اعلنت السلطات الأمنية في ولاية ننجرهار الشرقية عن حدث مؤلم فی ملعب کرة القدم فی مدينة جلال آباد في 21/أكتوبر/2020م لأجل الحصول على التأشيرة الباكستانية وقد أدى الحادث إلى وفاة 11 امرأة وسقوط 12 جريحا معظمهم من النساء. كما أيد مسؤولو مستشفى مدينة جلال آباد تلقي أجساد الضحايا والمصابين بمراكز العناية بالمستشفى، مؤكدين بأن هناك بين الجرحى ثلاثة رجال. القنصلية الباكستانية في مدينة جلال آباد أيدت وقوع الحدث وصرحت بأن الحادث وقع على بعد خمسة كيلومترات من القنصلية نتيجة سوء الإدارة.[1]
ومنذ عدة أيام، بدأ تجمع آلاف المواطنين في الملعب المذكور بشكل يومي لإكمال إجراءات حصولهم على تأشيرة السفر إلى باكستان. وكانت السلطات الباكستانية قد أوقفت منح التأشيرات في تاريخ 16/مارس/2020م وتم استئناف منح التأشيرات للمواطنين الأفغان بتاريخ 11/أكتوبر/2020م حيث بدأ توزيع التأشيرات في كابل ثم في القنصلية الباكستانية بمدينة جلال آباد. وفق بيان مجلس شورى محافظة جلال آباد الشرقية وقع هذا الحدث خلال تجمع أكثر من ثلاثة آلاف مواطن أفغاني في ملعب كرة القدم بالمدينة للحصول على تأشيرة الدخول إلى باكستان.[2] يتردد الكثير من المواطنين الأفغان وخصوصا سكان المحافظات الشرقية على باكستان لزيارة الأقارب وعلاج المرضى أو إكمال الدراسة الجامعية والدراسات العليا.
وكانت السفارة الباكستانية قد أعلنت في الآونة الأخيرة أن خدمة منح التأشيرات ستتوسع قريبا في قنصليات دولة باكستان في كل من ننجرهار وهرات ومزار شريف بالإضافة إلى مقر السفارة في كابول.
يأتي ذلك في حين أن منح تأشيرة الدخول إلى باكستان فی الاشهر الاخير كان محدودا جدا لاجل تفشی جائحة کرونا حيث كانت تُمنح فقط للمسنين والمرضى والتجار فقط.[3]
وبسبب التهم حيال وجود فساد في عملية منح التأشيرة الباكستانية تم تفويض الشؤون الابتدائية للحصول على التأشيرة إلى ناشطي المجتمع المدني بمدينة جلال آباد وتم تفعيل العمل على ذلك لعدة أيام في ملعب المدينة لكرة القدم، إلا أن اكتظاظ المكان بالمراجعين وعدم إدارة عملية التسجيل بشكل جيد تسببا في وقوع الحدث.
طلب متزايد وخدمات محدودة
توجد في أفغانستان أربعة قنصليات للدولة الباكستانية مفوضة بمنح تأشيرة الدخول إلى باكستان في مدن جلال آباد ومزار شريف وقندهار وهرات. تملك السفارة الباكستانية الحق في قبول أو رفض أي طلبٍ للتأشيرة، وتنقسم أنواع التأشيرة الباكستانية إلى تأشيرة زيارة وتأشيرة علاج وتأشيرة دراسة وتأشيرة عمل وتأشيرة تجارة.[4]
هذا في حين أن آلاف المواطنين الأفغان يتوافدون يوميا على السفارة الباكستانية، والسبب الرئيسی هو تدهور أوضاع المعيشة في أفغانستان حيث يلجأ الكثيرون للسفر إلى باكستان للعلاج أو حل مشاكلهم الأخرى. المرضى الذين يعانون من علل مزمنة ولا تتوفر إمكانيات لعلاجهم في أفغانستان أو لا يصدقون بوجود كفاءة للعلاج داخل البلد وفي نفس الوقت لا يملكون من المال ما يمكّنهم من السفر إلى الدول الأخرى، مضطرون لقضاء أيام صعبة حتى يحصلوا على تأشيرة الدخول إلى باكستان ويُعالجوا مرضاهم هناك بسعر رخيص نسبيا.
