مع أن مفاوضات السلام الأفغانية الداخلية لم تبدأ في وقت مبكر ولم تُنتج بعد بدئها إلا أجندات الجلسات القادمة – مع تأخير بالغ في ذلك أيضا – إلا أن الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية التي أسفرت عن فوز بايدن وحزبه الديمقراطي أظهر تأثيرا مباشراً للوضع الأمريكي على مسار السلام الأفغاني؛ وبات الجميع يرقب موقف الحكومة الأمريكية الجديدة حيال السلام بأفغانستان. وكانت الحكومة الأمريكية الجديدة قد أعلنت اعتزامها إعادة النظر في اتفاقية الدوحة الموقعة مع طالبان وإعادة تقييمها، مما يعني إمكانية أن تواجه الاتفاقية المذكورة عقبات وموانع. ومع التطورات الحاصلة في السلطة الأمريكية اعتزلت حركة طالبان جلسات المفاوضات وأوفدت بعض مندوبيها إلى عدد من الدول الاقليمية؛ في حين أن (فريق التفاوض المكلف) من قبل الحكومة الأفغانية كان في قطر.
اتفاقية الدوحة والحكومة الأمريكية الجديدة
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تُحدث تغييرات جذرية في سياساتها تجاه قضية أفغانستان واتفاقية الدوحة؛ حيث ستجدد النظر في بعض بنود الاتفاقية ومنها موعد خروج القوات الأجنبية من أفغانستان حيث ذكرت الاتفاقية أن على القوات الأجنبية مغادرة البلد في شهر مايو/2021م. صرحت الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة النظر في قضية خروج قواتها من أفغانستان وعدم خروجها وفق الجدول المحدد في الاتفاقية؛ كما أضافت أن خروج القوات الأمريكية في التاريخ المذكور سيخلق تحديات أمنية في أفغانستان. يبدو أن موعد خروج القوات الأمريكية من أفغانستان سيُمدد إلى أقل من سنة أخرى وستقبل حركة طالبان بذلك.
من جانب آخر، لم تبد الدول الأعضاء في حلف الناتو أي قرار حاسم تجاه أفغانستان وربطت موقفها بأوضاع البلد، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية طمأنت حليفاتها بأنها ستتخذ قراراتها المتعلقة بأفغانستان بعد أخذ المشورة منها. وقد ربطت دول حلف الناتو مواقفها بموقف الولايات المتحدة كذلك واعتزمت أن تتخذ خطواتها تجاه أفغانستان بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وقد صرح كل من وزير الدفاع ووزير الخارجية الامريكيين بالتزامهم بالحلول السلمية للحرب بأفغانستان؛ وبأن يتم فصل النزاع في البلد عبر التفاوض والحوار.
مع مرور وقت كاف على الانتخابات الأمريكية لم تثمر مفاوضات السلام الأفغاني في الدوحة النتائج التي كان المتوقع -او كان يتوقع -الوصول إليها ويبدو أن كلاً من الحكومة
الأفغانيّة وحركة طالبان تضيعان الوقت، كما يظهر أن عملية السلام الجارية ليست أكثر من حراك استعراضي.
اللقاءات الأخيرة بين الرئيس الأفغاني والشخصيات السياسية
التقى الرئيس الأفغاني أشرف غني في الأيام الأخيرة بعدد من الشخصيات السياسية الأفغانية؛ ويُقال إن الحكومة خلال فترة وجيزة ستعقد مؤتمرا في كابل يضم؛ شخصيات سياسية مؤثرة و ذات نفوذ بُغية الإسراع في تشكيل ائتلاف داخل إطار النظام الجمهوري للحكومة الأفغانية.
السلام بحاجة إلى تضحيات
لأجل إنهاء المأساة بأفغانستان والتي طال زمنها لا بد من بذل التضحيات وتقديم التنازلات من كلا الجهتين. إذا بقيت حركة طالبان تنتظر تغير الأوضاع وتسعى للحصول على المزيد من السلطة، و مهمشة بقية التيارات والجهات السياسية الموجودة في الساحة فحينئذٍ لن يصل البلد إلى حل ناجع؛ كما أن الحكومة الأفغانية إذا بقيت تسعى لاستكمال فترتها الرئاسية مستغلة عملية السلام الجارية ومتذرعة بالحجج الواهية کذالک لن یصل البلد الی حل الناجح. لذا على الطرفين أن يتحليا بروح الإيثار وأن يشعرا بمعاناة الشعب وأن يُبديا مزيدا من المرونة في مواقفهم ويضعا حدا لمعاناة الشعب الأفغاني الذي طالما احترق بنيران الحرب. من الضروري كذلك أن لا تُهمش الجهات الداخلية، وإذا تم تهميش التيارات الداخلية وخُصت السلطة بطرف من الأطراف فإن ذلك سيفتح السبيل أمام الفوضى ويُنذر بخطر الحروب الأهلية.
الحرب ليست في صالح أحد
في الحرب الدامية التي تجري في أفغانستان يسقط مئات الضحايا كل يوم كما يتم استهداف واغتيال الكوادر الأفغانية والعلماء والناشطين المدنيين والمراسلين من قِبل أيادي خفية؛ مما جعل الشعب يفقد صبره وبات يشعر باليأس مع طول مدة عملية مفاوضات السلام. مع أن الجميع متفقون على أن الحل الوحيد لمأساة أفغانستان هو السلام وأن السبيل الأوحد للخروج من الحرب هو التفاوض والحوار إلا أن الحكومة ما زالت تسعى لتطويل فترة بقائها؛ وفي الجانب المقابل تسعى حركة طالبان للحصول على المزيد من السلطة، وكل ذلك يجعل عملية السلام الجارية في الدوحة رسوماً استعراضية وذراً للرماد في العيون.
منذ بداية مفاوضات الدوحة لم يكن هناك أمل بأن تصل المفاوضات إلى نتيجة، وخُمن أن طرفي النزاع لن يصلا إلى حل دون أن تضغط الجهات الأجنبية عليهما؛ والآن بعد فترة طويلة يبدو أن ذلك الظن كان صحيحا؛ ويبدو أن عملية السلام الجارية في قطر لن تُثمر أي نتائج وتُظهر المؤشرات أن المفاوضات سيعقبها مؤتمر شبيه بمؤتمر بُن بألمانيا عام 2001 المیلادی.
على أية حال، إذا تمت المطالبة بمؤتمر مثل مؤتمر بُن أو برنامج شبيه بذلك فحينها ينبغي نقل النزاع من ميدان الحرب إلى طاولة الحوار. من خلال الحرب لن يتمكن أي طرف من الوصول إلى أهدافه؛ كما أن التأكيد على الحرب لن يكون في صالح أحد، ولن يؤدي حذف أي جهة إلى حل مشاكل البلد. إذا تم تخطي الحلول السلمية وتم التوسل بغيرها فحينها سيكون الشعب الأفغاني هو المتضرر الأساسي من الحرب؛ كما يستبعد أن تتكرر فرصة للتفاوض مثل الفرصة المتوفرة حالياً.