عمليات “الماس” شمالي أفغانستان

في الأسابيع الماضية، توجه الجنرال عبدالرشيد دوستم، النائب الأول للرئيس الأفغاني إلى ولاية فارياب شمالي أفغانستان بهدف إبعاد طالبان عن المنطقة. وكان يبدو في البداية أنه يقود القوات المسلحة ويحارب طالبان بدعم منها، ولكنه أمر لم يحدث[1].

فقد أمضى فترة في ولاية جوزجان، وكان يردد بأن هذه الحرب ضد باكستان والمخابرات الباكستانية[2]. وقد اصطحب معه أبنائه إلى ساحة القتال ليلعبوا دروهم بزيء عسكري في الدعاية لصالح دوستم.

ومع هذه الخطوة دُق جرس خطر عودة المليشيا إلى ميدان القتال في أفغانستان، وتعززت رؤية عودة أفغانستان إلى الماضي الأسود، الذي كسر وحدة البلد.

صناعة المليشيا والتجارب الماضية

في آخير أيام من الحكومة الشيوعية في أفغانستان، سادت في أوساط القوات الحكومية حالة من ضعف في المعنويات. لم تكن وقتها لدى القوات الحكومية أي نقص في العتاد، لكنها كانت تُجبَر على القتال، من دون أي دافع، وتوجهت الحكومة إثر ذلك إلى صناعة المليشيا. في البداية تمت الدعاية بأن هذه المليشيا لن تكون حرة طليقة في قراراتها، وأن الحكومة تراقبها. (وهو ما يردده الآن المسؤولون في الحكومة الأفغانية، ويسمون المليشيا بالشرطة المحلية).

تشكلت المليشيا أيام د.نجيب على أساس قومي، وصلت أخيرا إلى درجة كبيرة واتصلت بالمخابرات الأجنبية، وأسقطوا حكم نجيب ضمن مؤامرة وأجبروه على اللجوء إلى مكتب الأمم المتحدة في كابول.

وهذه المليشيا سببت استمرار الحرب، لتغييرها ولائها من حكومة المجاهدين إلى غيرها.

ضحايا عمليات “الماس”

توجه الجنرال عبدالرشيد دوستم، إثر دعايات كثيرة واستعدادات لازمة، في الأول من شهر “أسد”، للعام الهجري الشمسي 1394، إلى مناطق غير آمنة في ولاية فارياب. وكانت معه في الحملة ألفان من قوات مسلحة على دراجات نارية باسم (قوات الانتفاضة الشعبية).

وواجه سكان قرى ولاية فارياب الحدودية مع ولاية بادغيس هذا الهجوم، وبأن مناطقهم كانت خاضعة لطالبان، تمت سرقة أموالهم ولم تأمن حتى أعراضهم[3].

ويشكو السكان بأن طالبان سيطرت على مناطقهم لضعف القوات الحكومية، وأن السكان العزل لا يمكن أن يقاوموا أمام طالبان، والآن تتعامل معهم قوات دوستم كأنهم هم طالبان.

النزاعات القومية

ويظهر من إقدام هذه القوات على هذا العمل مدى ضعف الحكومة الأفغانية الحالية. فإن طرح الحرب مع طالبان على أساس قومي يضر إلى أبعد الحدود سيادة الحكومة، ويحد من سلطتها. واللافت أن أشرف غني الرئيس الأفغاني كان يوما اعتبر دوستم “قاتل الأفغان” لهذا السبب[4].

لا ينبغي أن نرى بأن الحكومة أبعدت القوات المسلحة المنظمة من هذه الميول، وفي الماضي شكى سكان مناطق بشتوية، بأن الحكومة أرسلت جنودا غير بشتون إلى مناطقهم للعمليات منها مقتل عدد من الشرطة المحلية من قوم “الهزاره”، في ولاية ميدان وردك، وقتل جنود غير بشتون في مديرية “تكاب”، و”أوزبين”، وفي ولاية هلمند وغزني. كلها يجسم خطرا كبيرا، وهو أن الحكومة غيّرت الحرب مع طالبان إلى نزاع قومي لا ينتج إلا عن عداوة بين أقوام البلد.

