بعد سنة ونيّف من تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، في أفغانستان، ليس البلد متجها نحو الاتجاه الذي وعد به زعماء هذه الحكومة أثناء حملاتهم الانتخابية. فبناءً على تحقيق لـ”مؤسسة آسيا”، وبرأي 58% من الأفغان يمر البلد بأوضاع حرجة في المجال الأمني والاقتصادي والفساد الإداري والحكومة الجيّدة. وبرأي كثير من المواطنين تتمثل أزمة البلد في أربع نقاط وهي الاضطرابات الأمنية، والفساد الإداري، والبطالة والوضع الاقتصادي السيء، ويعاني المواطنون من البطالة، والأمية الفاشية، والوضع الاقتصادي، وقلة الفرص التعليمية في الدراسات العليا[1].
في المجال الاقتصادي ومنذ فترة تتراجع العملة الأفغانية باستمرار أمام الدولار الأمريكي، وتقلص الاستثمار في السنة الجارية. فلماذا تراجعت العملة الأفغانية وتقلص مستوى الاستثمار في البلد.
سعر العملة الأفغانية خلال عام مضى
بعد أن جرت في شهر إبريل/نيسان 2014م، الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأفغانية، كان معدل سعر العملة الأفغانية بشكل شهري 57.22 أفغاني أمام دولار واحد. وفي نهاية هذه الانتحابات الطويلة كان المعدل 57.1 أفغاني، بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإلى نهاية عام 2014م، أصبح معدل سعر دولار واحد أمام العملة الأفغانية 58.18 أفغاني. وفي الشهرين الأولين من بداية عام 2015م، ارتفع سهر الأفغاني مجددا أمام الدولار، ففي يناير كان سعر دولار واحد 57.56 أفغاني، وفي شهر فبراير أصبح 57.4 أفغاني.
بعد شهرين أولين من عام 2015م، بدأت العملة الأفغانية تتراجع أمام الدولار الأمريكي، وهي مستمرة في ذلك حتى الآن. وفي الشهر الجاري (نوفمبر2015م)، وفي الأسبوع الأخير كان سعر دولار واحد 67.25 أفغاني. (راجع الجدول الأل).
لماذا تتراجع العملة الأفغانية؟
هناك عوامل عدة تلعب دورا في تراجع العملة الأفغانية، منها:
أولا، ارتفاع سعر الدولار في الأسواق الدولية: إن تراجع العملة الأفغانية أمام الدولار الأمريكي ليس شأنا أفغانيا فقط، بل ارتفع سعر الدولار الأمريكي أمام العملات الأخرى وبشكل غير مسبوق طيلة 40 سنة الماضية. لو ننظر إلى سعر الدولار أمام يورو في الشهر الماضي فقط، نرى هناك ارتفاعا في سعر الدولار. ففي شهر ديسمبر 2014م، كان سعر دولار واحد 0.81 يورو، ووصل الآن (في نوفمبر2015م)، إلى 0.92 يورو[2]. وهكذا ارتفع سعر الدولار أمام العملات الأخرى أيضا.
ثانيا، الوضع الاقتصادي السيء: الوضع الاقتصادي السيء للبلد، والذي ارتفعت فيه البطالة مقارنة مع 14 سنة الماضية، وهناك فرق كبير بين التصدير والاستيراد، الاستثمار نحو التقلص، والوضع الاقتصادي نحو التردي، وتراجعُ العملة الأفغانية سبب ارتفاع العملات الأخرى وبكل ذلك تراجعت العملة الأفغانية.
ثالثا، القيمة الاصطناعية للعملة الأفغانية: طيلة 14 سنة الماضية، لم يكن سعر العملة الأفغانية مرتفعا بسبب الحالة الاقتصادية المتردية، بل كان سعرها على أساس اصطناعي. وكلما انخفض سعر العملة الأفغانية أتت الحكومة الأفغانية بمبالغ كبيرة من الدولار، وبذلك كانت ترفع سعر الأفغاني، وبناءً على أساسات العرض والطلب كانت العملة الأفغانية تقل والدولار يزداد ويرتفع سعر الأولى. ومع أن أسعار العملات تتقرر بسبب أساسات العرض والطلب، إلا أن التصدير والاستيراد يلعبان دورا كبيرا في ذلك.
