بدعوة رسمية من رئيس مجلس الوزراء الباكستاني عمران خان، قام رئيس مجلس المصالحة الوطنية بأفغانستان د. عبدالله عبدالله بزيارة إلى باكستان لمدة 3 أيام، بدءاً من تاريخ 28/سبتمبر/2020م. وقبل هذه الزيارة أجرى عمران خان مكالمة هاتفية مع الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني وتحدثا فيها حيال السلام بأفغانستان. كيف ستكون تأثيرات سفر د. عبدالله عبدالله إلى باكستان على عملية السلام؟ وما هو الدور الذي لعبته باكستان في ملف السلام الأفغاني حتى الآن؟ وما هو الدور المنتظر منها في المستقبل؟ أسئلة تجيب عليها في هذا التحليل الأسبوعي الصادر من مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية.
نوايا سفر د. عبد الله عبد الله إلى باكستان
في يوم 28/أغسطس سافر رئيس مجلس المصالحة الوطنية د. عبد الله عبد الله إلى باكستان بدعوة رسمية من رئيس مجلس الوزراء الباكستاني عمران خان، والتقى الدكتور عبد الله في سفره بوزير الخارجية الباكستاني، ورئيسی مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء السيد عمران خان، والرئيس الباكستاني السيد عارف علوي، وعدد من علماء الدين، كما ألقى كلمة حيال السلام الأفغاني والعلاقات الثنائية بين البلدين بمعهد إسلام آباد للدراسات الإستراتيجية[1].
الدكتور عبد الله عبد الله شغل منصب الرئاسة التنفيذية بالحكومة الأفغانية في دورتها الرئاسية السابقة، كما أنه حاليا يشغل منصب رئاسة مجلس المصالحة الوطنية وله نفوذ مشهود على مستوى السلطة والنفوذ في البلد، وقد زار باكستان بعد نحو 12 سنة، ولعل هذا هو ما تسبب في الترحيب الحار الذي لقيه من الجانب الباكستاني فور وصوله، كما أن باكستان ترغب في أن تُظهر دعمها لأفغانستان رغم وجود الخلافات بين د. عبد الله عبد الله والرئيس محمد أشرف غني، ولعل الهدف الأصلي من ذلك هو أن تقل من نفوذ الهند فی افغانستان و عن استغلال أرض أفغانستان لاتخاذ أي خطوة تُضاد مصالح الحكومة الباكستانية. ذلك أن وزير الخارجية الباكستاني خلال سفر الدكتور عبد الله أبدى تطلعه لنجاح عملية السلام الأفغاني كما أنه في الوقت ذاته أدلى بتصريحات تندد بمن يخربون عملية السلام الأفغاني، وأكد بتوجيه الأنظار نحوهم.
اعطت السلطات الباكستانية الدكتور عبد الله عبد الله احتراماً خاصاً، وأبرزت استعدادها الكامل لتقديم أي مساعدة تُسهم في إنجاح السلام الأفغاني. في لقاء خاص بالدكتور عبد الله قال رئيس مجلس الوزراء الباكستاني عمران خان بأن باكستان ستقبل أي قرار ينتج عن المفاوضات الأفغانية الافغانية، كما صرح وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي في كلمة ألقاها بمعهد إسلام آباد للدراسات الإستراتيجية أن بلده بذلت جهدها حتى تصل أفغانستان إلى السلام الدائم كما أن باكستان مستعدة لتقديم أي مساعدة لإنجاح عملية السلام الأفغاني. مع أن باكستان قد قدمت وعودا في السابق حيال عملية السلام الأفغاني إلا أن الزمن سيُظهر حقيقة الدور الذي ستلعبه الحكومة الباكستانية في جهود السلام الحالی.
بشكل عام فقد كان من نتائج سفر د. عبد الله عبد الله إلى باكستان إلى تحسين العلاقة الثنائية بين البلدين والتي ساعد على تدهورها في الفترة السابقة عوامل عديدة. قدم العلماء الباكستانيون كذلك خلال جلسة خاصة مع الدكتور عبد الله وعودا بالدعم الكامل لمفاوضات السلام الأفغانية الداخلية، كما يُذكر في هذا الصدد أن العلماء الباكستانيين قاموا بزيارة إلى كابل تتعلق بملف السلام الأفغاني. إذا استطاعت الحكومة الأفغانية أن تستقطب دعم العلماء الباكستانيين فإن العلماء المذكورين يقدرون خلال مدة وجيزة أن يحلوا المسائل الخلافية المقعدة في مفاوضات السلام الأفغانية، وذلك لأن لدی حركة طالبان احتراما خاصا للعلماء الباكستانيين، وهذه الخطوة كفيلة بحقن دماء الأفغان وتحسين العلاقة المُتبادلة بين البلدين. ومن باب إظهار حسن النوايا وحسن الجوار تجاه أفغانستان فقد صرحت الحكومة الباكستانية بعمل العديد من التسهيلات في مجال التبادل التجاري بين البلدين، كما وعدت بتسهيل عملية الحصول على التأشيرة الباكستانية للمواطنين الأفغان.
