تحرير: مركز الدراسات الاستراتیجية والإقلیمیة
ملاحظة: انقر هنا للحصول على ملف PDF لهذا التحليل.
___________________________________________________________________
ستقرؤون في هذه النشرة:
• الهجوم العسكري التاريخي لطوفان الأقصى وأثره في أفغانستان
• ردة الفعل والموقف الرسمي
• موقف الأمة الإسلامية
• الأفغان وفلسطين
• مسؤولية الأفغان تجاه القضية الفلسطينية
___________________________________________________________________
كيف بدأت هجمات طوفان الأقصى؟
في صبيحة يوم الأحد 15 من برج ميزان عام 1402هـ ش، الموافق 7 اكتوبر عام 2023م اهتزت منطقة الشرق الأوسط بسبب الهجوم العسكري الذي قامت به كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس من داخل عزة المحاصرة، حيث قامت بشكل ماهر ومنظم وتحركت برًّا وجوًّا صوب الأراضي المحتلة، وعقبت هذه الهجمات التأسيسات العسكرية والمساعدات الميدانية المنظمة، وقامت باقتحام تسعة مراكز عسكرية، وقتلت الجنود اليهود فيها، وأسرت من أسرت، وقامت بدخول المستوطنات اليهودية، حتى تظهر لليهود وللعالم قدرة الجناح العسكري لحركة حماس والمتمثلة في كتائب القسام، وأن فلسطين لن تصبح الأرض الآمنة للمحتل، وعليها الانسحاب فورًا من جميع الأراضي المحتلة وتسليم الأراضي المحتلة لأصحابها الحقيقيّين.
قام الاحتلال الصهيوني الغاشم بمواصلة الظلم والوحشية في ظل حماية الولايات المتحدة الإمريكية ودول الغرب، وضيقت الخناق على السكان الأصليين للمنطقة، والتجاوز على حرمة المقدسات الإسلامية، وأذية المصلين داخل حرم المسجد الأقصى، والنيل من قدسية وحرمة الأماكن المقدسة والمسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين، ومنع المسلمن من الصلاة والعبادة فيه. إضافة إلى أنهم هتكوا حرمة المساجد المجاورة للمسجد الأقصى، وقتلوا المصلين العزل والشباب المسالم والأطفال والنساء، وتسبب سكوت المجتمع الدولي ومنظّمات حقوق البشر على تجاوزات المحتل الصهيوني في نفاذ صبر الفلسطينيين الشجعان، حتى قاموا بهجوم عسكري مباغت يعدّ الأشجع من نوعه في الوقت المعاصر أمام الترسانة الصهوينة المزيفة.
وكانت هذه الحملة العسكرية مفاجئة للجميع، وخاصة للجيش المحتل الصهيوني، حتى اختل توازن صفوف السياسين والجيش والاستخبارات الصهيونية، ولم يتمكن الجيش المحتل الصهيوني الغاشم من التفكير واتخاذ القرارات أمام هجمات حركة حماس إلى 72 ساعة من بدء طوفان الأقصى، ووقف عاجزًا تمامًا، حتى أن الرئيس الصهيوني نتنياهو فقد صوابه، ولا يمكن العثور في خطاباته إلا على البيانات التهديدية والتصريحات الفارغة، ولم تتمكن الجلسات الصهيونية ذات الشأن من اتخاذ القرار المناسب، لما سببته لهم هذه العمليات من توتّر في جميع النواحي.
ردة الفعل والموقف الرسمي
منذ بدء طوفان الأقصى و بنيامين نتياهو (رئيس حكومة اليمين المتطرف الصهيوني) في تواصل مستمر مع عدّة دول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الإمريكية ودول الغرب، وكان القلق الأعظم بعد هجوم حركة حماس هو نشوء حملات متشابهة من قبل المنظمات المسلحة الأخرى في الحدود اللبنانية والسورية ضد الاحتلال الصهيوني.
في مثل هذه اللحظات الشديدة، نلاحظ وقوف الدول الأروبية والولايات المتحدة الإمريكية في صف الاحتلال الصهيوني، ونجد أن رئيس الولايات المتحدة الإمريكية يقف في صف الأوكرانيين ضد الاحتلال الروسي، وفي قضية فلسطين واحتلال الصهاينة يخالف القوانين الإنسانية والعرفية ويرسل شيكًا مفتوحًا إلى نتنياهو ويقف بجانب الاحتلال الصهيوني ضد المواطنين العزّل في غزة، ويعلن حمايته للمحتل الصهيوني. ولم يتوقف عند حده، بل أعلن إرسال سفينة حربية محملة بالطائرات إلى منطقة الشرق الأوسط لمساندة الاحتلال الصهيوني.
