منذ شهر وتحركت الأوساط السياسية الإقليمية والدولية تريد بدء محادثات السلام الأفغاني من جديد. فقد زار مساعد الرئيس الصيني أفغانستان، كما قام مندوب الصين الخاص بأفغانستان وباكستان بزيارة إلى هاتين الدولتين. إضافة إلى ذلك زار مندوب أمريكا ومندوب الأمم المتحدة باكستان لبحث هذا الملف.
فبعد أن تدهورت العلاقات الأفغانية الباكستانية كثيرا إثر الإعلان بوفاة الملا محمد عمر، صرّح المسؤولون الباكستانيون لعدة مرات عن جاهزية باكستان لبدء هذه المحادثات، ومن جهة أخرى تأمل الحكومة الأفغانية انطلاق هذه العملية من جديد.
ما هي السياسة الإقليمية بشأن عملية السلام؟ هل ستكون هناك مرونة في الموقف الأفغاني الرسمي؟ وما هي إمكانية انطلاق عملية السلام في المستقبل؟
تريد باكستان بدء عملية السلام من جديد!
بعد تدهور العلاقات بين أفغانستان وباكستان، صرح كثير من المسؤولين الباكستانيين –من الساسة والعسكريين-، لعدة مرات عن جاهزية بلدهم لبدء محادثات السلام من جديد. في الشهر الماضي زار رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف أمريكا، وقال في كلمة له في مركز دراسي: “قلت للرئيس الأفغاني إن إسلام آباد جاهزة لبدء محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، لكنهم لا يستطعون أن يقتلوا طالبان وأن يحضروهم إلى طاولة الحوار”[1].
من جهة أخرى كان ملف الأمن الأفغاني وعملية السلام الأفغانية على قائمة الحديث بين أوباما ونواز شريف، وجاء ذلك في البيان المشترك للبلدين بعد الزيارة، كالتآلي: “أظهر الزعيمان تعهدا بمحادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بالزعامة الأفغانية، وطلبا من حركة طالبان بأن تجلس في حوار مع الحكومة الأفغانية وأن تحاور من أجل سلام دائم”[2].
وفي الأسبوع الماضي قام الجنرال راحيل شريف قائد أركان الجيش الباكستاني بزيارة لمدة خمسة أيام إلى أمريكا، كان الملف الأفغاني على قائمة أجندة زيارته. مع أن تفاصيل زيارته الخاصة بأفغانستان تبقى غير معلومة، إلا أن الجنرال عاصم باجوا متحدث الجيش الباكستاني قال ضمن تغريدة له في صفحته على تويتر تمت في هذه الزيارة مناقشة موانع عملية السلام الأفغانية وطرق حلها بزعامة أفغانية.
عوامل جاهزية باكستان لبدء عملية السلام
بعد توقف عملية السلام الأفغانية بوساطة باكستانية، أصدر المسؤولون الباكستانيون منهم رئيس الوزراء، ووزير الخارجية بيانات متكررة حول جاهزية بلدهم لبدء محادثات السلام الأفغانية من جديد.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو: لماذا تظهر باكستان هذه الجاهزية لبدء المحادثات؟ ويمكن الإجابة عن هذا السؤال بشكل آتي:
أولا: رغم منح الجانب الأفغاني تنازلات كثيرة للجانب الباكستاني، لم ترفع باكستان أي خطوة جادة في عملية السلام، كل ما فعلت أنها وفرت أرضية لقاء مع عدد من قادة طالبان، من دون أي نتيجة. وبذلك جاءت باكستان تحت ضغط دولي كبير لأسباب عدة. أولا: أن باكستان لم تفعل ما كان بوسعها في عملية السلام، ثانيا: بعد جلسة مري في باكستان، وبعد اختيار الملا أختر منصور زعيما لطالبان في باكستان، تعزز موقف الرأي القائل بأن باكستان يمكنها أن تحضر طالبان إلى طاولة الحوار في حال رغبتها بذلك. ثالثا: مع الإعلان بوفاة الملا محمد عمر شعرت باكستان بعزلة في المجال الدبلوماسي فصارت تصر على بدء عملية السلام من جديد.
ثانيا: طيلة 14 صنة الماضية كانت هذه أول فرصة لباكستان لتحسين العلاقة مع الحكومة الأفغانية، وذلك بهدف خفض النفوذ الهندي في أفغانستان! وقد أشار التقرير الجديد لكونغرس الأمريكي إلى أن باكستان قلقة بشأن العلاقات الأفغانية الهندية القريبة. لذلك تخاف إسلام آباد أن تخسر هذه الفرصة.
