الفساد الإداري…  وصمة عار على الحكومة الأفغانية

استضافت العاصمة الأفغانية في الأيام القليلة الماضية، قمة “ريكان”، و”سم”، المهمتَيْن، وتمت فيهما مناقشة التعاون الاقتصادي الإقليمي، وملف المساعدات الدولية مع أفغانستان، وعرض الحكومة الأفغانية إنجازها أمام المجتمع الدولي في مجال مكافحة الفساد. مع أن المساعدات الدولية للحكومة الأفغانية كانت رهن مكافحة جادة مع الفساد الإداري، إلا أن هذه الحكومة لم تنجز ما يُذكر في هذا المجال أيضا.

وفي الأسبوع الماضي، تم عقد مؤتمر للعلماء ضد الفساد الإداري، أكّد فيها أشرف غني الرئيس الأفغاني على دور العلماء في مكافحة هذه الظاهرة، رأى من الضرورة أن تبدأ العلماء “جهادا”، ضد الفساد، وذلك سدا لهذه المشكلة، وقال إن الشعب والعلماء ليسوا منخرطين في الفساد في أفغانستان، بل إن مجموعة من المسؤولين والمهربين تصنع هذا العار للبلد.

وقبل أسابيع عدة نشر مركز للدراسات في العاصمة كابول، تحقيقا بشأن الفساد الإداري، واعتبرت الفساد أكبر مشكلة بعد انعدام الأمن والبطالة.

ورفعت الحكومة الأفغانية خطوات في مجال مكافحة الإرهاب، لكن كثيرا من الخطط بقي حبرا على الورق، وكانت أحاديث الرئيس الأفغاني المخالفة مع الفساد، في الأسبوع الماضي من أجل جلب المساعدات الدولية.

أفغانستان والفساد الإداري

إن الفساد الإداري في البلد يهدر حقوق الشعب، ويدفع سكان البلد سنويا ملاين الدولار للمسؤولين الحكوميين كـ”إتاوة”. إضافة إلى ذلك يُعتبر الفساد الإداري وصمة عار على الحكومات، فإن كثيرا منها تسقط أو تتغير إثر تواجد وتفشي الفساد فيها. من هنا يلعب الفساد دورا مهما في بقاء الحكومات أو انهيارها، لكن أفغانستان ليست البلد الوحيد الذي يواجه هذه المشكلة، بل هي أزمة معاصرة تواجهها كثير من الدول.

ورتّبت منظمة النزاهة الدولية أفغانستان في تقريرها السنوي لعام 2014م، في الدرجة الرابعة، وفي معايير هذه المنظمة، كلما قلّصت درجة رصيد البلد، كثر فيها الفساد. وحصلت أفغانستان على 12 درجات، وجاءت من بين 175 دولة في 172، وتقدّمت منها في الفساد صوماليا، وكوريا الشمالية، والسودان.

محاولات أخيرة ضد الفساد

اتخذ أشرف غني أثناء حملاته الانتخابية موقفا صارما تجاه الفساد الإداري، واعتبر ذلك أولوية حكومته، وفتح في اليوم الثاني من رئاسته أكبر ملف مصرفي في تاريخ البلد. وقدّم في مؤتمر لندن مقالا بعنوان الإصلاح الاقتصادي، جاء فيه مكافحة الفساد الإداري. ونذكر من بنود هذه المكافحة الآتي:

  • إحداث مهمة مكافحة الفساد الإداري، بوقت محدد وصلاحيات التنفيذ،
  • إجراء إصلاحات في إدارة المراقبة العالية،
  • إحداث لجنة التوفير المالي، تقوم بدراسة العقود الكبيرة، وذلك لتحفظ البلد من شر الفساد[1].

مع أن الإدارة المذكورة لم يتم إحداثها بعد، كما ولم تجر أي إصلاحات في إدارة المراقبة العالية، لكن لجنة التوفير المالي بدأت عملها في القصر الرئاسي وتحت مراقبة الرئيس نفسه وهي تقوم بدراسة العقود. وقال أشرف غني في مؤتمر العلماء الأسبوع الماضي، إن الحكومة استطاعت بأن تحافظ على 8,5 مليار دولار عبر دراسة العقود فقط.

جذور الفساد الإداري في أفغانستان

إن العائق الأكبر أمام الحكومة الأفغانية في إزالة الفساد هو عوامل هذه الظاهرة المتجذرة في البلد وأصحاب القوى.

ويظهر بعض الإحصاءات ارتفاعا ملحوظا في مستوى الفساد داخل العقود، والجمارك، والمؤسسات العدلية  والقضائية، وفي الشرطة والجيش، ولو نمعن في الإحصاءات المختلفة لـ”إدارة مراقبة النزاهة”، ندرك أن مؤسسة القضاء ومؤسسة الشرطة تقدّمتا الجميع في الفساد ضمن إحصاءات هذه الإدارة في 2012م، و2014م.

إضافة إلى ذلك، لقد تفشى الفساد في الجمارك والعقود، وأشار إلى ذلك الرئيس الأفغاني ضمن كلمته  قائلا: “إن خمصا يبلغ 50% أو 60% يجري على أموال أصحاب القوى في الجمارك، وأصبحت العقود الحكومية أكبر مصدر للفساد، وتُمنح العقود كثيرا لغير المحترفين”[2].