ويطمئن الرئيس الإمريكي الجانب الإيراني ملمحًا أن إرسال مثل هذه السفينة الحربية لا يعدّ اشتراكًا في الحرب، ولكن حماية لإسرائيل ومصالحها المشتركة. وفي المقابل عندما استلمت إيران هذه الرسالة طمأنت الجانب الإمريكي والإسرائيلي المحتل بأنها لن تهاجِم المحتل الصهيوني ما لم تهاجَم. وإن كان حزب الله اللبناني المتحد مع إيران، قام بعمليات شكلية ضد الاحتلال بعد 8 اكتوبر، لكنها لم تكن مناسبة مع القدرة القتالية لحزب الله، ولم تكن رادعة بأن تخفف من ضغط الضربات الجوية الوحشية الصهيونية المتوالية على أهل غزة خلال الأربع والعشرين ساعة. في حين أن إيران التي تدعي فتح القدس؛ نجدها مع الجماعات المسلحة الموالية لها في المنطقة محايدة في هذه المعركة التاريخية لتحرير فلسطين. مما أدى إلى جرأة الاحتلال لزيادة عملياته الوحشية حيث قام بقصف غزة وتسبب في قتل الكثير من المواطنين العزل، و٧٠٪ من ضحايا هذا القصف هم الأطفال والنساء. وحتي يخفي الاحتلال الصهيوني هزيمته التاريخية قام بقصف المستشفيات وقتل من فيها من الأطفال والنساء تحت حماية النظام الدولي وأنظمة حقوق البشر والدفاع عن حقوق الأطفال والنساء, وأثبت مرة أخرى وحشيته للعالم والتي لم يسبق مثيلها خلال قرن من الزمان.
في هذه الظروف نلمح من الدول الإسلامية العربية وغير العربية، أمثال: السعودية ومصر والسودان والأردن وباكستان وتركيا وماليزيا وأندنويسيا و غيرها الموقف الخجول لها أمام هذه القضية المصيرية. إضافة إلى أنهم لم يرفعوا أصواتًا تعلن حمايتها لحقوق الفلسطينيين ضد الاحتلال الصهيوني؛ ونجدهم بصمتهم وإصدار البيانات الدبلوماسية أعطو الاحتلال الصهيوني فرصة وإشارة إلى اتخاذ كل ما في وسعهم ضد حركة حماس وأهل غزة، في حين يعد موقف قطر والكويت مشكورًا لمناشدتهم وقف الحملات الجوية من قبل الاحتلال على غزة، وإرسال مساعدات إنسانية عاجلة داخل غزة. ونلحظ الموقف السعودي أحسن نسبيًّا عما قبل، في حين أننا لم نلمس المتوقع من رجب أردوغان رئيس جمهورية تركيا في هذه الحملات الوحشية الصهيونية، ولم يتخذ الموقف القوي المناسب، مع أنه عدّ هذه الحملات الصهوينة ظالمة ووحشية وضد الإنسانية. ولم يكن في تصريحاته تلك اللهجة الشديدة السابقة، وربما ذلك بسبب المشاكل الاقتصادية التركية وتوقع المساعدات الإمريكية وحلفائها لها، لكن لن ينس المسلمون وأهل غزة هذا الموقف الضعيف من شخصية قوية مثل أردوغان.
موقف الأمة الإسلامية
ممّا نحمد الله عليه أن الأمة الإسلامية – مع تسلط وتجبر الحكومات المستبدة الموالية للغرب – أمّة حيّة ، ولها مواقف مشرفة تتناسب مع إيمانها وضميرها اليقظ. وتتفاعل مع قضايا المسلمين تفاعلا إيجابيّا يعكس مدى وحدتها، وخاصة في طوفان الأقصى من خلال الرسائل والمشاركات الفعالة والواسعة في صفحات التواصل الاجتماعي. وقامت الأمة الإسلامية بإرسال رسائل تهنئة لحماس على العمليات المفاجئة على المراكز العسكرية للمحتل، وأظهرت تضامنها مع أهل غزة خلال رسائل كتابية وخطب ومواعظ منبرية، والقيام بمظاهرات في الشوارع تنديدا على الحملات الصهيونية الغاشمة، وتأييدًا لطوفان الأقصى والنداء بتحرير المقدسات الإسلامية وتطهيرها من دنس اليهود المحتلين. واللجوء إلى الله تعالى علانية وسرّا بالدعاء لأهل غزة بالنصر والصبر والثبات، وإظهار هذا الموقف الإيجابي بصور مختلفة حسب الوسائل المتاحة.
