بعد عمليات الكر والفر بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في مدينة قندوز، انتشرت شائعات حول حدوث اتصال بين المسؤولين الروس وحركة طالبان، وقيل إن محادثات جرت في الحدود الأفغانية الطاجكية بين الطرفين. أظهر المسؤولون الأفغان قلقا تجاه الأمر واعتبره بعض نواب البرلمان تدخلا في الشؤون الأفغانية.
انتشر الخبر في الإعلام الغربي أيضا، ولكن المسؤولين الرسميين لا من الجانب الروسي ولا من الجانب الطاجيكي لم يظهروا أي ردة فعل ولم تصدر حركة طالبان أي بيان لتأييد الخبر أو رفضه. وفي حال حدوث مثل هذه المحادثات لن يكون ذلك حدثا جديدا، لأنه وفي السنوات الماضية وخاصة بعد نقل مكتب طالبان السياسي إلى قطر حدثت اتصالات بين الحركة وروسيا.
العلاقات الأفغانية الروسية أيام حكم طالبان
أثارت أنشطة طالبان الأولية عام 1995م، في أفغانستان قلقا لدى الجانب الروسي. اعتبرت روسيا هذه الحركة مؤامرة غربية من أجل خلخلة الأمن في آسيا الوسطى، فاتصلت بحكومة الأستاذ برهان الدين رباني في كابول.
من جانبها مدّت حكومة المجاهدين بزعامة الأستاذ رباني يد صداقة نحو روسيا لأنها رأت نفسها ضعيفة أمام طالبان، وفي خطوة مهمة عملت الحكومة وسيطة في محادثات السلام بين الحكومة الطاجيكية التابعة لروسيا بزعامة إمام علي رحمان، والمخالفين المسحلين الطاجيك بزعامة الأستاذ عبدالله نوري، فتم توقيع اتفاقية سلام بين الطرفين.
صرّح السيد توره جان زاده من قادة المعارضة المسلحة الطاجكية، في 14 من مايو 2013م، في برنامج “بعبارة أخرى”، لقناة بي بي سي الفارسية قائلا: “في البداية ساعدنا الأستاذ رباني وأحمد شاه مسعود، وعندما زاد ضغط طالبان عليهما، اتجهوا كثيرا نحو موسكو، فبدأوا يضغوطون علينا لنتفق مع (رحمان). فقد كنا ضحية لحرب حكومة الأستاذ رباني مع طالبان”.
وقتها ورغم الأزمة المالية ساعدت روسيا حكومة الأستاذ رباني، وبعد سيطرة طالبان على كابول انتقلت حكومة المجاهدين إلى شمال أفغانستان واستمرت المساعدات الروسية عبر الحكومة الطاجكية.
بعد الوصول إلى الحكم، وفرت حركة طالبان ملاذا آمنا في أفغانستان لمخالفي أنظمة آسيا الوسطى المسلحين، لكنها لم تسمح لهم بعبور الحدود وإجراء أي مناورات وعمليات عسكرية ضد هذه الأنظمة. وبعد أن دخلت حركة طالبان قندوز ثم مزار شريف، أصدرت بيانا مسالما لدول آسيا الوسطى وطمأنها أن لا خطر يهددها من الأراضي الأفغانية، وأن حركة طالبان تأمل بأن تكون حدودها مع الدول الجارة حدود سلم وصداقة.
لكن الحركة لم تكف عن روسيا التي كانت تساعد القوات المخالفة لها، فجرت اتصالات مع حكومة أصلان مسخدوف في الشيشيان والتي كانت تقاتل الروس، وأخيرا كان نظام طالبان أول وأخر دولة اعترفت بدولة الشيشان.
ثم أرسلت روسيا عبر سفارة طالبان في الإمارات المتحدة العربية رسالة رسمية إلى حكومة طالبان مفادها أن أفغانستان عليها دين روسي يبلغ 11 مليار دولار منذ 1979م. (هذه المبالغ صُرفت في الحرب الروسية في أفغانستان). فرد الملا محمد حسن وزير الخارجية في حكومة طالبان، بأنه ليس هناك أي دين روسي على أفغانستان، بل تحتفظ أفغانستان بحق طلب الغرامة من روسيا. تضع روسيا من جهة مسؤولية حرب أفغانستان ودمارها على عاتق الاتحاد السوفيتي السابق، ومن جهة أخرى ترى نفسها صاحب ميراث الاتحاد إن كانت هناك مصالح مادية.
بعد سقوط نظام طالبان
وفّر الغزو الأمريكي على أفغانستان وسقوط نظام طالبان فترة راحة لروسيا، لكنها كانت قلقة بشأن تواجد مقاتلي آسيا الوسطى وقوقاز في صفوف طالبان. ومع أن القلق كان منخفضا لتواجد هذه العناصر بعيدا عن شمال أفغانستان وحدود آسيا الوسطى، في المناطق القبلية في وزيرستان.
من المنظار الروسي لم يعد استمرار الحرب في أفغانستان يُعتبر في ضرر روسيا، لأن ذلك كان يمنع الغرب من مد اليد نحو آسيا الوسطى. وكانت الاضطرابات الأمنية في أفغانستان تمنع الصين من الوصول إلى حوض روسيا الخاص وهو آسيا الوسطى.
أكبر قلق روسي كان بشأن اتساع زرع وانتاج المخدرات في أفغانستان تحت سيطرة القوات الأجنبية، وكان الروس يعتبرونها حرب الحشيش ضدهم. ومن أجل طمأنة الروس سمحت أمريكا للروس بالمشاركة مع القوات الأمريكية والبريطانية في عدة عمليات ضد المخدرات.
علاقات طالبان وروسيا في السنوات الأخيرة
كان أول اتصال بين المسؤولين الروس وحركة طالبان في 2006م، و2007م، وذلك بشأن مكافحة تهريب المخدرات إلى آسيا الوسطى والتي كانت تصل إلى روسيا، فطلب الروس من طالبان منعه. يمكن أن نعتبر هذا الاتصال امتحانا روسيا لاستطاعة طالبان في مكافحة تهريب المخدرات، فلم تستطع طالبان فعل شيء وتلاشت العلاقة.
عام 2013م، قبضت حركة طالبان على ركاب طائرة مروحية هبطت لسوء الأحوال الجوية في ولاية لوكر، كان طيّارها (بترينكو) من أصول أوكرانية ومن أتباع روسيا. وفّرت مطالب حرية الطيّار فرصو اتصال بين روسيا وطالبان هذه المرة في دوبي، وقد أطلقت طالبان بعد شهور سراح الطيّار.
بناءً على ما مضى، يمكن القول إن الروس كانوا يبنون علاقات آنية لضرورتهم، ولم تكن هذه العلاقات من أجل مساعدة طالبان وخاصة مساعدتهم عسكريا لجعلهم مشكلة للقوات الأجنبية في أفغانستان، وقد حذّر المسؤولون الروس مرارا من عواقب انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان.
قلق حول توسع الاضطرابات إلى آسيا الوسطى
وفي الآونة الأخيرة أثارت أنشطة طالبان شمالي أفغانستان قلقا لدى الروس. وزاد من حدة القلق ادعاء الحكومة الأفغانية بأن حرب قندوز كانت تدور بزعامة وإدارة المقاتلين الأجانب ومعظمهم من القوات المسلحة من آسيا الوسطى في صفوف طالبان.
مع أن طالبان أعلنت من قبل عدم وجود أي برنامج لديها للحرب خارج أفغانستان، لكن ظهور “الدولة الإسلامية”، أو داعش وحرب طالبان معها شرقي أفغانستان غيّر الأوضاع تماما. أعلنت “الدولة الإسلامية”، أن العالم الإسلامي كله ضمن حوزته، وأن الأولوية لديها هي السيطرة على هذه المناطق.
من جهة أخرى، يشكل المقاتلون المتطوعون من آسيا الوسطى جزءا قويا من “الدولة الإسلامية”، في سوريا، حمل ذلك روسيا لضرب هذه القوات في سوريا من أجل كسر شوكتها في معركة سوريا ومنعها من التوسع والوصول إلى آسيا الوسطى يوما.
وبالنظر إلى الغموض الذي يلف ملابسات ظهور داعش عالميا، تقلق روسيا من وصول هذه الظاهرة إلى آسيا الوسطى، وتقف أفغانستان موقعا مهما في هذه المعادلة.
من جانب آخر، ستحمل سيطرة حركة طالبان على بعض المناطق الحدودية بين أفغانستان وآسيا الوسطى، وخاصة بعض المديريات في بدخشان، ومديرية درقد في تخار، الجانب الروسي لإجراء اتصال مع طالبان.
من هنا يرى بعض المحللين بأنه إذا رأى الروس أي خطر يهدد آسيا الوسطى من أفغانستان، فإنهم سيتدخلون مثل ما فعلوا في سوريا. وأما دعم روسيا العسكري للقوات المسلحة خارج إطار الحكومة الأفغانية من أجل مكافحة هذه القوات مع داعش ومنعها من الوصول إلى حدود آسيا الوسطى، شائعات بلا معنى، وأمر يبدو مستحيلا.
النهاية