في تاريخ 17 مايو 2020 م تم توقيع اتفاقية سياسية بين الرئيس محمد أشرف غني والرئيس التنفيذي السابق د. عبدالله عبدالله لإنهاء النزاع الحاصل حول نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة. وفق الاتفاقية فقد عُين قائد فريق الثبات والتعايش د. عبدالله عبدالله رئيسا للمجلس السامي للمصالحة الوطنية كما مُنح فريقه الحق في تعيين نسبة 50% من مجلس الوزراء. وُقعت هذه الاتفاقية في وقت تمر فيه أفغانستان – عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية – بازدياد في معدل العنف وتدهور اقتصادي وتحديات كبيرة من أهمها تفشي وباء كورونا. وقد سعى الطرفان من خلال توقيع الاتفاقية المذكورة على رسم الخطوط العريضة الكفيلة بتمكينهم من العمل على حل هذه الصعوبات.
في تحليل هذا الأسبوع، سنسلط الضوء على تفاصيل الاتفاقية، وسنتفحص آثارها على عملية السلام في ظل تأثيرات اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية الموقعة عام 2014م على السلام الأفغاني، مع تحليلات أخرى في السياق نفسه.
نظرة مقتضبة على اتفاقيات السلام 2014 و 2020
برزت نزاعات حيال نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2014م بين محمد أشرف غني ود. عبدالله عبدالله وقد استمرت تلك النزاعات لعدة أشهر. ولأجل إنهاء تلك النزاعات تم تقسيم السلطة بين المذكوريْن بوساطة وزير الخارجية الأمريكي في تلك الحقبة جون كيري، وأُنشئت حكومة جديدة وُسمت بحكومة الوحدة الوطنية.
على أساس تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تم إنشاء منصب الرئاسة التنفيذية بقيادة د. عبدالله عبدالله وهو منصب يصادم دستور البلاد. كما تضمنت اتفاقية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التوافق حيال تعيين الشخصيات لبعض المناصب، الأمر الذي فتح باب اختلافات كبيرة بين الطرفين خلال الأعوام الخمس الماضية.
اتفاقية عام 2020 السياسية التي نشأت نتيجة لجهود القادة الأفغان عيّنت د. عبدالله عبدالله رئيسا لمجلس المصالحة الوطنية بدلا عن منصب الرئاسة التنفيذية، في حين أن منصب الرئاسة التنفيذية أُلغي بقرار رئاسي صادر عن الرئيس محمد أشرف غني. بالإضافة إلى ذلك تضمنت الاتفاقية الجديدة تأسيس مجلس الدولة السامي الذي يُشكل أعضائه بعض الشخصيات السياسية ويقوم هذا المجلس بتقديم المشورة للرئيس الأفغاني.
كما تضمنت الاتفاقية السياسية الحديثة ترقية الجنرال عبدالرشيد دوستم أحد قادة فريق الثبات والتعايش إلى رتبة المارشال. وقد تم تشكيل لجنة من خمس أشخاص يُعيّنون من الشخصيات السياسية والوطنية حتى يُشرفوا ويراقبوا تنفيذ الاتفاقية ويزيلوا العقبات التي تعترض طريقها.
الاتفاقية السياسية الجديدة وتأثيراتها على السلام
تم توقيع الاتفاقية بين الرئيس محمد أشرف غني ود. عبدالله عبدالله في فترة سعى فيها الكثير من الشخصيات القيادية على المستوى المحلي والدولي أن ينهوا النزاع السياسي بين القائدين المذكورين. إلا أنهما خلال الأشهر الثلاثة الماضية لم يُوفقوا لذلك. إلى أن قامت جهود حثيثة نشط فيها الرئيس السابق حامد كرزاي والقائد الجهادي عبد رب الرسول سياف مع شخصيات سياسية عديدة أخرى لإنهاء النزاع السياسي الحاصل. كون الاتفاقية الجديدة نشأت نتيجة لجهود وطنية – بخلاف اتفاقية عام 2014 – أمر جدير بالتقدير ولذا قام كل من الرئيس الأفغاني ورئيس مجلس المصالحة الوطنية بتقديم الشكر للقادة والشخصيات المذكورة.
وفق الاتفاقية السياسية فإن رئيس مجلس المصالحة الوطنية هو من يقود عملية السلام وقد تم منحه صلاحية قانونية لاتخاذ القرارات حيال ذلك. وفق الاتفاقية تم كذلك منح مجلس المصالحة الوطنية صلاحية تعيين موظفي المجلس المذكور وموظفي وزارة الدولة في شؤون السلام.
مجلس المصالحة الوطنية الذي له حصة مستقلة من الميزانية مُكلف بإحداث إجماع وتوافق وطني وإقليمي وعالمي حيال السلام، بالتنسيق مع الإدارات الحكومية ذات العلاقة. وهكذا فإن المجلس المذكور مكلف بالعمل على إحلال السلام بالتنسيق والدعم الداخلي والدولي، كما يسعى المجلس عقب إحلال السلام لاستقطاب الدعم الدولي.