والحمد لله لم يكن موقف الشعب الأفغاني المجاهد خاليًا في هذه الأزمة وغيرها، فنرى منذ بداية طوفان الأقصى وسائل التواصل الاجتماعي الأفغانية مليئة برسائل التهنية ببدء الفتح وشد العزيمة على أيدي مجاهدي حماس، وإظهار شعارات ضد المحتل الصهيوني، والنداء بالموت لإسرائيل وإمريكا. ونرى غالبية الشعب الأفغاني أعلنوا حمايتهم وتضامنهم مع مجاهدي حماس وأهل غزة، وأنكروا الحملات الوحشية الجوية للمحتل على المناطق السكنية في غزة.
وفي يوم الجمعة 21 من برج ميزان، الموافق 13 اكتوبر قامت مظاهرات في جميع الولايات الأفغانية الكبرى من قبل الشعب الأفغاني ضد الاحتلال الصهيوني والهجمات الجوية الغاشمة على أهل غزة المسالمين. وشهدت عدة نواحي مثل: كابل وجلال آباد ونيمروز وغور مظاهرات حاشدة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني وخاصة مع أهل غزة، وتندد بالاحتلال والحملات الجوية الغاشمة، وشارك في هذه المظاهرات بجانب الشعب أساتذة الجامعات، والشباب، والعلماء والمجاهدين بعد صلاة الجمعة في الساحات العامة، ومصليات العيد. وقام المتحدثون في المظاهرات نيابة عن الأطياف والعرقيات المختلفة في المجتمع وأعلنوا تضامنهم ودعمهم لحركة حماس وتأييدهم الكامل لطوفان الأقصى وأهل غزة، ورفعوا شعارات تصرح بأن قضية فلسطين هي قضية الأمة الإسلامية، ويجب على الشعب الأفغاني الغيور أن يساهم في إرجاع الحرية للشعب الفلسطيني، ونددوا بشعارات مخالفة للسياسة الدولية وموقفها، ونادوا بالموت لإسرائيل وإمريكا وحلفائها.
الأفغان وفلسطين
ارتباط الأفغان بأرض الإسراء والمعراج وفلسطين وبيت المقدس ارتباط قديم تاريخي، ففي عصر الخلافة العثمانية كان الآلاف من الحجاج الأفغانيين يزورون بيت المقدس وهم عائدون من الحج، وفي عام 1043 هـ ق قام عدد من الأفغان ببناء زاوية باسم (الزاوية الأفغانية) قريبة من (باب الغوانمة) أحد أبواب المسجد الأقصى، والتي تمّ وقفها وضمها لأوقاف القدس من قبل الوالي العثماني في ذلك الزمان: محمود باشا، ولا تزال إلى هذا العصر وقفًا. وهذه الزاوية الأفغانية مشتملة على مسجد واثنا عشر حجرة صغيرة، تحت تصرف الحجاج الأفغان وخدمتهم، وفي باقي أيام السنة تدار فيها حلقات الذكر. هذه الزاوية بجانب الزاوية البخارية، والهندية وغيرها تقوم باستقبال الحجاج استقبالا حافلا وخدمتهم. وفي ذاك الزمان كانت أفغانستان تحت أراضي الخلافة العثمانية، وكان الشعب الأفغاني يسافرون إلى فلسطين بكل حرية وبدون أي مانع. حتى أن بعض العائلات الأفغانية سكنت قريبة من مدينة (يافا) الساحلية، لكن بعد احتلال الصهاينة وحوادث عام 1948م هاجر هؤلاء الأفغان إلى (نابلس) و (قلقيلية) و (القدس)، ولا زالوا مستوطنين هناك. الزاوية الأفغانية في بيت المقدس تسمى أيضًا بالزاوية القادرية نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله. ومن المشايخ السابقين في هذه الزاوية الحاج عبد الله ابن رحمدل شاه، وهو من مواليد (قره باغ) في ولاية غزنة الأفغانية، وشغل منصب المرشد في هذه الزاوية من عام 1938م إلى أن توفي عام 1979م، هذه الزاوية الأفغانية لا زالت نشطة وتقدم الخدمات، ومسؤولها الشيح عبد الكريم الأفغاني، وتقام فيها حلقات الذكر، والبرامج الدينية كلّ عام.[1]
وأظهر الشعب الأفغاني داخل أفغانستان تعاطفهم واهتمامهم بقضايا الأمة الإسلامية عامة، وعلى رأسها قضية فلسطين والمسجد الأقصى خاصة، وقدمت ما في وسعها لها، وينظر الشعب الأفغاني إلى أن الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن القبلة الأولى وثالث الحرمين، وأنه أمر مهم وعبادة وجزء من الدين، ولهذا أعلنوا عداوتهم للكيان الصهيوني واحتلاله الغاشم للمقدسات الإسلامية، وحبهم وولاءهم لمجاهدي فلسطين والمرابطين في الأقصى.