ذريعة تواجد الباكستانيين

تحدث دوستم في حرب شمال عن مقتل جنرال باكستاني باسم (شيخ)، على يده هو، ليظهر أنها حرب ضد باكستان. وقال إن هذال الجنرال الباكستاني كان مسؤول الحرب في أربعة ولايات هي فارياب، وبادغيس، وسربل، وجوزجان، لكن سكان المنطقة يقولون[5] إن القائد (شيخ)، كان من سكان ولاية فارياب ولا يزال حيا. واعتبر الجنرال دوستم في حوار مع الإعلام مقتل (شيخ)، علامة أن الحرب هي حرب باكستانية ضد أفغانستان.

ونقلت إذاعة “الحرية”، شكاية سكان المحل، من تعامل قوات دوستم، وادعى السكان بأن هذه القوات سرقت من بيوتهم، لكن المسؤولين الحكوميين في ولاية فارياب ينفون ذلك، ويرونها دعايات لطالبان، ومنعوا السكان من الذهاب إلى كابول للشكوى[6].

ونشرت وكالة “بجواك”، من مراسلها في المنطقة تقريرا جاء فيه، بأن قوات دوستم سرقت من بيوت السكان وأحرقت بعض البيوت[7].

كتب صحيفة ويسا عن كبار السن في مناطق خواجه كندو، وشاخ، وكنجك، ودو آبي، وغمي خان كلي، وباشل… بأن أربعة من قادة مليشيا دوستم أثناء الحرب الأهلية وهم (شمال، ونظر محمد، وهاشم مستانه، ونظام)، توجهوا نحو “قيصار”، على دراجات نارية وهاجموا على بيوت السكان وأموالهم وأرواحهم[8].

نتائج عمليات الماس

إن العمليات التي نُفذّت في ولاية فارياب، بزعامة الجنرال دوستم لم تحدث فيها خسارة كبيرة لطالبان كما تمت الدعاية لها، لأنهم غادروا المنطقة قبل ذلك، لكن الضحية الأكبرى كانت المدنيين. تمت سرقة بيوتهم وحرقها.

تجربة حرب العصابات في أفغانستان، تجربة طويلة، وتظهر أن المليشيا يمكنها الاستولى على المناطق لكن الحفاظ على تلك المناطق أمر صعب وشاق، لأنهم يثيرون السكان ضدهم، وبذلك يلتحق السكان مع مخالفيهم.

من جهة أخرى، القوات الداعمة للحكومة (نسمّيها مليشيا او قوات الانتفاضة الشعبية)، لا تطيع أثناء الحرب قيادتها، وقد اشتهرت مليشيا دوستم المشهور بـ”جيلم جم”، أنها يقال لها قبل الهجوم بأن السكان والأموال والأوراح في المناطق التي يسيطرون عليها ستكون في اختيارهم ما فعلوا.

الدستور الأفغاني وعمليات دوستم

إن ما فعله دوستم في الشمال مخالفة صريحة مع الدستور الأفغاني. فقد أسند الدستور الأفغاني مسؤولية الدفاع إلى القوات الحكومية، ولا يُسمح بتشكيل أي قوات أخرى بأي اسم. ومن أجل ذلك تمت مشاريع نزع السلاح من غير المسؤولين بمبالغ كبيرة من الدولار، أما الآن لا يسأل أحد عن دوستم، من أين حصلت قواته على السلاح؟ وهم أعضاء حزبه الذين دعموا أشرف غني أثناء الحملات الانتخابية.

بناءً على الدستور يُسمح لتشكيل الأحزاب السياسية في أفغانستان، ولا يُسمح للأحزاب السياسية بأن يكون لها ذراع عسكري، ويُمنع أيضا تأسيس الأحزاب على أساس قومي.

النهاية

[1]  صحيفة ويسا، عدد 78

[2] See online:

http://da.azadiradio.org/content/article/27198552.html

[3]  لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي:

http://da.azadiradio.org/content/article/27204290.html

[4] see online:

http://web.archive.org/web/20100103162326/http://ashrafghani.af/campaign/archives/1221

[5]  صحيفة ويسا، عدد 78

[6]  إذاعة “آزادي”، تقرير بعنوان:«‌شماری از اهالی فاریاب از افراد مسلح مربوط به جنرال دوستم شکایت دارند»، أي (عدد من سكان فارياب يشكون قوات دوستم المسلحة)، في الرابط التالي:

http://da.azadiradio.org/content/article/27204290.html

[7] See online:

http://www.pajhwok.com/dr/subscription-required?redirect_from=430329

[8]  صحيفة ويسا، عدد 80

عمليات “الماس” شمالي أفغانستان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى