حلت ذكرى مرور 41 سنة على اجتياح القوات الشيوعية لأفغانستان في وقتٍ ما زالت تنزف فيه جراح البلد الذي تهتك جسمه وتمزق.
مع أن الاتحاد السوفييتي الراحل قد فارق الحياة قبل سنين متأثرا بطعنات الجهاد الأفغاني المقدس، إلا أن السيف المسموم الذي أعمله الاتحاد السوفييتي في جسد الشعب الأفغاني ما زال يُسقط الضحايا تباعا وبألوان عديدة. يوميا يسقط عشرات القتلى والجرحى في أفغانستان. الفقر ضاربٌ بأطنابه في البلد على نحو غير مسبوق. الفساد بلغ ذروته دون أدنى رأفة في قلوب الضالعين فيه. لا مكان آمنٌ ولا ينعم أحد بالأمان في البلد، كما لا توجد حوكمة سليمة.
لعل سؤالا يطرق أذهان جيل الشباب في البلد حول العلاقة بين المعاناة المُنهكة التي تمر بها أفغانستان والاتحاد السوفييتي واجتياحه للبلد مع مرور أربعة عقود على تلك الفترة.
الجواب سهل للغاية، فالاتحاد السوفييتي هو من مهّد السبل في معظم الأوقات لحلول كل هذه الكوارث بالبلد، كما تركَ الاتحادُ أفغانستان في وضع يُشبه حالة الشاة الجريحة الملقية في وادي الذئاب. إذا لم يجتح الاتحاد السوفييتي أفغانستان لدعم الحکومة الشيوعية في ذلك الوقت لسقطت الحكومة الشيوعية في مدة وجيزة بأيدي الشعب الأفغاني ولشُكلت حكومة إسلامية وطنية في البلد توافق تطلعات الشعب.
في هذا التحليل نُلقي نظرة مقتضبة على الجرائم والمجازر المروعة التي ارتكبها الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، كما سنسلط الضوء على كيفية اجتياحه للبلد وخروجه منه.
من الاجتياح حتى الانهزام
في تاريخ 27/ديسمبر/1979م دخلت اللواء الأربعون من جيش الاتحاد السوفييتي أرضَ أفغانستان جوا وبرا بعد استعدادها للدخول بالتموضع قُرب الحدود الشمالية للبلد.
كان قائد اللواء هو الجنرال توخارينوف وكان المُرشد السياسي للكتيبة هو الجنرال فتكابوف، وكان الجنرال لويانوف هو رئيس ارکان القوات كما أن رئيس الاستكشاف الأمني كان الجنرال كركاكين.
اللواء رقم أربعين كانت متشكلة من مئة وحدة عسكرية مجهزة وأربع فرق مدججة بالمركبات العسكرية وهي فرقة المدافع وفرقة الصواريخ وفرقة الاتصال والميكانيكا وفرقة الدعم اللوجستي. بلغ عدد القوات المذكورة عام 1979م نحو ثمانين ألف جندي وقد ازداد العدد فيما بعد حتى بلغ 115 ألف جندي واستقروا في المواضع الاستراتيجية بالبلد مثل مطار كابل ومطاری باجرام و شيندند.[1]
هناك وثائق عديدة تكفي لإثبات تكرر إرسال خطابات الدعوة إلى الاتحاد السوفييتي من قبل الحكومة الأفغانية العميلة في تلك الفترة والتي كان يرأسها نور محمد تره كي (تراقی) وحفيظ الله أمين – وهما أول وثاني رؤساء مجلس الثورة الشيوعية الأفغانية والذي اعتلى كرسي السلطة في البلد – واشتملت تلك الخطابات على المطالبة باجتياح أفغانستان، وخصوصا بعد الثورة الشعبية بمحافظة هرات في تاريخ 15/مارس/1979.[2]
من الأسباب المهمة التي دفعت بالاتحاد السوفييتي لاجتياح أفغانستان تصفيةُ حفيظ الله أمين الذي بدأ بالركون شيئا فشيئا إلى مخالفي الاتحاد السوفييتي؛ وكذلك الخوف من تأسيس حكومة إسلامية في أفغانستان، والتطلع إلى المصادر الطبيعية الجوفية في أفغانستان، والسعي لتوسعة رقعة الاتحاد السوفييتي والدوافع الأيديولوجية کذالک.
اللواء السوفييتية الأربعون انخرطت في القتال مع الشعب الأفغانية لقرابة تسع سنوات ونتج عن ذلك حوالي مليونين من الشهداء ومئات الآلاف من الأيتام والأرامل وستة ملايين مهاجر ونصف مليون مُعاق؛ مع إضرار شديد بالاسس السياسية والاجتماعية فی البلد وانهيار الانظمة الاقتصادية والعسكرية الأفغانية، كما أن جيلا كاملا حُرم من التعليم ومُهدت الطرق لتدخل القوى الأجنبية الاخری في أفغانستان.