هذا التضامن والتعاطف له سابقة تاريخية قديمة، حيث وقف محمد هارون المجددي ابن المرحوم محمد صادق المجددي السفير السابق لأفغانستان في مصر في صفوف مجاهدي جماعة الإخوان المسلمين ضد الجيوش البريطانية المدافعة عن الصهاينة في قناة السويس، وهذا مما تسبب في اتهامه وسجنه في سجون مصر.
وفي أواسط العهد الملكي الأفغاني في حكومة محمد ظاهر شاه آخر ملوك أفغانستان، قام العلماء والمناهضون في كابل بمساعدة المجاهدين في القدس، وجمعوا المساعدات لهم في المساجد والتجمعات العديدة، والدعاء لهم بالنصر، وعند قيام النهضة الإسلامية في الجامعات الأفغانية والمجامع العلمية في أفغانستان يلاحظ الدفاع عن القدس وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني من المواقف الثابتة للشباب الأفغاني، وقيامهم بالمظاهرات المختلفة والمتعددة وكتابة المقالات وإظهار الشعارات المؤيدة للشعب الفلسطيني والمنددة بالاحتلال الصهيوني والنداء بالموت لليهود وأعوانهم.
بعد انقلاب عام 1357هـ.ش والتجاوز الغاشم والوحشي من قبل الجيش الأحمر الروسي على أراضي أفغانستان، قام الشباب الغيور من الأمة الإسلامية من مختلف الدول بالذهاب إلى باكستان والاشتراك في الجهاد الأفغاني المقدس ضد الروس والالتحاق بقافلة المجاهدين، ومن بين هؤلاء المشاركين المئات من أبناء فلسطين، ضحوا بأنفسهم في الجبهات المختلفة وجاهدوا بكل شجاعة، واستشهد العشرات منهم في أرض الأفغان واختلط دم هؤلاء الشهداء الفلسطينيين الطاهر بدماء بقية الشهداء الأفغان . وقد رسخت هذه الرابطة والأخوة الإيمانية بين الشعبين الفلسطيني والأفغاني، وفي أواسط العقد الثامن من القرن العشرين لما وصل الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفيتي مرحلة حساسة، التحق العالم الرباني والداعية الفلسطيني الدكتور عبد الله عزام ـ رحمه الله وتقبل شهادته ـ إلى موكب المجاهدين ونصرة إخوانه في الجهاد المقدس وقام بمساعدة المجاهدين ماديا ومعنويا، وقد استطاع أن ينشأ مؤسسة لخدمة المجاهدين، كما قام بتنسيق وجمع المساعدات للمجاهدين الأفغان ونصرتهم. وكان – مع ما أوتي من علم وتمكن في الشريعة – ممن يرى أن الجهاد في أفغانستان فرض عين على كل قادر. وتمكن من خلال هذه الفتوى الجريئة أن يجلب أكثر الأفراد والمؤسسات الفكرية والسياسية إلى الوقوف بجانب الجهاد الأفغاني، وببركة جهوده المتواصلة استطاع أن يجلب المساعدات من الدول المختلفة للجهاد في الداخل وللمهاجرين في الخارج.
