مع تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية” في أفغانستان، وبعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا والناتو، كانت إعادة النظر في العلاقات بين أفغانستان وباكستان أكبر خطوة رفعها الجانب الأفغاني.
مع أن أشرف غني كانت معه تجربة حكومة سلفه كرزاي، وأن الأخير زار باكستان 15 مرة من دون أن يقنع إسلام آباد بأن لا تدعم طالبان، وبقيت علاقاته باردة إلى آخير أيام حكمه.
مشكلة الحكومة الأفغانية الحالية هي أنها حكومة ائتلافية، وفي كل أمر ينبغي أن تتفق الجهات المشاركة فيها، ويبدو أن الفريفقين كانا على وفاق على التقارب من باكستان، وكانت تلك رغبة أمريكية، في أن تحل أفغانستان مشكلتها مع باكستان بالتفاوض.
وكان من المنتظر أن تظهر سياسة التقارب مع باكستان، بعد زيارة أشرف غني إلى باكستان، وزيارة المسؤولين الباكستانيين إلى أفغانستان، نتائج إيجابية. خلقت أول جلسة تم عقدها في أورومتشي بوساطة باكستانية الأمل بإنهاء الحرب، عقبتها جلسة أخرى في إسلام آباد بين مندوبي الحكومة الأفغانية وأفراد لحركة طالبان.
تأجيل المفاوضات
ومع الأمل بأن تصل المحادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان إلى نتائج واضحة، وكانت التقارير تفيد بطلب أفغاني حكومي بطرح هدنة ضمن المحادثات، تم الإعلان بوفاة الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان وهو ما أوصل المحادثات إلى وضع غير معلوم. ومن ثم اجتماع حركة طالبان قرب مدينة كويته الباكستانية من أجل البيعة مع الملا أختر منصور جعل الحكومة الأفغانية تتهم مرة أخرى باكستان بدعم طالبان.
وأظهرت التفجيرات الكثيرة في كابول، وسقوط مديرية “موسى قلعة”، في ولاية هلمند، بأن طالبان رغم خلافاتها الداخلية تسير في خطى الحرب، ومن هنا أتهمت باكستان مرة أخرى بخلخلة الوضع الأمني وتدهورت العلاقات من جديد.
دعايات مناهضة لباكستان
توجه في الفترة الأخيرة الجنرال دوستم النائب الأول للرئيس الأفغاني إلى ولاية فارياب المضطربة، وادعى في كلمة له أمام وسائل الإعلام أن حربه ليست ضد طالبان، بل هي حرب ضد باكستان وآي إس آي. وادعى أيضا أن جنرالا باكستانيا يقود الحرب ضده في ولاية فارياب[1].
وفی هذه الآونة الحسّاسة، تم ترميم سد سلما في ولاية هرات بدعم هندي، وعقبتها دعايات كثيرة لصالح الهند في مواقع التواصل الاجتماعي، ونشرت صور لحرق العلم الباكستاني في كابول وفي بعض الولايات الأخرى، ولرفع العلم الهندي مما أثار سخطا باكستانيا كبيرا.
وأثرت حملة مقاطعة الأمتعة الباكستانية في مواقع التواصل الجمعي على الحكومة، وجرت في كابول من قبل بعض المجموعات تسجيل الأسماء للذهاب إلى قتال باكستان، وبذلك تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أبعد مما كانت أيام حامد كرزاي[2].
يبدو أن الطرفين لهما ضروريات كثيرة للتقارب رغم هذا التدهور، وشارك في مؤتمر “ريكا”، في كابول، سرتاج عزيز نيابة عن باكستان، والتقى المسؤولين الأفغان على هامش المؤتمر من أجل تحسين العلاقات الثنائية.
منافسات الدول الإقليمية
شارك في جلسات أورومتشي وإسلام آباد مندوب الصين المراقب إلى جانب مندوب أمريكا المراقب، ومنها يبدو أن أمريكا تعطي أهمية للدور الصيني في هذه المفاوضات. وقال السفير الصيني في أفغاستان إن بلده ستحاول بأن تحمل باكستان على العمل المشترك مع الصين وأفغانستان في مجال مكافحة الإرهاب.
من جهة أخرى، ومع محاولات لإخفاء شدة المنافسة بين الهند والصين في المنطقة، إلا أن الهند ليست راضية عن دور باكستان والصين في أفغانستان، وتشعر بأنها تخسر أفغانستان لصالح باكستان. ويأتي إعلان عدم مشاركة وزير الخارجية الهندي في جلسة “ريكا”، ضمن هذا القلق الهندي.