انخرط نحو 620 ألف مقاتل من الاتحاد السوفييتي في القتال مع مجاهدي أفغانستان وبعد نضال استمر لتسع سنوات خرجت قوات الاتحاد السوفييتي من أفغانستان في تاريخ 15/فبراير/1989م تجر أذيال الهزيمة الشنيعة التي لحقت بهم. وفق الإحصائيات الرسمية بالاتحاد السوفييتي فإن الخسائر التي لحقت بهم جراء اجتياحهم لأفغانستان هي سقوط 14751 قتيل و 47000 جريح وضياق نحو خمسين مليار دولار أمريكي وهو مبلغ باهظ في تلك الفترة.[3]
والأهم من ذلك أن الاتحاد السوفييتي إثر اجتياحه لأفغانستان دفع ضريبة تعادل قيمة وجوده وبقاءه حيث إن الاتحاد السوفييتي بعد عقد من الاجتياح المذكور تفكك وزالت مكانته المرموق من الجغرافيا السياسية الدولية.
نماذج من مجازر الجيش السوفيتی فی افغانستان
نتج عن اجتياح الجيش السوفيتی لأفغانستان سقوط مليونَي شهيد، وفيما يلي نذكر طرفا من المجازر التي حصلت حتى تكون تذكرة للجيل الشاب في أفغانستان.
في تاريخ 15/يناير/1980م تم إبادة 750 شخص من أهالي قرية غروشلاق بمديرية تشهار دره بولاية كندوز من قبل القوات الشيوعية.
في تاريخ 10/فبراير/1980م تم تصفية 250 شخص من سكان مديرية دشت أرتشي بولاية كندوز من قبل القوات الشيوعية.
في تاريخ 12/أغسطس/1980م تم إبادة نحو 1200 شخص من سكان محافظة ميدان وردج حال أدائهم صلاة العيد بالغارات الجوية التي شنتها القوات الشيوعية المحتلة.
في تاريخ 9/يناير/1981م شنت القوات الشيوعية هجمات جوية وأرضية راح ضحيتها أكثر من 200 شخص من سكان مديرية خان آباد بولاية كندوز وكان ضمن الضحايا نساء وأطفال وشيوخ قُتلوا دون أدنى رحمة.
في تاريخ 23/يونيو/1981م قُتل مئات المواطنين الأفغان إثر غارة شنتها القوات الشيوعية في قندهار بمعاونة من النظام العميل في كابل.
في تاريخ 27/يوليو/1982م هدمت القوات الشيوعية ست قرى في ولاية لوجر ضمن غاراتها العسكرية كما قتلت نحو 200 شخص في تلك الهجمة.
في تاريخ 29/يوليو/1982م تم إعدام 120 شاب بالرشاشات في إحدى أودية قرية جرماب بمديرية دهنه غوري بمحافظة بغلان.
في تاريخ 25/أبريل/1983م شنت القوات الشيوعية وعملاؤها الداخليين غارات جوية وأرضية على مدينة هرات وراح ضحيتها آلاف النساء والرجال والأطفال.
في تاريخ 09/ديسمبر/1983م تم تصفية 250 شخص من أهالي محافظة غزني من قِبل القوات الشيوعية.
في تاريخ 18/مارس/1984م قامت كتيبة من القوات العسكرية الشيوعية الخاصة بأخذ مجموعة من الشباب من مديرية تشبرهار بولاية ننجرهار في المروحيات قسرا ليُلحقوهم بالخدمة العسكرية، وقد قتل الجنود الروسيون 75 شخصاً منهم حين أرادوا الهروب.
في تاريخ 19/سبتمبر/1984م تم إبادة 150 شخص من أهالي محافظة بغلان إثر قصف جوي شنته الطائرات العسكرية الشيوعية والقوات العميلة التابعة لها.
في تاريخ 21/يناير/1985م تمت إبادة نحو 542 شخص أعزل بمديرية تشهار دره بمحافظة كندوز ضمن عمليات قتل جماعي شنتها القوات الشيوعية.
في تاريخ 14/أبريل/1985م سقط آلاف القتلى الأفغان في مديرية قرغه يي بمحافظة لغمان جراء غارات جوية وأرضية شنتها القوات العسكرية
في تاريخ 15/يوليو/1985م شنت القوات الشيوعية هجمات مكثفة على وادي بنجشير وألحقت خسائر فادحة في الأرواح والأموال بأهالي تلك المنطقة.
في تاريخ 3/يونيو/1987م قُتل نحو 100 شخص من أهالي مديرية أرغنداب بمحافظة قندهار جراء قصف شنته القوات الشيوعية وجيش الحكومي.
في تاريخ 11/ديسمبر/1987م قُتل 200 شخص من أهالي ولاية نورستان – وكانت جزءا من محافظة كنر – جراء قصف شنته القوات الشيوعية، وكان ضمن القتلى رجال ونساء وأطفال.
في تاريخ 24/يناير/1989م تم قتل نحو 1200 شخص من أهالي منطقة سالنج الجنوبية في مجزرة شنتها القوات الشيوعية.[4]
لقد قاتل الشعب الأفغاني الأعزل جيش المحتل الذي حاز قوة عز نظيرها في العالم، مما أثار دهشة المراقبين في كل مكان. استمر الجهاد الأفغاني تسع سنوات كاملة نتج عنها انهزام القوات الشيوعية، مما يدعو الشباب الأفغاني إلى الافتخار بشجاعة آبائهم وشهامتهم وحفظ الجميل لهم.