لا تبدو إزالة الفساد من الجمارك والعقود ومؤسسة القضاء والشرطة أمرا سهلا، وهي بحاجة إلى موقف صارم من قبل الحكومة والإصلاحات. ويمكن تقليص الفساد في مؤسسة القضاء والعدل عبر إصلاحات، لكن إزالة الفساد في الجمارك تحتاج إلى (الإصلاحات والموقف الصارم معا)، لأن الجمارك تخضع لضغوط أصحاب القوى في الولايات.

ملف وزارة إحداث المدن وكابل-بانك

وفي ملف كابول بانك، تمت سرقة ما يزيد عن مليار دولار، وكانت أكبر فضيحة في تاريخ أفغانستان المصرفي، فتح ملفه القضائي أشرف غني في يومه الثاني رئيسا للبلد، وعلى حد قول مؤسسة القضاء الأفغانية، حصلت الحكومة على 50% والبالغ (440 مليون دولار)، من مجموع المبلغ المسروق.، وأن محاولة تجري للحصول على البقية.

ومن جهة أخرى، هناك تهم بسرقة مئات ملايين الدولار، على ستة من الرؤساء في وزارة إحداث المدن، ملفه الآن قيد التحقيق ومن المقرر أن يذهب إلى المحكمة.

أما في مجال الفساد لا يوجد ملفان اثنان فقط، لتنتهي المشاكل بنهايتهما، بل أصبح الفساد ثقافة في كثير من المؤسسات الحكومية، وليس من شأن فتح ملفين اثنين أن يفك الأزمة كلها.

طرق الحل والمقترحات

يمكن أن نقسم مكافحة الفساد إلى قسمَيْن:

أولا: مؤسسات وقوانين مؤثرة ضد الفساد،

ثانيا: تنفيذ القوانين ضد الفساد.

مع أن قوانين ضد الفساد الإداري تم وضعها في أفغانستان، وتم إحداث بعض المؤسسات من أجل مكافحة الفساد، ورغم هذه المحاولات لم ينخفض مستوى الفساد، ويرجع العامل الأكبر في ذلك إلى عدم تنفيذ القوانين المخالفة مع الفساد. منها مثلا، يحكم القانون بتسجيل ممتلكلات المسؤولين الحكوميين، ولكن تظهر أرقام إدارة مراقبة النزاهة بأن 9607 استمارة تم توزيعها في 16 ولاية، لم تتم تعبئة هذه الاستمارات من قبل 3448 شخصا[3].

ويرى صناع السياسة العالمية إلى النزاهة كأولى خطوة في مجال مكافحة الفساد الإداري، ومن هنا يقترحون في بلدانهم قانون الحصول على المعلومات، ويطلبون تعديل القوانين الموجودة أيضا. مع أن قانون الحصول على المعلومات تم عرضه على البرلمان الأفغاني وتمريره بتأخير كبير، لكنه بحاجة إلى التعديل أيضا، لأن مصطلحات مثل الأمن القومي، والمصلحة القومية وغيرهما أدرجت فيها من دون تعريف دقيق[4].

من جانب آخر هناك ضرورة لإجراء إصلاحات في النظام المصرفي، برأي إدارة مراقبة النزاهة و”سيكار”، إن البنك المركزي له مراقبة ضعيفة على البنوك الأخرى، وهناك ضرورة للإصلاحات[5].

في مجال مكافحة الفساد، تبقى هونغ كونغ مثالا رائعا، فإنها كانت منخرطة في الفساد في 1960، وفي 1970م، ولكنها أزالت الفساد برفع خطوات إصلاحية. وكان ضمن هذه الإصلاحات إحداث إدارة لمكافحة الفساد، انقسمت إلى ثلاثة فروع آتية:

أولا: تنفيذ القانون،

ثانيا: تحقيق حول الفساد الإداري،

ثالثا: توعية عامة في الأوساط الشعبية.

مع أن إدارة مكافحة الفساد تم إحداثها في كثير من الدول، لكن إدارة هونغ كونغ اختلفت مع غيرها في أنها استغلت 70% من وسائلها في تنفيذ القوانين المناهضة للفساد. كان الاهتمام الأكبر على تنفيذ القانون، ومن جانب آخر تم استخدام أصحاب المواهب والتدريب والدراسات العليا في هذه الإدارة، وزاد بذلك أثر الإدارة كثيرا.

النهاية

[1] Christine Roehrs, Return of the Goodwill? London Conference as symbol of a new start, 1 december 2014, see online https://www.afghanistan-analysts.org/return-of-the-good-will-london-conference-as-symbol-for-a-new-start/

[2]  See online:

http://www.bbc.com/pashto/afghanistan/2015/09/150901_hh-ghani-speech-on-corruption

[3] See online:

http://www.iwaweb.org/_news/news0034_asset_registration_process_of_gov_officials.html

[4] See online:

http://iwaweb.org/_news/news0020_signing_ati_law_by_afg_president.html

[5] See online:

https://www.sigar.mil/pdf/audits/SIGAR%2014-16-AR.pdf

الفساد الإداري…  وصمة عار على الحكومة الأفغانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى