أُثر هذا التقارب على العلاقات بين كابول وموسكو؟
علاقات روسيا مع طالبان، أيام حكم الأخيرة
بعد سقوط حكومة د.نجيب تغيّرت الاستراتيجية الروسية واتجهت لأول مرة نحو تعاون مع المجاهدين، واتسعت العلاقات الروسية بعد مجيء طالبان خاصة مع جبهة شمال.
أثناء حكم طالبان بدأت محادثات بين مندوبي طالبان وروسيا، وبرأي مسؤول الشؤون الروسية في وزارة الخارجية حاول الروس لعدة مرات بأن يبنوا علاقات مع طالبان. في عام 1997م، طلبت روسيا من طالبان أن تجري محادثات مع مخالفيها، والأهم وبسبب مجيء مندوب من الشيشان إلى كابول طلب الجانب الروسي من طالبان احترام الأراضي الروسية[1].
في 1998م، وبعد يومين من القصف الصاروخي الأمريكي على أفغانستان، أرسلت سفارة أفغانستان في الإمارات المتحدة العربية إلى كابول بأن الروس يريدون بعثة وفد برئاسة الكسندر أوبلوف إلى كابول، وأن يفتحوا سفارة روسيا في كابول. كما وأرسلت سفارة أفغانستان في إسلام آباد نفس التقرير إلا أن ذلك لم يحدث[2].
وقتها تمحور القلق الروسي حول تهريب المخدرات، وتنظيمات متطرفة في آسيا الوسطى، واعتراف طالبان بالشيشان، وغيرها من الملفات. ومن هنا أرادوا توطيد العلاقات مع طالبان.
بشكل عام ومع أن العلاقات بين روسيا وطالبان أيام حكم طالبان كانت متدهورة، إلا أن صلات كانت بين الطرفين، لكن وفي 2000م، انتهت هذه الصلات عندما اعترفت طالبان بالشيشان رسميا.
العلاقات بين روسيا وطالبان من 2001م، إلى 2014م
عندما حدثت أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، وكردة فعل اجتاحت أمريكا والناتو على أفغانستان، أيّدت روسيا في الأمم المتحدة وضع عقوبات على طالبان كما ورحب بالغزو الأمريكي على أفغانستان. وفي 28 من ديسمبر 2001م، فتحت روسيا سفارتها في كابول، وبدأت دعم الحكومة الأفغانية في المجال العسكري، وقام الجنرال قسيم فهيم وزير الدفاع الأفغاني ويونس قانوني وزير الداخلية الأفغاني من 2001م، إلى 2003م، بزيارات إلى موسكو[3].
في الفترة الثانية من حكم كرزاي عندما تغيّرت سياسة أفغانستان بالنسبة إلى فترة 2002م-2009م، وتحسنت العلاقات بين أفغانستان وروسيا أكثر، دعمت أفغانستان موقف روسيا في أزمة أوكرانيا وذلك بسبب أزمة بشتونستان والعلاقات المتدهورة مع أمريكا، كما وازداد حجم التجارة بين الطرفين، ووصل الى مليار دولار عام 2013م[4].
بعد سقوط حكم طالبان، حدثت اتصالات بين طالبان وروسيا في 2006م، وفي 2007م، وذلك أيضا ضمن طلب روسي بشأن مكافحة تهريب المخدرات إلى آسيا الوسطى. بعد ذلك وعندما أسرت طالبان طيّارا روسيا في 2013م، بدأ ضمير كابلوف محادثات مع طالبان بشأن تحريره، وبعد سنة مع المحادثات أطلقت طالبان سراح الطيّار[5]، لكنه وبشكل عام لم تكن العلاقات بين روسيا وطالبان جيدة، وكان اتصال بين الطرفين يحدث لأمور آنية فحسب.
تنظيم داعش، تهديد مشترك
لقد هدد ظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام مصالح روسيا في الشرق الأوسط، ومن هنا عززت روسيا دعم نظام بشار الأسد، ومنذ فترة تنفذ هجمات جوية على داعش أيضا.
منذ اثنا عشرا شهرا ويحذر المسؤولون الروس عن تواجد تنظيم داعش في أفغانستان، كما وصرّحوا مرارا حول ذلك. فهم يعتبرون بأن داعش يريد الوصول إلى حدود روسيا، وتهديد حلفاء روسيا، ففي الآتي نسرد باختصار عوامل قلق روسيا:
أولا: تواجد مقاتلين من آسيا الوسطى والجنسية الروسية في داعش،
ثانيا: مبايعة بعض المجموعات المسلحة من آسيا الوسطى مع داعش، (مثل حركة أوزبكستان الإسلامية، واتحاد الجهاد الإسلامي، وجماعة الأنصار)،
ثالثا: اعتبار داعش نفسه تهديدا لروسيا،
رابعا: تواجد داعش في آسيا الوسطى والشرق الأوسط يهدد مصالح روسيا.
من جهة أخرى تعاملت طالبان في البداية بحذر مع داعش، لكن عندما جذب داعش بعض القياديين من طالبان وحدثت مواجهات عسكرية بين الطرفين، بعثت طالبان رسالة رسمية إلى أبي بكر البغدادي زعيم داعش، لكن داعش أظهر ردة فعل شديدة. وبذلك توسعت الخلافات بين داعش وطالبان، والآن إضافة إلى خلاف الطرفين على شرعية “الأمير”، يخوضان مواجهات دامية في بعض الولايات. وهو أمر حمل الروس على التوجه نحو تعاون مشترك مع طالبان في مواجهة داعش.