رابعا، مغادرة الشباب الأفغاني إلى أوروبّا: منذ أن توجه الشباب الأفغاني إلى أوروبّا بطرق التهريب، يتم التعامل مع المهربين بالدولار الأمريكي، وهو أمر رفع طلب الدولار في السوق من جهة، ومن جهة أخرى يخرج جزء كبير من هذا الدولار من أفغانستان ويقل الدولار في البلد. من هنا ارتفع سعر الأفغاني أمام الدولار الأمريكي.
خامسا، انخفاض طلب العملة الأفغانية في السوق: قبل هذا كان كثير من الأفغان يعملون مع المؤسسات الأجنبية، ويحصلون على رواتبهم بالدولار. وكانت هذه المبالغ تذهب إلى السوق لشراء العملة الأفغانية، وهو أمر كان يرفع من مستوى طلب العملة الأفغانية وكانت الحكومة أيضا تعرض الدولار إلى السوق لرفع العملة الأفغانية، وكل ذلك كان يرفع سعر العملة الأفغانية. الآن وبعد أن أغلق كثير من المؤسسات وقل العمل في كثير منها، فقد انخفض طلب العملة الأفغانية في السوق أيضا.
وضع الاستثمار
بشكل عام وفي مجتمع متخلف اقتصاديا، وخاصة في بلد جرّب الحرب طويلا يتم الاستثمار عموما في الأعمال العمرانية، (العمارات، والشوارع، والدكاكين…)، والزراعة والخدمات والمصانع. أفغانستان لا تخرج عن هذه القاعدة. وفي 14 سنة الماضية، تم أكبر جزء من الاستثمار في الأعمال العمرانية، والخدمات والمصانع. والاستثمار على هذه القطاعات يعوّل كثيرا على الأمن، وبقدر ما يكون الوضع آمنا، وتقل الاضطرابات الأمنية، فإن الاستثمار سيقل بشكل طبيعي.
من هنا تأثر الاستثمار في البلد وفي السنة الجارية بالاضطرابات الأمنية. برأي إدارة دعم الاستثمار الأفغانية، قل الاستثمار 26% في 9 أشهر الأولى من عام 2015م، مقارنة مع 9 أشهر الأولى من عام 2014م. ففي 9 أشهر الأولى من عام 2014م، تم الاستثمار بتكلفة 611 مليون دولار، أما في 9 أشهر الأولى من عام 2015م، تقلص الاستثمار إلى 448 مليون دولار.
في المجال العمراني تقلص استثمار عام 2014م، بتكلفة 200 مليون دولار إلى 83 مليون دولار في 9 أشهر الأولى من عام 2015م، وهي قلة بنسبة 85%. وشهد المجال الصناعي 25%، والمجال الزراعي 12%، والخدمات 9.63% من التقلص.
عوامل تقلص الاستثمار
وتكمن عوامل تقلص الاستثمار في النقاط الآتي:
أولا، الاضطرابات الأمنية: بشكل عام تشكل الاضطرابات الأمنية أبرز عامل يمنع الاستثمار الأجنبي في البلد، وقد قل من حدة الاستثمار الداخلي أيضا. يقول تقرير إدارة “آيسا”، إن الاستثمار في أكثر مناطق أفغانستان أمنا وهو كابل لم يقل بل ارتفع أيضا. فقد كان مستوى الاستثمار في 9 أشهر الأولى من العام الماضي 249 مليون دولار، وارتفع إلى 273 مليون دولار في 9 أشهر الأولى من عام 2015م[3].
ثانيا، عدم الاستقرار السياسي: وقد أثرت عملية الانتخابات الطويلة، وتأخر إعلان تشكيل الحكومة، والخلافات الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، على الاستثمار.
ثالثا، الفساد الإداري: الفساد الإداري وطلب الرشوة عامل بارز يسد نمو الاستثمار. وهناك شائعات في الإعلام تقول إن شبكات الهواتف تدفع إتاوة غير قانونية للمخالفين المسلحين.
رابعا، قلة الكهرباء: قلة الكهرباء عامل آخر يعرقل أنشط المصانع. فقد توقفت مثلا أنشطة مصانع المنتزه الصناعي في ولاية قندهار بشكل كامل تقريبا[4].
النهاية
[1] See online: http://asiafoundation.org/publications/pdf/1558
[2] See online: http://www.ozforex.com.au/forex-tools/historical-rate-tools/monthly-average-rates
[3] See online: http://www.bbc.com/persian/afghanistan/2015/10/151031_k05_afghanistan_aisa_investment_decreased
[4] See online: http://pa.azadiradio.mobi/a/26957266.html