الدبلوماسي الإقليمي
خلال أسبوعين مضيا، قام مندوبو الصين، وأمريكا والأمم المتحدة بزيارة إلى باكستان، وأصروا على ضرورة بدء محادثات السلام، وقبل ذلك زار مساعد الرئيس الصيني كابول، وأثناء زيارته قال الرئيس الأفغاني: “نحن ننظر إلى الصين وإلى أصدقائنا الدبلوماسيين بعين واحدة، وذلك لنرفع خطوات مستمرة من أجل سلام دائم، وبناء على مساواة بين أفغانستان وباكستان كبلدين مستقلين، وثم من أجل سلام إقليمي”[3]. كما وعبر مساعد الرئيس الصيني “لي يوان شاو”، عن دعم بلده لتحسين علمية السلام والعلاقات الأفغانية مع الجيران.
بعد هذه الزيارة قام مندوب الصين الخاص بأفغاستان وباكستان بزيارة إلى باكستان، وقد كان هذا المسؤول الصيني سفيرا لدى أفغانستان، وجاءت زيارته بعد زيارة مساعد الرئيس الصيني إلى أفغانستان. وبعد زيارته إلى باكستان قام بزيارة إلى كابول، والتقى مع زعماء حكومة الوحدة الوطنية، وقال إن الصين جاهزة لتوفير الأرضية للحوار بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، لأن سلام أفغانستان هو مصلحة للصين. واعتبر أن هدف زيارته كان الاطلاع على وجهة نظر باكستان وأفغانستان، وأضاف أنه سيقوم بزيارة إلى باكستان وأفغانستان بعد شهر.
وفي 11 من نوفمبر قام لوريل ميلر مندوب أمريكا الخاص بأفغانستان وباكستان بزيارة إلى إسلام آباد، والتقى مع طارق فاطمي مساعد وزير الخارجية الخاص. وزار هيشم مندوب الأمم المتحدة الخاص بأفغانستان، إسلام آباد والتقى مع سرتاج عزيز مستشار رئيس الوزراء الباكستاني في الشؤون الخارجية.
وفي كل هذه الزيارات واللقاءات تم التأكيد على ضرورة بدء محادثات السلام من جديد، وتم دعم الدور الباكستاني في هذه المعلية، وتم وضع ضغوط على باكستان من أجل إحضار طالبان إلى طاولة الحوار. لكن هل ستبدأ عملية السلام؟ نلقي على هذه الإمكانية نظرة عابرة.
إمكانية بدء عملية السلام
مع تحرك الدبلوماسية الإقليمية والدولية بشأن عملية السلام الأفغانية، هناك ثلاثة عوامل أخرى من الممكن أن تلعب دورا في بدء هذه العملية.
أولا: مع مجيء فصل الشتاء، وبناء على التجارب الماضية، من المقرر أن ينخفض مستوى عمليات طالبان، وأن يمهد ذلك الطريق أمام عملية السلام.
ثانيا: فيما يتم هذه المرة اختيار شخص محايد إلى حاد ما، لرئاسة المجلس الأفغانية الأعلى للسلام، وأن يكون ذلك من دون خلفية قتال مع طالبان، فإنها ستكون إشارة خضراء لحركة طالبان بأن الحكومة الأفغانية تريد هذه المرة محادثات سلام حقيقية.
ثالثا: هناك شائعات بأن عمر زاخيلوال مستشار الرئيس الأفغاني سيتم اختياره سفير أفغانستان لدى باكستان ومندوبا خاصا للرئيس الأفغاني. وقد أيد عمر زاخيلوال ذلك في صفحته على الفيسبوك وتويتر، بأن حديثا حول ذلك جرى مع الرئيس واتفق عليه الطرفان، لكنه قرار غير نهائي حتى الآن. فيما تم اختيار الرجل حقا في هذا المنصب، فإنها ستكون إشارة خضراء للجانب الباكستاني في هذه الفترة من العلاقات المتدهورة، وستكون خطوة جادة لبناء الثقة بين الطرفين. لأن دور باكستان في عملية السلام يعول كثيرا على الثقة. ففي الأوضاع الحالية تحكم حالة من انعدام الثقة الأطراف الثلاثة، الحكومة الأفغانية، وحركة طالبان والحكومة الباكستانية، ويمكن بناء الثقة بخطوات عملية فحسب.
النهاية
[1] See online: http://www.usip.org/publications/2015/10/23/pakistan-s-sharif-urges-renewed-peace-talks-in-afghanistan
[2] See online: https://www.whitehouse.gov/the-press-office/2015/10/22/2015-joint-statement-president-barack-obama-and-prime-minister-nawaz
[3] See online: http://pa.azadiradio.org/content/article/27342782.html