في اللقاءات التلفازية والإذاعية يشكو مراجعوا السفارة الباكستانية من الصعوبات التي تكتنف عملية الحصول علی التأشيرة الباكستانية، ويتهمون أشخاصا يتواجدون حول ساحة السفارة بتهيئة الجو لأخذ الرشاوي مقابل تسهيل الحصول على التأشيرة، كما يقول المواطنون بأن مشاكل المراجعين لن تُحل ما لم يتم تفويض العمل إلى شركة متخصصه وإيقاف وساطة الدلالين والمرتزقة في إجراءات الحصول على التاشيرة. ومن بين المراجعين هناك من يحصل على التأشيرة بعد تعب ونصب يستمر لعشرة أيام.
عملية منح التأشيرة قبل عام 2018م
كانت السفارة الباكستانية تمنح التأشيرات للمواطنين الأفغان في كابل بمقدار 700 تأشيرة يوميا، إلا أن هذا الرقم بلغ مع مرور الأيام 1000 تأشيرة. كما أن السفارة الباكستانية كانت دائما تضيق حدود منح تأشيرتها في فترات التوتر بين الحكومتين الأفغانية والباكستانية، مما زاد الصعوبات التي کانت تواجهها المسؤولون الأفغان والمواطنون. يقول الدبلوماسي الأفغاني السابق فی باکستان أحمد سعيدي: “الباكستانيون يعلمون بمدى اضطرار المواطنين الأفغان للحصول على التأشيرة الباكستانية، ويستخدمون الحد من منح التأشيرة كحربة سياسية حتى يضيق المواطنون الأفغان ذرعا بسياسات حكومتهم.[5]
أبدت السفارة الباكستانية في كابل تعاطفها مع حادثة جلال آباد، حيث قدم السفير الباكستاني منصور أحمد خان تعازيه ووعد بالعمل على تحسين عملية إصدار تأشيرة الدخول إلى باكستان. كما أضاف قائلا: نحن نتعهد بتبني سياسة جديدة حيال استحصال التأشيرة للمواطنين الأفغان كما سنسعى لتسهيل الحصول عليها.[6] خلال سفر د. عبد الله عبد الله إلى باكستان وافق مجلس الوزراء الباكستاني على مقترح منح تأشيرة الزيارة لمدة سنة وتأشيرة الدراسة حسب عدد السنوات الدراسية. كما تضمن المقترح الذي تم اعتماده أن تُمنح التأشيرة للمرضى على الحدود دون اضطرارهم لمراجعة القنصليات الباكستانية. يفيد الشهود العيان أن التأشيرة السنوية تُمنح من قبل السفارة الباكستانية إلا أن بقية التسهيلات لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
هل هناك مجالٌ للحل؟
وجود تسهيلات جديده في عملية منح التأشيرة للمواطنين سيحل جزءا من مشاكل الراغبين فی السفر الی باکستان، إلا أن الجزء الباقی من المشاكل يبقى على عاتق الحكومة والشعب الأفغاني حيث إن الخطوات المذكورة لن تستأصل المشكلات الحاصلة. من أهم الأسباب التي تدفع بالمواطنين للسفر إلى باكستان هي الفقر والبطالة والعلاج. إذا حزنا داخل بلدنا مستشفيات حديثة وكادر طبي ذو كفاءة ووسائل طبية حديثة للعلاج، عندها لن يُضطر المواطنون للخروج من أفغانستان في سبيل علاج مرضاهم.
على الحكومة الأفغانية أن تعمل على الحد من خروج الشباب إلى الدول المجاورة بحثا عن العمل، وذلك من خلال استحداث فرص للعمل داخل أفغانستان. كما على المواطنين الأفغان كذلك أن يشعروا بالمسؤولية وأن يجتنبوا اقتحام السفارة والقنصليات الباکستانيه فی البلد للحصول على التأشيرة إذا كان المرض عاديا أو كانت الضرورة غير ملحة. وأما الأمن فيبقى هو القضية الأهم، وما لم تُسرع الحكومة الأفغانية وحركة طالبان عملية المفاوضات الأفغانية الداخلية للوصول إلى السلام العادل والدائم؛ سيبقى المواطنون الأفغان في حاجة إلى ذهاب للدول المجاورة.
هناك احتمالات قائمة بتحسين إدارة منح التأشيرة الباكستانية وتقليل صعوباتها، إلا أن هذا التحسن مشروط بالتزام كل من السفارة الباكستانية ووزارة الداخلية الأفغانية وطالبي التأشيرة الباكستانية بمسؤولياتهم.