مع أن الرئيس الأفغاني اتُّهم عقب الهجمات الأخيرة في كابل وننجرهار وبعض الولايات الأخرى بتعزيز الحالة الدفاعية لقواته الخاصة، إلا أن لهجة حديثه بعد توقيع الاتفاقية قد خفّت وصارت أقرب لصبغة السلام. وقد عدّ الرئيس موضوع السلام من أهم أولوياته وأكد أن البلد بحاجة إلى إجماع وطني لإحلال السلام وأبرز أمله في وقف إطلاق النار واستقرار السلام الدائم في البلد قريبا. كما صرّح بأن د. عبدالله عبدالله شخص مناسب لقيادة ملف السلام على مستوى البلد.
من خلال تصريحات الرئيس المذكورة يتضح أن هناك أملا في إحلال السلام وأن كلا الطرفين ملتزمان ومستعدان لإنجاح عملية السلام. كما أن هذا النوع من التصريحات سيساعد على تلطيف ردة فعل الجانب المقابل (طالبان) وحثهم على وقف إطلاق النار. مع أن المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان في قطر سُهيل شاهين صرح بأن أفغانستان بحاجة إلى سلام دائم وأن الاتفاقية الجديدة ليست كفيلة بحل أزمة البلد، إلا أنه يُؤمل بسرعة إحلال السلام في البلد، حيث إن إحلال السلام هو الشعار الذي تمثل به د. عبدالله عبدالله في الانتخابات الماضية.
لقد مرت البلد عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة باضطرابات سياسية وتحديات اقتصادية كبيرة كما أن نسبة البطالة ارتفعت بسبب الحجر المفروض على البلد نتيجة تفشي فيروس كورونا، وإذا صمم الطرفان على تنفيذ ما التزما به فإن الاتفاقية الموقعة حديثا كفيلة بتقليل وطأة التحديات التي تمر بها البلد. لقد تم توقيع الاتفاقية بين الندّين الانتخابيين عقب انتخابات رئاسية تخللتها الكثير من النزاعات، في حين أن النائب الأول للرئيس الأفغاني أمر الله صالح اتهم تنظيم طالبان بالعنف في بيان ألقاه في ولاية ننجرهار، وحمّلهم مسؤولية الهجمات الأخيرة.
إذا أرادت الحكومة أن تصل إلى السلام حقيقة فعليها في المستقبل أن تمنع الإدلاء بمثل هذه التصريحات. لنجاح المفاوضات الداخلية للسلام الأفغاني لا بد من خلق جو من الثقة المتبادلة والامتناع عن التراشق بالتهم واستبدال لغة السلام بلغة الحرب في الإعلام. كما على الطرفين أن يجتنبا القيام بالهجمات المضادة والانتقامية ضد بعضهما والتي يسقط ضحيتها المواطنون الأفغان.
يأمل الشعب الأفغاني أن تتسبب الاتفاقية الحديثة في إنهاء الاضطرابات الأمنية وتمهيد الطريق نحو وقف إطلاق النار بشكل دائم. كما يأمل الشعب في حل مشكلة السجناء السياسيين التي تُعد حجر عثرة في طريق المفاوضات الداخلية للسلام، كما أن الإفراج عن المعتقلين المذكورين كفيل بإعادة جو الثقة بين الطرفين وتقريب السلام والاستقرار في البلد.
النتائج
لاقى توقيع الاتفاقية السياسية الجديدة بين محمد أشرف غني و الدكتور عبدالله عبدالله ترحيبا واسعا داخليا ودوليا، ومع ذلك فإن على المذكورين أن يجعلا السلام على رأس أولوياتهما، وهذا سيمهد الطريق أمام مجلس المصالحة الوطنية المكلف بإحداث إجماع محلي وإقليمي ودولي حيال السلام. على كلا القائدين أن يتعلما من تجربة حكومة الوحدة الوطنية وأن لا يكررا أخطاء تلك الحقبة، وأن يصرفا كل طاقاتهما وجهودهما في إحلال السلام الشامل والدائم احتراما لضحايا البلد وشهدائه.
إذا كان المراد من توقيع الاتفاقية الجديد الاستمرار في الحكم على منوال الأعوام الخمس الماضية من عمر الحكومة السابقة فإن هذه الاتفاقية لن تحصد أي ثمرة وسيؤول أمرها إلى الفشل. وإذا كان المراد هو إنهاء الأزمة الحاصلة في البلد فإن هذه الفرصة تُعد فرصة تاريخية. على كلا القائدين أن يُلقيا نزاعاتهما جانبا وأن يقوما بالأعمال بتفاهم مشترك وأن يسعيا للاستفادة من الفرصة السانحة بأفضل صورة ممكنة.
بعد توقيع الاتفاقية الجديدة فقد حل د. عبدالله عبدالله في امتحان حقيقي أمام الشعب الأفغاني، وذلك لأن شعاره في الانتخابات السابقة ركّز على العمل لإحلال السلام والتضحية بالمنصب لأجل السلام، فأي طريق سيختار؟ هل سيختار طريق إنجاح عملية السلام وكسب المفخرة التاريخية لذلك أم سيختار استغلال داعية السلام للبقاء في السلطة ودفن آمال الشعب على نحو يؤول إلى الافتضاح أمام الله والناس؟
وكلنا أمل في استقرار السلام الدائم والعادل في أفغانستان.
المصادر:
https://thediplomat.com/2020/04/what-the-covid-19-outbreak-means-for-afghanistans-troubled-economy/
https://twitter.com/hmohib/status/1262071718350336001