أودى فيروس كورونا حتى الآن بحياة نحو 83 ألف شخص وأصيب به نحو 1.44 مليون شخص حول العالم. وقد سُجلت أكبر أعداد من الوفيات في دولة إيطاليا كما أن أكبر معدل للإصابات سُجل في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي أفغانستان كذلك يزداد عدد المصابين يوما بعد يوم، وقد أودى الفيروس حتى الآن بحياة 14 شخصا في أفغانستان.
ظهر الفيروس بداية بمدينة ووهان الصينية، وتوفى على إثر انتشاره هناك الكثيرون. الخطوات التي خطتها دولة الصين في سبيل مكافحة الفيروس أثبتت نجاحها فيما يبدو، وتمت السيطرة على الوباء في الصين. أما في أفغانستان فما هي التدابير التي اتُّخذت لمكافحة الوباء؟ وما هو مستوى توفر الإمكانيات لمكافحته؟ وما مدى استعداد الحكومة والشعب للتصدي لانتشاره؟ وهل سيُثمر الحجر الصحي الذي بدأ تنفيذه في مدن أفغانستان؟ وما مدى تجاوب الشعب الأفغاني مع القضية؟ أسئلة نسعى للإجابة عنها في هذا التحليل.
أفغانستان وفيروس كورونا
بعد ازدياد معدل الإصابة بوباء كوفيد 19 في إيران بدأ العديد من الأفغان المقيمين في إيران بالعودة إلى أفغانستان. وفق تقرير منظمة الهجرة الدولية فإن عدد الأفغان العائدين من إيران خلال شهر مارس المنصرم فقط يبلغ 72 ألف شخص.
وقد وضحت منظمة الصحة الدولية أن فيروس كورونا سريع الانتقال من شخص إلى آخر. وقد سُجلت أعداد ملحوظة من الإصابة بالفيروس في الولايات التي لديها حدود مشتركة مع إيران – هرات ونيمروز تحديدا – بسبب عبور العائدين من هاتين الولايتين.
في الوقت الذي كان يتدفق فيه العائدون من إيران إلى أفغانستان طلب المجتمع المدني والشعب الأفغاني من الحكومة الأفغانية أن تتخذ إجراءات احترازية من انتشار الوباء. مع أن أفغانستان ليست من ناحية حيازتها لإمكانيات الحجر الصحي مثل الدول المتقدمة الأخرى، إلا أن الحكومة كانت قادرة على تمييز من تظهر عليهم علامات الإصابة بالفيروس في النقاط الحدودية، لتتم معالجتهم.
إلا أن تباطؤ الحكومة ضيّع هذه الفرصة، حتى انتشر الوباء في أفغانستان بعد مقدم العائدين إلى البلد وانتشارهم في مختلف محافظات أفغانستان. ويرجع السبب في ذلك حسب وزارة الصحة العامة إلى أن مُعظم من سُجلت إصابتهم بالفيروس هم عائدون من إيران أو أنهم جالسوا وقاربوا العائدين من إيران.
بلغ عدد المصابين بفيروس كوفيد 19 في أفغانستان حتى الآن أكثر من 423 شخص، وتوفي منهم 14 شخصا حتى الآن. وقد صرحت وزارة الصحة العامة أنه في حال عدم تجاوب المواطنين مع قرارات الحكومة المُلزمة بالحجر الصحي فسيبلغ عدد المصابين بالفيروس ثلاثة ملايين شخص، كما يُتوقع وفاة أكثر من مئة ألف شخص في أفغانستان.
مشروع الحجر الصحي في المدن وتجاوب المواطنين
بعد أن ازداد عدد المصابين بفيروس كورونا في ولاية هرات، طلب المسؤولون في ولاية هرات من الحكومة أن تصدر قرارا بتنفيذ الحجر الصحي في مدينة هرات، إلا أن الحكومة تأخرت في إصدار القرار، في حين أن الأمر كان يستدعي استعجالا.