توصيات:
- السفارة الباكستانية في كابول مسؤولة عن التوزيع المباشر للتأشيرة للمواطنين الأفغان و عليها تنظيم هذه العملية. لقد حان الوقت لتقوم السفارة الباكستانية بوضع آلية مناسبة تلبي كثرة الطلبات على التأشيرة ويتم من خلالها تفادي الوضع الحدودی الحالي. في الفترة التي تجري فيها محادثات السلام؛ يحتاج كلا البلدين المجاورين إلى تعزيز العلاقات الثنائية، كما يُفترض أن لا تسمح باكستان بوقوع الاختلال في عملية منح التأشيرة مانعا يحول دون تحسين العلاقات بين البلدين.
- من وسائل تقليل مشاكل إصدار التأشيرة؛ تطويل مدة صلاحيتها و کذالک زياده فی مدة الإقامة في البلد المضيف وقد بدأت السفارة الباكستانية في ذلك ويُرجى العمل على توسيعه. الخطوة الأهم في هذا الصدد هو إدخال شركة خدمات وسيطة بين المراجعين والسفارة كما هو الحال مع السفارة التركية والسفارات الأخرى في كابل، حيث تقوم الشركة مقابل رسوم مناسبة بتنظيم عملية الحصول على التأشيرة دون إقحام للمراجعين في الصعوبات ودون تعريض السفارة الباكستانية وقنصلياتها للاكتظاظ بالمراجعين.
- إلى حين توظيف شركة خدمات وسيطة أو ايجاد حل مناسب آخر، بإمكان السفارة الباكستانية أن تنظم جزءا كبيرا من عملية منح التأشيرة من خلال إتاحة فرصة التسجيل لطلب التأشيرة عبر الإنترنت. حيث يتم تعبئة الاستمارات عبر الإنترنت وفق شروط السفارة الباكستانية ويتم إرفاقها بصورة الجواز والمستندات الأخرى ويتم إرسالها للسفارة عبر الإيميل. وبإمكان السفارة أن تضع ترتيبا لطلبات التأشيرة حسب أولوياتها وتحدد تاريخا يُفيد طالب التأشيرة بموعد مراجعته. كما على المراجعين أن يُراعوا النظم ويحضروا السفارة في الموعد المحدد تفاديا لتضييع الوقت وإحداث الزحام دون حاجة.
- کذالک على وزارة الداخلية الأفغانية أن تعمل على حفظ سمعة البلد وتجنيب المواطنين العناء الشديد الذي يتحملونه عند طلبهم للتأشيرة الباکستانية وذلك بمنع تجارة الدلالين والمرتزقة ومن يقوم على تنظيم منح التأشيرة. بإمكان هذه الوزارة أن تمنح هذه العملية لشركة أفغانية أو شركة مختلطة أفغانية – باكستانية مما سيزيد سرعة استحصال التأشيرة ويلعب دورا في حل المعضلة الحالية.
- ينقسم طالبو التأشيرة الباكستانية إلى الفئات التالية:
- مرضى يعانون أمراضا مزمنة ولا يمكن علاجها في الداخل.
- طلاب يدرسون في جامعات باكستان أو يبتغون الدراسة هناک.
- تجار أو عاملون في قطاع الصناعة يسافرون إلى باكستان لأغراض تجارية أو تموينية أو لوجستية.
- الذين يسافرون إلى باكستان لزيارة الأقارب أو يسافرون للسياحة وخصوصا في فصل الشتاء.
الفئات الثلاث الأولى قد لا يُشكلون ربع کل طالبي التأشيرة، ومع الأسف فإن الفئة الرابعة هم معظم من يطلبون التأشيرة، في حين أنهم ليسوا في حاجة ملحة ومستعجلة للسفر إلى باكستان. بالنظر إلى حدث جلال آباد المؤلم، على الشعب الأفغاني ومراجعي السفارة والقنصلية أن يراعوا الأولويات وأن يجنبوا أنفسهم ويجنبوا السفارة المزيد من المشاكل.
نأمل أن تكون حادثة جلال آباد الأليمة عبرة لجميع الأطراف الدخيلة وتكون خاتمة لمشاكل استحصال التأشيرة الباكستانية والتي مازال المواطنون الأفغان يعانون منها منذ عقد ونصف.
[1] https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/persian/afghanistan-5461998.amp
[2] https://af.shafaqna.com/fa/408802
[3] https://www.google.com/amp/s/amp.dw.com/fa-af/
[4] https://www.pakembassykabul.org/fa/%D8%AE%D8%AF%D9%85%D8%AA-%D9%82%
[5] https://tolonews.com/fa/afghanistan/%D8%A9%D8%A7%D9%87%D8%AF%D8%B1-
[6] https://parstoday.com/dari/news/afghanistan/-i117326