أثر داعش على الساحة الأفغانية
منذ 2001م، إلى 2014م، كانت الساحة السياسية والأمنية الأفغانية على منوال مشابه تقريبا، وكان كثير من الدول وخاصة تلك المخالفة مع أمريكا، (روسيا وإيران)، تؤيد الحكومة الأفغانية في مواجهة طالبان لكنه ومع انطلاق نشاط داعش في أفغانستان، لم تبق الساحة الأفغانية على ما كانت عليها من 2001م إلى 2014م.
بعد ظهور داعش تأثرت التحالفات بين مخالفي الحكومة المسحلين. رحّب الحزب الإسلامي لحكمتيار بداعش، وانفصلت حركة أوزبكستان الإسلامية عن طالبان وبايعت داعش، والتحق عدد من عناصر طالبان إلى داعش، (مثل عبدالروف خادم، وتم اختياره نائب والي خراسان، ثم لقي مصرعه في ولاية هلمند إثر قصف).
على المستوى العالمي غيّر داعش الساحة الأفغانية السياسية، ولأول مرة وفر فرصة تقارب لإيران وروسيا مع طالبان، لأن الأطراف الثلاثة رأت إلى داعش كتهديد مشترك.
أثر علاقات روسيا مع طالبان على علاقات كابول وموسكو
تحدث ضمير كابلوف مندوب روسيا الخاص لأفغانستان، لأول مرة عن علاقات بين روسيا وطالبان وقال إن هذه العلاقات جاءت من أجل تعاون مشترك لمواجهة داعش. مع أن طالبان وفي بيان نفى أي علاقات مع روسيا من أجل مواجهة داعش، لكنها لم تنف حدوث علاقات مع دول عدة في المنطقة[6].
من جهة أخرى لم تصدر الحكومة الأفغانية عبر وزارة الخارجية أي تصريح بشأن ذلك، ولم تستدع السفير الروسي، لكن عدة نواب في المجلس الأفغاني انتقدوا الأمر، وصرح متحدث وزارة الدفاع أن مثل هذه العلاقات مرفوضة.
هناك إمكانيتان اثنتان حول العلاقات بين روسيا وطالبان. أولا، هو بسبب ما يصرح به الجانب الروس رسميا، ثانيا، هو بسبب تغييرات إقليمية سياسية ونظرا لتجارب روسية ماضية.
الإمكانية الأولى: بالنظر إلى تصريحات كابلوف، التقى حكمت خليل مساعد سياسي لوزير الخارجية الأفغاني مع السفير الروسي وطلب توضيحا. وقال السفير الروسي إن تصريحات كابلوف تم التلاعب معها، لأنه كان يعبر عن جاهزية روسية للتعاون مع طالبان في مواجهة داعش فقط، وأن علاقة روسيا مع طالبان كانت في إطار حل سياسي لأزمة أفغانستان وذلك لتحل الحكومة الأفغانية مشكلتها مع المخالفين المسلحين[7].
كما وصرحت طالبان بنفس الأمر في بيانها قائلة إنها ولإنهاء “الاحتلال الأمريكي”، اتصلت وستتصل بعدة دول في المنطقة.
تتمثل المصلحة الروسية الآن في أفغانستان بأن يتم التصدي لداعش، ويمكن ذلك فيما تنتهي الحرب الدائرة هنا، وتوافق حركة طالبان مع الحكومة الأفغانية وتنسحب أمريكا من المنطقة.
من هنا أعقب ضمير كابلوف تصريحاته بالقول إن روسيا جاهزة لدعم خفض العقوبات على طالبان في الأمم المتحدة، لكن بشرط أن لا يخالف ذلك مصالح أفغانستان، إضافة إلى ذلك ساعدت روسيا عملية السلام الأفغانية[8].
الإمكانية الثانية: من الممكن أن تكون روسيا بنت علاقات مع طالبان من أجل الآتي:
أولا: أن تكون ريبة لدى الجانب الروسي في مكافحة الحكومة الأفغانية ضد داعش، ولذلك تحاول تخفيض التهديد بالعلاقات المباشرة مع طالبان.
ثانيا: بالنظر إلى أوضاع المنطقة والعالم، قد تنوي روسيا التدخل المباشر في الأمور الأفغانية وتهديد المصالح الأمريكية هنا.
النهاية
[1] لمزيد من التفاصيل، راجع كتاب (أفغانستان في خمس سنين من حكم طالبان)، لوحيد مزده.
[2] نفس المصدر.
[3] للاطلاع على العلاقات الأفغانية الروسية من 2001م، إلى 2015م، راجع العدد 118 من تحليل الأسبوع، من إعداد مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية:
[4] Thomas Ruttig, From Point Zero to ‘New Warmth’: Russian-Afghan relations since 1989, Afghanistan Analysts Network, 2014.
[5] لمزيد من المعلومات حول علاقات طالبان وروسيا راجع العدد 142 من تحليل الأسبوع، من إعداد مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية:
[6] هنا نص بيان طالبان: http://alemara1.org/?p=37360
[7] بيان رسمي لوزارة الخارجية الأفغانية حول جلسة بين السفير الروسي ومساعد وزير الخارجية الأفغاني: http://mfa.gov.af/fa/news/deputy-foreign-minister-meets-the-ambassador-of-the-russian-federation
[8] لمزيد من التفاصيل، راجع تقريرا لإذاعة الحرة:http://pa.azadiradio.org/content/article/27456738.html