في 27 من ديسمبر 2015م، قام راحيل شريف قائد أركان الجيش الباكستاني بزيارة إلى كابول والتقى مع المسؤولين الأفغان. جائت زيارته بعد زيارة مودي رئيس الوزراء الباكستاني والتي افتتح خلالها مودي المبنى الجديد للبرلمان الأفغاني وقد تم بنائه بمساعدة هندية. وهناك حساسية دائمة لدى الباكستانيين بشأن زيارة مسؤولي الهند إلى أفغانستان.
كان من المقرر أن تأتي زيارة راحيل شريف قبل عقد مؤتمر قلب آسيا، لكن سوء علاقات الطرفين أجّلت الزيارة.
قبل زيارة راحيل شريف إلى كابول، تحدث المسؤولون الباكستانيون عن مفاوضات رباعية بين أمريكا والصين وباكستان وأفغانستان، في أجل قريب والتي من المحتمل أن تنطلق في كابول أو إسلام آباد، لمناقشة ملف السلام الأفغاني.
العودة إلى مفاوضات السلام
مؤتمر قلب آسيا في اسلام آباد ومشاركة أشرف غني فيه كانت علامة تحرك جديد في العلاقات بين أفغانستان وباكستان ووجود أمل تحسن في العلاقات بين الطرفين. فبعد الإعلان بوفاة الملا محمد عمر انتقد أشرف غني لعدة مرات سياسة باكستان تجاه أفغانستان لكن الباكستانيين اعتبروا موقفه آنيا، وبالنظر إلى مشاكل أفغانستان توقعوا بأن لا يستمر التباعد الأفغاني عن باكستان، وكانوا على فرصة لتحسين العلاقة مع أشرف غني.
سنحت الفرصة في مؤتمر قلب آسيا في باكستان، وحفاوة الترحيب الباكستاني لأشرف غني أثناء قدومه لباكستان للمشاركة في مؤتمر قلب آسيا حملت أفغانستان على القبول بدور باكستان كوسيط في مفاوضات السلام مع طالبان.
زيارة أشرف غني إلى إسلام آباد وكلمته في مؤتمر قلب آسيا سببتا اعتراضا في أوساط الساسة الأفغان، وتم اعتبار استقالة رحمة الله نبيل رئيس ادارة الأمن الوطني على صلة بالأمر، ومع أن الخلافات بين رحمة الله نبيل وحنيف أتمر مستشار الأمن الوطني كانت تشاع من حين لآخر، الا أن الصحافة الباكستانية رحّبت بعزل رئيس الأمن الوطني الأفغاني واعتبر ذلك عزلا لواحد من مخالفي الحكومة الباكستانية من الحكومة الأفغانية.
هل تغيّرت سياسة باكستان؟
تتبع باكستان سياسة معقدة للغاية بشأن أفغانستان، تظهر مدى الخلاف العميق بين القول والفعل للمسؤولين الباكستانيين، مما أسفر عن محطات ثاخنة وباردة كثيرة في العلاقات الثنائية طيلة 14 سنة الماضية. لو ننظر ألى تطور العلاقة بين الطرفين في السنوات ما بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان، نجد أن كل مرحلة من حسن العلاقة أسفرت عن تدهور للمرحلة القادمة.
إن عدم استقرار العلاقات الأفغانية الباكستانية على منوال واحد يظهر أن ذلك كان سياسة باكستانية واستراتيجية باكستان تجاه أفغانستان. يمكن أن نسمي هذه السياسة بسياسة “الانتظار”، تحتاج باكستان ضمن هذه السياسة بعنصر “الوقت”، للوصول إلى مستقبل مطلوب. على أساس هذه السياسة كلما تواجه باكستان أي ضغوط لأن تلتزم بشيء ما لصالح أفغانستان، تقدم باكستان على عمل مما يُجبر أفغانستان للمخالفة، وبذلك تستغل باكستان عنصر الوقت لصالحها وتلقي بلائمة تدهور العلاقة على أفغانستان. باكستان تتبع هذه السياسة بمهارة بالغة، وحتى قصف باكستان الصاروخي على المناطق الحدودية الأفغانية تُعتبر من الجانب الأمريكي خطوة ضد “الإرهاب”، ويتم التجاهل مع الاعتراض الأفغاني.
في الزيارة الأخيرة لراحيل شريف إلى كابول وعد الجانب الباكستاني دعم عملية السلام الأفغانية، ووعد بأن يقمع كل من يخالف عملية السلام. ربما هو ما سبب دافعا لدى الحكومة الأفغانية للتقارب المجدد من باكستان.