ولما كان الشيخ عبد الله عزام -رحمه الله- في أرض الهجرة عام 1987م، كان الزعيم الروحي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في ذلك الوقت الشيخ ياسين، وتأسست تلك الحركة المباركة وبدأت الانتفاضة المباركة من داخل فلسطين، وكان الشيخ عزام يتمنى العودة إلى وطنه فلسطين بعد انتصار الجهاد في أفغانستان والوقوف بجانب حماس وخدمة الانتفاضة المباركة. لكن أعداء الحرية والإنسانية لم يمكنوه من تحقيق أمنيته، ففي 24 نوفمبر 1989م تمّ اغتيال الشيخ عزام بلغم مع اثنين من أولاده محمد وإبراهيم في مدينة بشاور الباكستانية ظلمًا وأشربوه كأس الشهادة. صحيح أن الشيخ عزام لم يلتحق بالانتفاضة والحركة الجهادية، لكن العشرات من المجاهدين الذين رباهم الشيخ عزام وتدربوا في ساحات القتال ضد الروس، واكتسبوا التجارب العسكرية الكافية تركوا أرض الهجرة والتحقوا بصفوف المقاومة في فلسطين ليخدموا تلك الحركة الجهادية المباركة.
مسؤولية الأفغان تجاه القضية الفلسطينية
مع ما سبق بيانه من الارتباط القوي والديني والتاريخي الذي يربط الشعب الأفغاني بفلسطين، ومع تلك العواطف الحسنة مع المقاومة الحالية مع مجاهدي غزة ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، لا تزال هناك مسافات خالية بين هذه الرابطة، والتي لا بد أن تسد هذه الفجوات، ومن أهم تلك الفجوات ما يلي:
- التقصير في الوصول ونقل الأخبار الصحيحة:
للأسف الشديد أكثر الأفغان وخاصة القنوات الإخبارية والاجتماعية لعدم معرفتهم باللغة العربية، يأخذون الأخبار الفلسطينية والأخبار المرتبطة بالشرق الأوسط عمومًا من قنوات ومنابع فارسية وبريطانية؛ والتي تخدم بنحو ما سياسة المحتل اليهودي، في المقابل يقوم المحتل اليهودي بمساعدتهم ماليًّا، وبهذه الطريقة يحاول الاحتلال الصهيوني إخفاء الحقائق على العالم. لذا يحاول المحتل الصهيوني من خلال هذه القنوات العميلة أن يظهر للعالم أنه مظلوم وأن ما يقوم به تجاه الفلسطينين الظلمة من قتل وتشريد هو من حقهم المسلّم به.
وهذا مما أثر سلبًا للأسف على بعض التصورات الخاطئة تجاه القضية الفلسطينية المبنية على المعلومات الخاطئة والمغلوطة في بلادنا تجاه الفلسطينين، وكان الأولى أن لا يحصل مثل ذلك. وعلى أقل تقدير يجب أن نعرف أن بعض القنوات المرتبطة بأفغانستان، مثل: قناة أفغانستان انترنشنل وقناة من وتو (أنا وأنت)، وقبلها قناة بي بي سي، وصوت أمريكا وغيرها ليست قنوات معتمدة، وفي المقابل يمكن الاعتماد على قناة الجزيرة باللغة الانجليزية إن لم يتمكنوا من اللغة العربية، إضافة يمكن الاعتماد والاستماع من القنوات الفلسطينية المباشرة الواضحة والمتنوعة، وأن يستمعوا إلى الأخبار مباشرة منها.
- نقص المعلومات عن طبيعة الحرب الفلسطينية وتاريخها:
أكثر الأفغان من الجيل الجديد للأسف إلى الآن لا يعلمون أن إسرائيل دولة غير شرعية، وأنها بمساعدة الأوربيين وخاصة البريطانيين زرعت في قلب العالم الإسلامي لخدمة أهدافها الاستعمارية في المنطقة.
ومع بدء الحرب العالمية الأولى لعبت بريطانيا دورًا قذرا في إسقاط الخلافة العثمانية، وأنشأت هذا الاحتلال الصهيوني لتفصل إفريقيا عن العالم العربي، وعملت على تجزئة العالم الإسلامي الذي كان متحدًا تحت راية الخلافة العثمانية.
ومن العجب أن وزير الخارجية البريطاني (بلفور) قبل أن تسقط الخلافة العثمانية أعطت الحركة الصهيونية العالمية وعدًا عام 1916م بإقامة دولة لهم في فلسطين، ويعتبر هذا الوعد من أشد الوعود سخرية في التاريخ؛ لأن هذا وعد ممن لا يملك حقًّا شرعيًّا لمن ليس لهم أي حقّ شرعي.