دور باكستان في عملية السلام الأفغاني
منذ عام 2001م الذي شنت فيه القوات الأمريكية هجماتها على أفغانستان وحتى الآن، زار الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي باكستان أكثر من عشرين مرة للحصول على دعم الحكومة الباكستانية لتحسين العلاقات، إلا أن جميع تلك الزيارات المتعلقة بالسلام الأفغاني باءت بالفشل. حتى إن الرئيس الأفغاني السابق قد اعتزم أن يلتقي بنائب رئيس حركة طالبان الملا عبد الغني برادر ويحادثه حيال السلام الأفغاني، الذی لم يتم بعد. لأن الحكومة الباكستانية اعتقلت الملا عبد الغني برادر عام 2010م في مدينة كراتشي، مما خلق حجرا عثرة في طريق السلام الأفغاني، ولم يتم الإفراج عنه الا عام 2018م. صرح المبعوث الأمريكي الخاص للسلام الأفغاني زلمای خليلزاد في لقاء له مع وكالة USIP بأن الحكومة الباكستانية أطلقت سراح الملا عبد الغني بطلب منه. بالإضافة إلى ذلك فان الحكومة الباكستانية متهم باغتيال واعتقال عدد من عناصر طالبان كانوا مؤيدين للسلام الأفغاني. ومع افتتاح المكتب السياسي لطالبان بقطر أظهرت الحكومة الأفغانية ردة فعل تجاه هذه الخطوة، إلا أن افتتاح المكتب المذكور قلل الضغط الذي كانت تمارسهُ الحكومة الباكستانية على قادة حركة طالبان من قبل، ومن جانب آخر فإن افتتاح مكتب سياسي لطالبان بقطر فتح الطرق أمام المفاوضات الأفغانية الداخلية.
قامت حرکة طالبان بالتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية حيال السلام الأفغاني لمدة 18 شهرا وبعد مناقشات طويلة ومعقدة وصل الطرفان إلى اتفاق نسبي نتج عنه توقيع اتفاقية حيال السلام الأفغاني بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 29/فبراير/2020م. وخلال مدة 18 شهرا التي شهدت المفاوضات بين الجانب الأمريكي وطالبان، قام مندوبو حركة طالبان بالسفر من فترة لأخرى من قطر إلى باكستان. إلا أن الرئيس الأمريكي وجه انتقادات لاذعة للحكومة الباكستانية بعد اعتلاء عمران خان لكرسي رئاسة مجلس الوزراء بباكستان في شهر يوليو/2018 متهماً الحكومة الباكستانية بعدم ايفاء دور ايجابی و مطلوب منها تجاه السلام الأفغاني.
مع تعيين زلمای خليلزاد مبعوثا أمريكيا خاصا للسلام الأفغاني في سبتمبر/2018م كان يُتصور أن يتخذ زلمای خليلزاد خطوات مضادة تجاه الحكومة الباكستانية. في يناير/2019م قام عضو مجلس الشيوخ الأمريكي ليندسي جراهام بالسفر إلى باكستان وسعى في التنسيق للقاء بين رئيس مجلس الوزراء الباكستاني عمران خان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد كان هذا السفر بمثابة فرصة مُنحت لباكستان حتى تؤدي دوراً افضل منها تجاه ملف السلام الأفغاني. وفي أول سفر قام به زلمای خليلزاد لدول المنطقة بعد تعيينه مبعوثا أمريكيا خاصا لملف السلام الأفغاني كتب المذكور خطابا وناشد رئيس مجلس الوزراء الباكستاني عمران خان بدعم السلام الأفغاني. وفي يوليو/2019م تم أول لقاء بين رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتحدثا حيال عملية السلام الأفغانية.
بالإضافة إلى المسؤولين بالحكومة الأمريكية، فإن المسؤولين بالحكومة الأفغانية السابقة والحالية طالما انتقدوا باكستان لدعمها حركة طالبان والجماعات المسلحة الأخرى التي تقاتل في أفغانستان. إلا أن الحكومة الباكستانية كانت باستمرار ترد علی هذه الانتقادات الموجهة من الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية، معتبرة أن السلام بأفغانستان يصب في مصالحها، وحسب تصريحات المسؤولين الباكستانيين فإن الحرب الأفغانية قد أضرت كثيرا بدولة باكستان.
موقف باکستان الحقيقی من السلام الأفغانی؟
حركة طالبان كانت في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أفغانستان حتى تاريخ 29/فبراير من العام الجاري. وعندما وصل الجانبان – طالبان وأمريكا – إلى اتفاق نسبي في تاريخ 29/فبراير فقد امتنع كلا الجانبين من شن الهجمات على الآخر وفق الاتفاقية. وعلى أساس الاتفاقية أطلقت الحكومة الأفغانية سراح اکثر من 5000 سجين من المنتمين لحرکة طالبان كما أن حركة طالبان أطلقت سراح 1000 سجين مُعتقل لديها من قوات الحكومة الأفغانية. مع أنه كان من المفترض وفق الاتفاقية الموقعة أن تكتمل عملية إطلاق سراح السجناء من الجانبين بعد مرور عشرة أيام من توقيع الاتفاقية إلا أن هذه العملية استغرقت ستة أشهر. وخلال هذه المدة طلبت الحكومة الباكستانية من الجانبين إطلاق سراح السجناء حتى تُفتح السبل لبدء المفاوضات الأفغانية الداخلية.