وقد زعمت وزارة الصحة فيما بعد أن هناك من يمانع من إعمال الحجر الصحي في ولاية هرات. وقد اتخذت الحكومة بعض الخطوات لمكافحة انتشار الفيروس، بدءا من تنفيذ الحجر الصحي في ولايات هرات وفراه ونيمروز. وعندما سُجلت أعداد ملحوظة من الإصابة بالفيروس في العاصمة كابل صُوّب في تاريخ 27 مارس قرار تنفيذ الحجر الصحي في العاصمة كذلك. من جانبٍ توجد كثافة سكانية عالية في العاصمة كابل ومن جانب آخر فإن نسبة كبيرة من السكان يعيشون حالة فقر واحتياج، مما جعل الحجر الصحي يؤثر على أوضاعهم المادية تأثيرا سلبيا.
ماذا يبنغي أن يُعمل للحد من انتشار الفيروس؟
فيروس كورونا أوقع الدول المتطورة على مستوى العالم في أخطار ومشاكل كبيرة. وبما أن أفغانستان تعاني من مشاكل أمنية واقتصادية كبيرة فلا شك أن عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية والاحترازية في البلد سيُلحق بالشعب أضرارا كبيرة.
بناء على ما ذُكر وبالنظر إلى ضعف اقتصاد الحكومة الأفغانية فمن الضروري أن يساند الشعب الحكومة في التصدي لانتشار هذا الوباء، وقد ساند بعض التجار الحكومة والشعب بالمؤن الغذائية والمعونات النقدية في سبيل مكافحة آثار الفيروس الاقتصادية.
وبالنسبة لعجز الحكومة في مجال توفير أماكن الرعاية الصحية فمن الممكن أن يُستفاد من المباني والساحات التي كانت تُستخدم لأغراض تجارية، وقد أوقف نشاطها حاليا.
بالإضافة إلى ذلك وبالنظر إلى الضعف الاقتصادي الذي تمر به الحكومة الأفغانية، على الحكومة أن تنشط في استقطاب الدعم الدولي، حتى تُسهم المنظمات الدولية في التصدي لحدوث كارثة إنسانية في البلد.
بالإضافة إلى الميزانية المُقتطعة من الميزانية الوطنية بغرض مكافحة وباء الكورونا، على الحكومة كذلك أن تُـنفق مبالغ الدعم الدولي المُقدمة لأفغانستان، منها حتى الآن مبلغ 15 مليون دولار التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديمه، كما تعهد البنك الدولي بتقديم 100 مليون دولار، وقد تُقدم بعض الدول الأخرى على تقديم الدعم لأفغانستان في المستقبل.
أهم ما يُمكن أن يؤثر في مكافحة انتشار فيروس كورونا هو اتخاذ الإجراءات الاحترازية. مع أن الحكومة قد حظرت التجول في الأماكن المزدحمة، فإن مسؤولية المواطنين الشرعية والوطنية تحتم عليهم أن يساندوا الحكومة في هذا الصدد حتى لا يلعبوا دورا في انتشار الفيروس.
ينبغي على المهاجرين العائدين إلى أفغانستان من الدول الأخرى أن يعتزلوا الآخرين مدة في بيوتهم حتى يُسهموا في عملية تحويط ومنع انتشار الفيروس. كما على الحكومة أن تتبع خططا عملية في مجال توعية الشعب، حتى يحصل المواطنون على المعلومات الوقائية الضرورية التي تكفل سلامتهم وسلامة المجتمع.
أما المواطنون الذين يتضررون ماديا من الحجر الصحي فيتوجب حينها على الفئة الغنية من المجتمع – بالإضافة إلى الحكومة – أن تساند كل من يعيش حالة الفقر والعوز. وقد قام والي ولاية ننجرهار شاه محمود مياخيل بتأسيس صندوق لدعم الفقراء في ظل أزمة وباء كورونا، كما تقدم بالدعم عدد من التجار. ومن الضروري أن تُؤسس مثل هذه الصناديق في كل ولاية، مما سيفيد ذوي الحاجة في فترة الحجر الصحي الذي تمر به مدن أفغانستان.
من جانب آخر فإن اصطفاف جميع فئات الشعب في جبهة موحدة لمكافحة وباء كورونا ومساندة الحكومة في هذا الشأن سيكون له تأثير إيجابي ملحوظ، شريطة أن تضم الجبهة الناشطين المدنيين، والعلماء والمؤسسات الاجتماعية.