وفي هذا الوقت كانت فلسطين تحت حكم الخلافة العثمانية، وكان عدد قليل جدًّا من اليهود يعيشون في فلسطين، وسعت بريطانيا خلال الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية وبمساعدة الحركة الصهيونية العالمية إلى الاستيلاء على معظم الأراضي الفلسطينية بعد سقوط الخلافة العثمانية، وقامت بريطانيا والحركة الصهيونية العالمية بنقل عشرات الآلاف من اليهود من الدول المختلفة في العالم إلى فلسطين، ودربتهم ومولتهم بالسلاح والعتاد، وشوقتهم للقيام والحرب ضد السكان الأصليين في فلسطين، وفي نفس الوقت قامت بجمع الأسلحة بحجج ماكرة مختلفة من الفلسطينين، وسلبت منهم جميع أنواع الإمكانات الموجودة لديهم.
ومع هذه المساعي من قبل البريطانيين لإيجاد دولة مستقرة للصهاينة في فلسطين لم يكن في قبضة اليهود في عام 1947م سوى 3 % من الأراضي الفلسطينية، وبقية الأراضي كانت في أيدي الفلسطينين.
- الجهل بماهية وأصل الحركة الصهيونية العالمية:
يجب أن ندرك أن هناك رابطة وعلاقة قوية مباشرة بين وجود المحتلّ الصهيوني في قلب العالم الإسلامي والمحافظة على المصالح الغربية في المنطقة. فقد كان على الغرب بعد الحقبة الاستعمارية وتقوية الحركة ضد الاستعمار في العالم الإسلامي، لأجل إبقاء العالم الإسلامي منقسما، ونهب ثروات هذه المنطقة الغنية بالنفط، وإلى جانب تنصيب القيادات العميلة في هذه المنطقة، كان عليه أن يزرع وجودا غر متناسق في هذه المنطقة؛ فلا هو يتوافق دينيا ولا تارخيا مع ما هو موجود في المنطقة، ولا يمكن بقاؤه على قيد الحياة بدون مساعدة الغرب. وكان للغرب في هذا هدفان كبيران، الأول: أن يكون لهم تسلط سياسي واقتصادي دائم على المنطقة، والثاني: عدم إعطاء أي فرصة للثورة والنهوض الإسلامي مرة أخرى بعد سقوط الخلافة العثمانية.
لهذا فإن الحركة الصهيونية دولة محتلة، وقامت على أساس خيانة للفلسطينين وإيجاد دولة غير مشروعة لهم تخدم المصالح والمنافع الاستراتيجية الغربية أولا، وفي نفس الوقت يكون اليهود بحاجة إلى الغرب للبقاء في فلسطين المحتلة، ولذلك فالغرب يساند اليهود بكل قوة.
ومن أول الشروط المتفق عليها بين إمريكا وأي دولة خليجية مقابل المحافظة على أمن الدولة الخليجية ومساندتها سياسيًّا واقتصاديا هو تعهد الدولة الخليجية بعدم المساس بأمن الاحتلال اليهودي، ولهذا لا تحرك هذه الدول العربية أي ساكن، لخوفها من المحتل في المنطقة، ومن إمريكا التي تحميها، وفي المقابل تقوم إمريكا بكل ما لديها من قوة من الوقوف إلى جانب المحتل، وتقوم بتوجيه الجنايات التي تقوم بها دولة المحتل في المنطقة، بل لا تعتبرها جناية أصلا، وتزعم أن ما يقوم به الكيان الصهيوني هو حق مشروع له في الدفاع عن نفسه، وتصور للعالم أنه على حقٍّ فيما يقوم به من أي عمل إرهابي. ولاتسعى خطوة واحدة في مجال الدفاع عن فلسطين وحقوق الفلسطينيين، ولاتقبح صراحة الجنايات التي تقوم بها الحركة الصهينونية العالمية.