زيارة سوزان رايس إلى كابول
حذّرت أمريكا باكستان بأن دعم أمريكا المالي البالغ مئات الملايين من الدولار يبقى رهن مكافحة باكستان الجادة ضد الإرهاب. وفي زيارتها إلى باكستان طرحت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي اتهامات الجانب الأفغاني مع المسؤولين الباكستانيين، وطلبت من باكستان أن تكون جادة في مكافحة الإرهاب، كما وطلبت إجراءات مشددة ضد شبكة الحقاني المتورطة في إعمال عنف في أفغانستان.
وفي المقابل قال سرتاج عزيز مستشار رئيس الوزراء الباكستاني في الأمور الخارجية، إن باكستان أزالت شبكة حقاني ولا يوجد أُثر لها في البلد، بل ذهبوا جميعا إلى أفغانستان.
زيارة السيدة رايس علامة قلق أمريكي من تدهور العلاقات بين أفغانستان وباكستان. وقد أضاف النزاع المسلح بين الطرفين في الحدود الوضع سوءا، وكان من دوافع زيارة رايس إلى باكستان، ومن جهة أخرى تريد أمريكا بأن ترغّب الصين في لعب دور أنشط في عملية السلام الأفغانية.
لا يمكن اعتبار زيارة رايس مهمة في الوساطة بين الطرفين الأفغاني والباكستاني، بل هي تريد تحسين العلاقة بين باكستان والهند أيضا. يقف سوء العلاقة بين الهند وباكستان عاملا للوضع الأمني المتدهور في جنوب آسيا، وتريد أمريكا من هاتين الدولتين الذريتين أن تحلا مشكلتهما على الكشمير.
رغم ذلك كان من أهداف زيارة رايس إلى باكستان، ترغيب المسؤولين الباكستانين البدء من جديد بإجراء المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ويمكن ذلك إذا ما أصبحت الأوضاع اعتيادة. من جانب آخر خلقت الخلافات الداخلية في طالبان بعد رحيل الملا محمد عمر مشاكل أخرى في طريق المحادثات.
ما هو الخيار بعد باكستان؟
قال القاضي محمد أمين وقاد عضو في المجلس الأفغاني الأعلى للسلام، بأن مفاوضات السلام أمر مستحيل من دون وساطة باكستانية. وقال عضو في الوفد الأفغاني المفاوض مع طالبان، إن حركة طالبان ليست على قلب رجل واحد، ولا ندري أي مجموعة تملك صناعة القرار في أمور ذات أهمية مثل الهدنة. ومن هنا على باكستان أن تلعب دور الوساطة لعلاقاتها القريبة من طالبان، وذلك للتأكد من أن المشاركين في المفاوضات يكونون مندوبي طالبان حقا[3].
وقال عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي في الحكومة الأفغانية إن مفاوضات السلام لن تستمر بعد هذا بوساطة باكستانية، واتهم باكستان بعدم الصدق[4].
لكن مشكلة الحكومة الأفغانية تكمن في أنها لا تملك برنامجا دقيقا بشأن السلام. لأنها لو أرادت فعلا بأن لا تجري مفاوضات السلام بوساطة باكستانية عليها أن تشرع خطة أخرى. ومن ذلك إجراءها “مفاوضات أفغانية”، وتخوّل وساطة المفاوضات إلى جهة أفغانية محايدة، تقبلها حركة طالبان.
ولا تنحصر مشكلة الحكومة الأفغانية في الخلاف بين الذين شكّلوا هذه الحكومة، بل هناك عوامل أخرى، تؤثر على سياستها بشأن السلام، منها ضغوط ما يُسمى بالمجتمع المدني، والدعايات الكثيرة في الإعلام. ويرى البعض ما دامت الحكومة الأفغانية تبني سياستها بشأن السلام على تعليقات في الفيسبوك، فإنها لا تنجز أي شيء في هذا المجال.
النهاية
[1] See online:
http://www.1tvnews.af/fa/news/afghanistan/18186-2015-08-20-13-22-25
[2] see online:
http://jomhornews.com/doc/news/fa/69560/
[3] see online:
http://da.azadiradio.org/content/article/27215571.html
[4] see online:
http://www.payamerooz.net/NewsDetail.aspx?NsId=4603