حين امتنعت الحكومة الأفغانية عن إطلاق سراح السجناء المعتقلين لديها حسب الوقت المُحدد سافر بعض عناصر طالبان إلى باكستان، وعندما عقدت الحكومة الأفغانية مجلس الشورى الشعبية للاستشارة حيال إطلاق سراح الدفعة الأخيرة (لويا جرگا) من السجناء والبالغ عددهم 400 شخص من المنتمين إلى طالبان، فإن باكستان رحبت بحفاوة بنتائج الشورى الشعبية والتي قضت بإطلاق سراح السجناء المذكورين. وفي الجلسة الافتتاحية للمفاوضات الأفغانية الداخلية أشارت الحكومة الباكستانية إلى علاقاتها الودية القديمة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان وأن الحرب بأفغانستان لن تنتهي عبر المفاوضات كما أنه لا يوجد أي حل عسكري.
ما کيفية السلام الأفغاني الذي ترغب فيه باكستان؟
من بين دول المنطقة فإن باكستان هي الدولة التي لديها مطامع خاصه في ملف السلام الأفغاني. هناك عاملان دفعا بالجانب الباكستاني للعب دور داعم لملف السلام الأفغاني. العامل الأول هو تقليل دور دولة الهند في أفغانستان حيث استثمرت في أفغانستان ما يقارب 4.2 مليار دولار – ومن نماذج الاستثمارات سد سلمى ميناء تشابهار الحدودية ومشروع إنشاء مباني البرلمان الأفغاني وعدد من المشاريع التنموية الكبرى والصغرى. والعامل الثاني هو خروج القوات الأمريكية من أفغانستان. ومن ثم لم تقتصر باكستان على دعم طالبان وحسب وإنما قامت الحكومة الباكستانية بتوسيع دعمها حيال السلام للحكومة الأفغانية وتحديدا للمسؤولين الذين لديهم علاقات وطيدة مع الهند، وقد أزالت باكستان بذلك شيئا من مخاوفها حيال استغلال الهند أرض أفغانستان لما يُضاد المصالح الباكستانية.
قد كانت باكستان في السابق تمارس ضغوطاً على حركة طالبان لتحصل على الامتيازات من الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية، والآن حينما حصلت طالبان على دعم دولي وصارت جهة يُعترف بها دوليا، باتت باكستان تجتنب إعمال الضغط على حركة طالبان، كما تم استبعاد خيار استضافة باكستان لمفاوضات السلام الأفغاني الداخلية، ومن ثم ترغب حاليا الحكومة الباكستانية أن تُظهر للحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية بأنها ستُساهم في إحلال السلام الأفغاني وبهذا الترتيب تعُد باكستان نفسها معنية بنحو ما بالسلام الأفغاني.
من جانب آخر فإن باكستان مضطرة لدعم السلام الأفغاني لكي ينجح مشروع SPEC، وذلك لأن الأعمال الابتدائية لهذا المشروع تبدأ في باكستان وفي حال بروز تدهورات أمنية في أفغانستان فإن المشروع سيواجه عقبات عديدة وسيتسبب ذلك في مزيد من الضعف الاقتصادي بباكستان رغم مرور الاقتصاد الباكستاني في الفترة الحالية بحالة من الضعف.
في سياستها تجاه دول جنوب آسيا أولت الولايات المتحدة الأمريكية أهمية خاصة للهند، ولذا فإن باكستان مضطرة لاتخاذ خطوات تضمن لها دعم وتأييد الحكومة الأفغانية القادمة في حال تم السلام الأفغاني.
لا شك أن السلام الدائم بأفغانستان لا يمكن أن يحل دون دعم دول المنطقة. وذلك لأن تدخلات القوى الكبرى – أمريكا والصين – في دول المنطقة قد زادت عملية السلام الأفغاني تعقيدا.
إن استقرار السلام الدائم بأفغانستان يصب في مصالح دول المنطقة وخصوصا دولة باكستان. السلطات الباكستانية تصرح بعد كل فترة أن الهند تستغل أرض أفغانستان ضد مصالحها، وإذا كانت الحكومة الباكستانية ترغب في ازالة هذه المخاوف فمن الضروري عليها أن تلعب دورها المحوري في عملية السلام الأفغاني. أما إذا استمرت التدهور الأمني بأفغانستان فمن الطبيعي أن تزيد المخاوف التي تقلق منها الحكومة الباكستانية.
[1] – Institute of Strategic Studies Islamabad (ISSI)