- الانتقال من الكلام إلى العمل:
وصلت المقاومة الفلسطينية الحرة إلى المرحلة الأساسية، ويشاهد بوضوح إنهيار الجيش المحتل من الداخل، وآخر هذه العلامات هي طوفان الأقصى لحركة حماس، والتي أسفرت عن قتل أكثر من 270 جندي وضابط صهيوني، وأسر أكثر من 200 ، وجرح الآلاف ألآخرين منهم، إضافة إلى ذهاب ومحو الصورة العالقة في أذهان العالم عن أن الدولة الصهيونية هي أقوى دولة في المنطقة، وفي العالم، وأنها تملك جيشًا لا يقهر، فكيف استطاعت مقاومة بسيطة منقطعة عن العالم التوغل في أعماق الدولة الصهيونية، مع ما تملك من أقوى شبكة استخباراتية في المنطقة على حد زعمها. ولم تتمكن من كشف عملية طوقان الأقصى بجانبها. لذا قرر المحتل الصهيوني في مقابل طوفان الأقصى أن يعيد تصحيح سمعته ومكانته التي سلبت منه، فقام بالانتقام هادفا ما يلي:
- تمطير وحشي جوي بالقنابل على أهالي غزة العزل، بحجة أنهم يدافعون عن طوفان الأقصى والعملية المسلحة ضد إسرائيل.
- تضاعف عدد ونسبة الخسارة في صفوف الفلسطينين مقارنة بالخسارة في صفوف اليهود، حتى يستروا العار الذي حلّ بهم وبحكومة نتنياهو عسكريًّا
- إجبار السكان في مناطق شمال غزة بالهجرة إلى الجنوب الآمن، ومن ثم ترك فلسطين إلى الأبد، وتحويل الهجرة المؤقتة إلى هجرة دايمة خارج فلسطين كما حصل في حرب عام 1948م.
- منع حركة المقاومة الفلسطينية ومجاهدي حماس من الحماية الشعبية لها. وإدراجهم في القائمة السوداء للإرهابيين حسب تعبير الغرب، وبمساعدة الغرب لهم سياسيًّا، وإبعادهم نهائيا من شمال غزة، ولا ننسى في الوضع الحالي أن أغلب من يقف في صف الكيان الصهيوني يعدون المشاركة في الحرب البرية والدخول إلى غزة نوعًا من الانتحار.
- في ظل هذه الظروف الصعبة المحيطة بأهل غزة لا يعد التنديد باللسان فقط للعدو الصهيوني، او الاكتفاء بالدعاء فقط عملا مناسبا لأي مسلم وخاصة للشعب الأفغاني الذي يريد العدل والصلح. كما تعد المساعدات المالية في هذه الظروف من أهم الضرورات التي يجب توفيرها لأهل غزة؛ لتهيئة المواد الغذائية، ومعالجة المصابين والجرحى، وإرسال الأدوية والإسعافات الأولية لهم، وخدمة المتضررين الذين أصبحوا بلا مأوى ومسكن. وعلى من يملك القدرة أن يمد يد العون والمساعدة لإخوانهم الفلسطينيين عبر المؤسسات المعتمدة في الدول المختلفة إلى جانب مساعدة المتضررين في زلازل هرات. وكلنا نعلم ضرورة فضيلة الجهاد المالي، وأنه ليس أقل من الجهاد بالنفس، والمسؤولية الأخرى التي هي على عاتق جميع الأفغان هي السعي في تصحيح المفاهيم حول قضية فلسطين، وأنها قضية الأمة الإسلامية، وأنها قضية مرتبطة بالمقدسات الإسلامية وبثالث الحرمين الشريفين. والسعي في كشف حقيقة المحتل الصهيوني الغاشم ، وتآمر دول الغرب والموالين لهم ضد المقدسات الإسلامية في المنطقة. وكذلك المساندة القوية للمقاومة الجهادية في غزة، وتقبيح وتنديد الجنايات التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين عامة وأهل غزة خاصة. إلى جانب ذلك على الأمارة الإسلامية في أفغانستان التنديد والتقبيح لما تقوم به دولة الصهاينة من الجنايات اليومية على أهل غزة. وإظهار الوجه المخفي السيء لشركاء المحتل الصهيوني بدءا من إمريكا والغرب وانتهاء بالدول العربية الإسلامية العميلة والمطبعة مع إسرائيل وإعلان العداوة معهم، وتحذير الشعب من مخططاتهم الإجرامية. ومثل هذه الخطوات والتنديدات وغيرها تعكس إيجابا موقف الأمارة الإسلامية في العالم، مع أن العالم لم يعترف بعد بحق الأمارة الإسلامية كحكومة شرعية للبلاد، لكن هذا الموقف يعد إيجابيًّا ومثمرا ومفيدا لحرية فلسطين، ويكون تأثيرها سلبيًّا على العدو الصهيوني المحتل.
الخاتمة
[1] https://www.aljazeera.net/news/alquds/2016/7/18/الزاوية-الأفغانية-بالقدس-اعتزال-