مشكلة بعنوان “العلاقة مع الهند”
أصبحت باكستان خلال 14 سنة الماضية وبسبب المشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية أضعف أمام منافستها الهند. فقد زادت الهند طيلة هذه الفترة في مكانتها الدولية عبر اقتصادها المزدهر وأصبحت قوة اقتصادية كبيرة في آسيا، أما باكستان فقد ظهرت في هذه الفترة في مكان يعج بالاضطراب بل ويصدر الاضطراب والعنف إلى دول أخرى.
وفي هذه الفترة ساعدت الهند أفغانستان كثيرا، وحصلت على مكانة كبيرة لدى المسؤولين ولدى الشارع العام أيضا.
تزامنا مع زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى أفغانستان، أشارت الصحافة الباكستانية مرة أخرى إلى تواجد أكثر من عشر قونصلية هندية في أفغانستان والتي تجري بزعم هذه الصحافة نشاطا استخباريا ضد باكستان، وأن القونصلية الهندية في ولاية قندهار تدعم الانفصاليين البلوش ضد باكستان.
يبدو أن دور الهند في أفغانستان يشكّل مشكلة باكستان الأساسية في هذا البلد، لكن الآونة الأخيرة شهدت محاولات لتحسين العلاقات بين البلدين من الممكن أن تؤثر على الأوضاع الأفغانية أيضا.
في مؤتمر قلب آسيا كان ملف تحسين العلاقة بين الهند وباكستان على رأس الأجندة، ويبدو أن تطورا حدث في الأمر. فبعد زيارته إلى كابول توجه مودي رئيس الوزراء الهندي إلى لاهور وإلى لقاء مع نواز شريف نظيره الباكستاني. كانت هذه الزيارة غير متوقعة جدا إلى حد أن سرتاج عزيز مستشار رئيس وزراء باكستان لم يكن على معرفة بها، ولم يستطع المشاركة في استضافة رتّبها نواز شريف لمودي.
قبل هذه الزيارة وفّرت بداية تنفيذ مشروع “تابي”، والذي من المقرر أن ينقل غاز تركمانستان إلى أفغانستان وباكستان والهند، أرضية تعاون بين البلدين. كل ذلك علامة جيّدة لتقلص النزاع في المنطقة وقد يؤثر على الأوضاع الأمنية الأفغانية.
جلسة رباعية
قبل زيارة راحيل شريف إلى كابول، قال سرتاج عزيز مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للإعلام إن جلسة رباعية ستُعقد في إسلام آباد أو كابول، بين أفغانستان وباكستان وأمريكا والصين. وأضاف سيتم في هذه الجلسة تشكيل لجنة رباعية من أجل المراقبة وطرح آليات لعملية السلام الأفغانية.
إن تصريحات سرتاج عزيز تلفت النظر، فبما أن الحكومة الأفغانية تدّعي دوما بأن دورها هو الدور الأول في مفاوضات السلام، لكنه لم يتحدث أي من المسؤولين الأفغان قبل ذلك عن عقد مؤتمر رباعي بشأن أفغانستان. ربما يكمن سببه في عدم معرفة أفغانستان عن قرارات تأخذه الدول الأخرى بشأن أفغانستان، وتعلمه أفغانستان بعد الدول الأخرى وحتى بعد باكستان.
لكن الأفغان ذاقوا مرارة جلسة رباعية كهذه. فعلى أعتاب الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، عُقدت جلسة رباعية في جنيف بين أمريكا، وباكستان، وحكومة كابول، والاتحاد السوفيتي من أجل إحلال السلام في أفغانستان، وأسفرت عن مستقبل سيء للبلد. فلم يشارك في هذه الجلسة أي مندوب من قبل المجاهدين وكانت باكستان تنوب عنهم في الواقع.
والآن أيضا تقف أفغانستان على أعتاب جلسة رباعية أخرى، وعبر تلك السياسة الفاشلة، بفارق أن الصين احتلت محل الاتحاد السوفيتي السابق.
من المقرر أن تأخذ هذه الدول الأربع قرارا بشأن السلام الأفغاني بين الحكومة والمخالفين وأن تقدم مقترحا حول ذلك ولكن في غياب طالبان. هذا وقد مددت الأمم المتحدة العقوبات الموضوعة على طالبان لمدة سنة أخرى.
نددت حركة طالبان بهذا القرار واعتبرته مانعا على طريق السلام في أفغانستان. جزء من العقوبات وضع أسماء قادة في طالبان على القائمة السوداء.
من جهة أخرى هناك سؤال مهم: أي مجموعة من طالبان ستحضرها باكستان على طاولة الحوار؟ فإن من يأتي إلى المفاوضات من دو أن يكون له ثقل في صفوف القتال لن يجدي ذلك في عملية السلام شيئا.
ففي هالة كهذه من الغموض والتناقض، هل يمكن أن يتم عقد الأمل على مفاوضات تسفر عن السلام لبلد عانى من ويلات الحرب كثيرا؟
النهاية