ما مضى نُتف من المجازر التي تجرعها الشعب الأفغاني زمن الاحتلال الشيوعي لأفغانستان، فهل تلقى الشعب الأفغاني الدروس والعبر من تلك المآسي ليستنيروا بها في حاضرهم ومستقبلهم؟
العِبر التي ينبغي أن تُؤخذ من الماضي
مع الأسف لم تقدر التنظيمات الجهادية أن تؤسس حكومة توافقيه عقب انهزام الشيوعيين وسقوط الحكومة العميلة التابعة لهم في ربيع عام 1992م، وأشعلت الأحزاب الجهادية فتيل الحروب الأهلية. خلال الحروب الأهلية التي اشتعلت في تسعينات القرن المنصرم وما تبعها من أحداث لم يجد الشعب الأفغاني فرصة ليحاسبوا الاتحاد السوفييتي ويطالبوهم بغرامة مالية مقابل ما اقترفوه من إجرام، كما أن المجتمع الدولي لم يرغب في تعقيب مرتكبي الجرائم ليُحاكموا في المحاكم الدولية، وأخذ جميع الشركاء السابقين للمجاهدين الأفغان – بما فيهم الدول الأوروبية وأمريكا والدول المجاورة لأفغانستان – يعملون على استغلال الحالة الجديدة في أفغانستان على النحو الذي يخدم مصالحهم.
والآن بعد مرور ثلاث عقود من خروج القوات الشيوعية من البلد مازالت أفغانستان محرومة من نعمة الحرية ونعمة الإدارة الحرة للبلد. حسب ما يظهر، يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد توقيعها اتفاقية السلام مع طالبان تعتزم إخراج قواتها من أفغانستان إلا أن سياستها الحقيقية لم تتضح بعد. التيارات الداخلية والأجنبية المخالفة للسلام تسعى لإفساد مسار السلام الحالي ولذا نشهد ازدياد تدهور الحالة الأمنية في البلد.
على الحكومة الأفغانية وحركة طالبان أن تجتنبا تكرار التجربة الفاشلة التي خاضتها التنظيمات الجهادية وأن تصطلحا مع بعضهما عبر تسهيل المفاوضات. إن القوائم الطويلة المتضمنة لرغبات الطرفين وإدراجها ضمن أجندات المفاوضات لا تبشر إلا بفشل مسار السلام والمضي نحو الحروب الأهلية المدمرة. القضايا المركزية التي ينبغي التوافق بين الطرفين حيالها في هذه الفترة هي:
- الاتفاق على إطار لتشكيل حكومة مؤقتة تمثل كافة الأطراف بما فيها طالبان؛ مع اخذ ضمان من المجتمع الدولی لدعم هذه الحکومة.
- الاتفاق حيال تعديل الدستور خلال فترة الحكومة المؤقتة لتوافق متطلبات المرحلة الجديدة، وحسمُ كافة النقاط الجزئية الأخرى خلال المفاوضات.
- الاتفاق على تقليل العنف وقبول وقف إطلاق النار بالكامل بعد التأكد من تشكيل حكومة مؤقتة.
- القبول بالانتخابات كوسيلة وحيدة لتداول السلطة في الفترة التي تلي الحكومة المؤقتة وترسيخها كأصل في دستور البلد.
إن ما ينشده الشعب الأفغاني ومعظم أفراد التيارات السياسية والاجتماعية الأفغانية من اللجان المُفاوضة هو أن تُدرك هذه اللجان حساسية المرحلة الراهنة وأن يُسارعوا للوصول إلى اتفاق و ان يغمنوا البلد من الدمار والحروب الأهلية المدمده، مرة ثانية.
[1] طنین، ظاهر، نام کتاب: افغانستان در قرن بیستم ص 263 الی 264
[2] نویسنده گان: گروهی از پژوهش گران از انستیتوی تاریخ نظامی فدراسیون روسیه، نام کتاب: جنگ افغانستان؛ ناشر: بنگاه نشرات میوند – کتاب خانه سبا، سال چاپ اول 1999 م و سال چاپ دوم 2003 م.
[3] نویسنده گان: بسم الله ذکی؛ وحیدالله مصلح و محمد زمان مزمل؛ نام کتاب: تجاوز شوروی بر افغانستان داستان خونین اشغال و جهاد، سال نشر 1398 هـ ش، ناشر: مرکز مطالعات استراتیژیک و منطقوی.
[4] کامگار؛ دکتور جمیل الرحمن؛ نام: کرونولوژی حوادث تاریخی افغانستان؛ سال چاپ 1382؛ ناشر: بنگاه انتشارات میوند، کتاب خانه سبا؛ صفحات 39، 40، 41، 44، 46، 48، 56، 59، 61، 62، 64، 66، 67، 68، 81 و 89 (با تخلیص).